ربما لا يوجد بيت مسلم لم ينطلق بين جنباته أثير إذاعة القراّن الكريم، حاملا اّيات الذكر الحكيم، معطرا بنفحات الإيمان، ومحلقا بقلوب السامعين الى اّفاق عالية من السمو الروحى والوجدانى.. إنها إذاعة القراّن الكريم التى تتمتع بمكانة خاصة فى كل أرجاء العالم الإسلامى والتى تحتفل هذه الأيام بمرور خمسة وخمسين عاما على إنشائها وانطلاق أثيرها فى الخامس والعشرين من مارس عام 1964، حين اضطلع الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومى اّنذاك بمسئولية إنشاء هذه الإذاعة المحببة إلى جميع المسلمين، بتعليمات مباشرة من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. فما هى قصة إنشاء إذاعة القراّن الكريم؟
ردا على التحريف
في أوائل الستينيات ظهرت طبعة مذهبة من المصحف الشريف، ذات ورق فاخر، وإخراج أنيق، بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آيات الذكر الحكيم، منها قوله تعالى في سورة آل عمران: «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين»، حيث طُبعت تلك النسخة وحُذفت منها كلمة «غير»، فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تمامًا.
وقتها استُنفِرت وزارة الأوقاف والشئون الاجتماعية، ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والأزهر الشريف ممثلًا في هيئة كبار العلماء كي يتم رد هذا العدوان الأثيم على كتاب الله، وبعد الأخذ والرد تمخضت الجهود والآراء عن تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري على أسطوانات، وأن توزع نسخ منه على المسلمين في أنحاء المعمورة، وكافة المراكز الإسلامية في العالم. وذلك باعتبار أنه أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه. وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم كاملا بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق.
لكن بمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها، نظرًا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات على نطاق شعبي، فضلًا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينيات من القرن العشرين.
ونتيجة لما سبق، انتهى الرأي والنظر في هذا الشأن من قبل الزعيم جمال عبد الناصر ووزارة الثقافة والإرشاد القومي – المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت، وعلى رأسها الدكتور عبد القادر حاتم – إلى اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة، وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجّله المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
الرئيس «جمال عبد الناصر» يفتتح إذاعة القرآن الكريم «مارس 1964»
وبعد موافقة الرئيس عبد الناصر على المقترحات الخاصة بالإذاعة بدأ إرسال «إذاعة القرآن الكريم» في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 25 مارس لسنة 1964م، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميًّا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً، لتكون أول إذاعة تقدم القرآن كاملًا بتسلسل السور والآيات كما نزل بها أمين الوحي جبريل عليه السلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
حصلت الإذاعة بعد ذلك على نسخة لختمة كاملة بقراءة ورش عن نافع للشيخ محمود خليل الحصري، وبدأت أيضا إذاعتها بالتناوب مع الختمة التي كانت تذاع من قبل بقراءة حفص عن عاصم، وذلك ابتداء من 15 مارس 1965م.
و في الأول من رمضان لسنة 1385هـ الموافق للرابع والعشرين من ديسمبر لسنة 1965م، بدأت خطوة ثانية تهدف إلى تحقيق التنويع في الأصوات التي تقدم التلاوة، فأنجزت الإذاعة المصرية مشروع تسجيل 3 ختمات مرتلة بقراءة حفص عن عاصم للقراء الثلاثة الكبار آنذاك ،وهم الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ محمد صديق المنشاوي، الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وفي عام 1967م جرى تسجيل ختمة مرتلة أخرى بصوت الشيخ محمود علي البنا.
محطات مهمة
في أول يوليو 1966، شهدت إذاعة القرآن الكريم تطويرا لافتا في هدفها الإعلامي ومضمون رسالتها الإذاعية، بإدخال عدة برامـج جـديدة تستمد مـادتها من القـرآن الكـريم ومن السنة النبوية، وبذلك امتد هـدف ومضـمون الإذاعة من حفظ القـرآن الكريم من أي تحريف، إلي تبيان أحكامه ومعانيه. وقد أسهم هذا التطور في الرسالة الإعلامية لمحطة إذاعة القرآن الكريم، في تأكيده وتحقيقه اقتراح كان تقدم به أحد نواب دائرة- أولاد طوق- بمحافظة سوهاج لمجلس الأمة وهو الشيخ محمد حافظ سليمان، لإدخال أذان الصلوات، وبعض برامج تفسير القرآن الكريم وبرامج في شرح الأحاديث الشريفة ،باعتبارها البيان النبوي للقرآن الكريم والمصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وجرت الموافقة على هذا الاقتراح، وأحيل للعمل بموجبه إلى وزير الثقافة والإرشاد.
وبناء على ذلك أُدخل إلى نسيج المادة المذاعة أذان الصلوات وعدد من برامج التفسير وبرامج السنة المطهرة، من بينها برامج الأحكام في القرآن، والأمثال في القرآن، والحياة في القرآن، والتفسير المقروء، ومن بيوت الله، . وقد بدأت إذاعة هذه البرامج بمدة إجمالية تمثل 5 في المائة من نسبة عدد ساعات الإرسال، التي كانت تبلغ 14 ساعة يوميا، والباقي 95 في المائة ، للقرآن المرتل.
و في عام 1967م أدخل القرآن المجود بأصوات مشاهير القراء، حيث احتل القرآن المجود بجانب القرآن المرتل مساحة مهمة في مضمون المادة الإذاعية بالمحطة، وصارت تلك الخطوة نافذة أطل من خلالها عشرات المواهب من القراء الجدد الذين أُعتمدوا من قبل لجنة اختبار القراء والمبتهلين بإذاعة جمهورية مصر العربية.
وفي عام 1973م بدأت إذاعة القرآن الكريم تشارك البرنامج العام في نقل و إذاعة صلاة الفجر علي الهواء يوميا، ومنذ عام 1977م أصبحت تشارك مع البرنامج العام في إذاعة صلاة الجمعة ،حيث تم اتخاذ قرار وقتها باستمرارالإرسال طوال يوم الجمعة ولا يتوقف في الحـادية عشـر صـباحا كما كان مقــــررا كل يوم.
قفزة كبيرة
مع حرب العاشر من رمضان 1393هـ السادس من أكتوبر 1973 شهدت إذاعة القرآن الكريم قفزة كبيرة في مدة الإرسال التي زادت إلى 19 ساعة يوميا بزيادة 5 ساعات عن الفترة السابقة، كما زادت نسبة مدة البرامج إلى عدد ساعات الإرسال يـوميا لتشكل 30 في المائة من أوقات البث. ومـــن بين البـــرامج التي استحــدثت في تلك الفترة «يا أمة القــرآن، الرحمن علم القرآن، في رحاب القرآن، لغة القرآن، حقيقة القرآن».
و في منتصف الثمانينات سجلت إذاعة القراّن الكريم مصاحف مرتلة لعدد من القراء هم: أحمد نعينع، محمود حسين منصور، أحمد عامر، الشحات محمد أنور، علي حجاج السويسي، محمود صديق المنشاوي. وفي مايو 1994م تقرر استمرار إرسال شبكة القرآن الكريم على مدار الـ24 ساعة.