الحدث

يوسف الكودة: تجديد الخطاب الديني لا يعني الإفراط أو التفريط

الداعية والسياسي السوداني يوسف الكودة اشتهر بإثارة الجدل من حوله أينما حل، وهو نموذج للنمط الشائع في العديد من بلدان منطقتنا العربية في خلط الدين مع السياسة وتطويع كل منهما للآخر سعيا لكسب أكبر تأييد ممكن في ساحات الصراع السياسي.

درس الكودة الشريعة في جامعات المملكة العربية السعودية، وبعد تخرجه أكمل دراسته العليا في السودان ونال درجة الدكتوراه في أصول الفقه، ثم بدأ مسيرته الأكاديمية أستاذا للشريعة في الجامعة، وبعدها قرر أن يخوض غمار الحياة السياسية من خلال تأسيسه حزب الوسط الإسلامي، الذي أعلن استقالته منه لاحقا، ثم سرعان ما عدل عن الاستقالة بدواعي تمسك كوادر الحزب به، على حد تعبيره.

لفت الكودة الأنظار في عام 2012 عندما أعلن من القاهرة استقالته من هيئة علماء السودان، ما أسفر عن القبض عليه لدى عودته إلى الخرطوم، كما أنه صاحب الفتوى الشهيرة الداعمة لفتح باب العلاقات مع إسرائيل رغم اتخاذ السودان قرارا بقطع العلاقات معها.

في حوارنا معه تطرقنا إلى العديد من قضايا السياسة والدين والعلاقات المصرية السودانية، وهنا نص الحوار.

كثير من اللغط ثار حول استقالتك من حزب الوسط الذي أسسته، قبل أن تعدل عنها لاحقا؟

سعيت إلى تأسيس الحزب تحت اسم حزب الوسط الإسلامي، بهدف محاربة نزعات التطرف والغلو والإرهاب باسم الدين، وحرصت على التأسيس لهذا النهج في الأوراق الأساسية للحزب والعديد من الرسائل الصادرة عن الحزب توضيحا لرسالته، والتي ركزت على تناول ظاهرة التطرف في العصر الحديث والتأكيد على وسطية الإسلام وعدم تناقضه مع جوهر الديمقراطية واحترامه الكامل لحقوق المرأة، وغيرها من القضايا.

أما بخصوص استقالتي من الحزب فقد أوضحت أسبابها وقتها في مقالة أعربت فيها عن ندمي على تأسيس الحزب في ظل ما عاناه الحزب من تقييد على أنشطته رغم تصريح السلطات له بالعمل، ما يعكس حال الحريات شبه المنعدمة في بلادنا وما تولده من إحباط لدى الجميع، فضلا عن أنني كنت أود أيضا التفرغ للعمل الدعوي لتعزيز نهج الوسطية وإصلاح الخطاب الديني والتحرر من الأعباء التي يفرضها العمل بالسياسة، لكن الأمر لم يجد قبولا لدى قيادات وكوادر الحزب التي تمسكت برفض الاستقالة، وعليه رضخت لإرادتهم بالعدول عنها مع مواصلة الجهد في الوقت نفسه في مجال اصلاح الخطاب الدعوي عبر المشاركة في فعاليات عدة داخل وخارج السودان.

وما أسباب استقالتك من هيئة علماء السودان قبل سنوات؟

كان ذلك لأسباب كثيرة منها تخبط الهيئة في فتاواها وقراراتها، ما انعكس في عدم رضا غالبية الشعب السوداني عن نهجها الموالي للنظام وعلاقاتها بأجهزة الأمن.

كيف نجدد الخطاب الديني من وجهة نظرك؟

التجديد المقبول هو الذي تتبناه جهات مشهود لها بالعمل على تعزيز نهج الإسلام المعتدل، فمن غير المقبول لعموم المسلمين أن يتصدى لمثل هذه المهمة من لا تتوفر له صلاحيات تناول قضايا الدين، خاصة تلك الجهات ذات النزعة العلمانية الغالبة، لكن هذا لا يمنع من الإفادة بإسهامات أي جهات أخرى جادة في الإصلاح حتى لو كانت غير متخصصة بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص الأصيل في هذا الشأن.

مثل من؟

بالطبع الأزهر الشريف.

لكن البعض يرى أن الأزهر يبدو عاجزا عن تجديد الخطاب الديني؟

إذا كان الأزهر الشريف ليس مؤهلا للقيام بمهمة إصلاح الخطاب الديني فمن الذي يستطيع ان يفعل ذلك؟ في تقديري أن مصر وما تذخر به من علماء ومؤسسات راسخة كالأزهر وغيره هي الأجدر أن تنهض بهذه المهمة على أفضل وجه، حال توافرت إمكانات طرح خطاب إصلاح قوي يواجه ما أشاعته جماعات روجت لأفكار الجمود والتطرف على مدى عقود طويلة.

وكيف تقيم ما أثير في تونس مؤخرا بشأن قضايا تجديد الخطاب الديني؟

ما حدث في تونس تولته جهات لا تعرف باختصاصها بقضايا التشريع الإسلامي، مثل الحكومة والدولة برئاسة الرئيس السبسي، لذا لم يكتب له النجاح وكان أقرب إلى الإفراط والتفريط.

أثرت جدلا واسعا بفتواك بإباحة التعامل مع إسرائيل، هل لا تزال عند رأيك؟

لا أزال أرى أنه لا مانع شرعا ولا سياسة من وجود علاقة مع إسرائيل، ولا أرى جدوى أن تكون المقاطعة هي خيارنا الوحيد، خاصة بعد أن تم تجربته قرابة القرن ولم يجد في إضعاف إسرائيل أو تقوية المقاومة، فالمقاطعة بدأ تاريخها قبل انشاء دولة اسرائيل حينما كان اليهود يسكنون مع الفلسطينيين، وعلينا تقييم تجربة الدول التي أقدمت على الدخول في علاقة مع إسرائيل، فربما تكون مصر وتركيا مثلا خدمت الفلسطينيين أكثر من السودان المقاطع، والأهم أن مثل هذه العلاقة لا ينبغي أن تكون على حساب الفلسطينيين.

كيف ترى الأوضاع الراهنة في السودان، وهل ثمة مراهنة على نجاح صادق المهدي في توحيد المعارضة؟

أحوال الوضع في السودان لا ترضي أحدا، فالاقتصاد متردي لمستوى مريع إضافة لفقدان الحريات ومصادرة الصحف من وقت إلى آخر وملاحقة الندوات السياسية داخل الاحزاب وخارجها، وحال المعارضة بائس، وفي مثل هذه الظروف لا أرى أن وجود الإمام الصادق المهدي يمكن أن يغير كثيرا من المشهد رغم ما يتمتع به من تاريخ ناصع وكاريزما مجمع على احترامها وكفاءة مشهودة، خاصة مع ما نشهده من ضعف المعارضة وتشتتها.

صادق المهدي

وكيف تقيم العلاقة بين مصر والسودان وما تشهده من أزمات من وقت لآخر؟

العلاقة بين مصر والسودان تمر بما يشبه الأزمات ولكنها ليست أزمات، بل هي أقرب إلى سحابات صيف لما يجمع البلدين الشقيقين من علاقة ممتدة وإرث قديم، فنحن نطلق على انفسنا أبناء النيل، والسوداني لا يستطيع أن يمر عليه وقت دون أن تراوده الرغبة في النزول إلى القاهرة ولو لمدة أسبوع. لذا الأجدى أن نفكر في المضي قدما لتعزيز العلاقات، لا في حل الأزمات، مع ضرورة الانتباه لمحاولات الوقيعة بين البلدين من جماعات ترفع شعارات الإسلام وتسعى إلى زرع الفتنة بين الشعبين عبر ما تروجه في منصات إعلامية تابعة لها.

أحمد الجدي

باحث في شئون الإسلام السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock