نعيش هذه الأيام على وقع هستيريا التعصب الكروي المجنون بين جماهير ناديى القمة فى مصر الأهلى والزمالك ..هذا التعصب الذى طفح وطفا على صفحات التواصل الاجتماعي التي صارت في السنوات الأخيرة، الوقود الذى تتغذى عليه نار التعصب الأعمى. هذا الاهتمام الجماهيري بكرة القدم موجود تقريبا في كل دول العالم، حيث تستأثر باهتمام ومتابعة ملايين المشجعين في كل أرجاء المعمورة ، فـ«كرة القدم» ليست لعبة شعبية تستحوذ على اهتمام البشر فقط، وهي – أيضا- ليست تلك الصناعة التي تدر المليارات، وتغري ملايين الناس بأحلام الثراء فحسب، بل هي أيضا تعبير متجاوز عن الحنين إلى البدايات البريئة المتحررة، والتطلع لتحقيق الأحلام المستحقة. فهي لا تأسر عشاقها في الإطار الزمني للمباراة فقط، بل تحرضهم على كسر هذا الحاجز.. إنها تجسيد واقعي جدا لخيال جامح يسابق الريح نحو الهدف الذي ينفجر في ثنايا ومضة تشعل وهج سعادة خالصة لا سبيل لوصفها على نحو دقيق.
إهتمام مبكر
وعت السينما المصرية مبكرا أهمية كرة القدم كموضوع يمكن تناوله سينمائيا لأسباب عديدة تتعلق بجماهيرية اللعبة التي تضمن للفيلم حضورا جيدا، وتتصل برغبة تلك الجماهير في رؤية اللاعبين على الشاشة الفضية؛ لأن الغالبية آنذاك كانت تتابع المباريات في المذياع.. أحد هذه الأسباب يتعلق بالممثلين الذين بدأوا حياتهم كلاعبي كرة ثم انتقلوا للفن، وكذلك فإن آخرين أرادوا استثمار شهرتهم في الملاعب في عالم الفن.
في ثلاثينيات القرن الماضي تبنَّى المخرج «توجو مزراحي» موهبة الممثل السكندري «ليون أنجل» وقدم له عدة أفلام حملت اسمه الفني «شالوم» وقد حققت هذه الأفلام نجاحا جماهيريا لا بأس به، وكان من ضمنها أول فيلم رياضي مصري، وهو فيلم «شالوم الرياضي» إنتاج عام 1937، ويحكي قصة الشاب «شالوم» الذي فشل في أن يكون لاعبا في صفوف فريقه المفضل «نادي الاتحاد» الذي يشار إليه في الفيلم باسم «النادي المحترم» ما يجعله يتجه لتبني موهبة كروية ليصل به إلى صفوف الفريق الأول بالنادي، بل ليكون أحد نجوم الفريق.. وقد شارك في الفيلم نجوم نادي الاتحاد كما صورت المشاهد بملعب الفريق بالإسكندرية.
«كابتن مصر» هو اسم الفيلم الذي أنتج عام 1954، من إخراج بهاء الدين شرف، وقصة وسيناريو وحوار كمال محمد وبطولة محمد الكحلاوي وإسماعيل ياسين، ويروي الفيلم قصة شاب ينتمي للطبقة الفقيرة ويحلم بأن يكون نجما لكرة القدم، لكن أهله يعارضون تلك الرغبة.. ويرتبط الشاب عاطفيا بجارته شقيقة صديقه «بوشكاش» – قام بدوره إسماعيل ياسين- لكن أحد الأثرياء –يقوم بدوره محمود المليجي- يرغب في الارتباط بالفتاة، ومع صعود نجم الشاب وشهرته يحاول الغريم إيقاعه في المشاكل ما يتسبب في تراجع مستواه وتركه النادي وعمله بالغناء في أحد الملاهي الليلية؛ لكنه سرعان ما يفيق، ويعود إلى النادي ويسترد مكانته وخطيبته بعد أن ينقذ غريمه من الموت؛ لينتهي الفيلم نهاية سعيدة.. تم تصوير المشاهد الرياضية بنادي الترسانة، وتمت الاستعانة ببعض لاعبي الفريق الأول بالنادى آنذاك.
أفلام «كروية»
في أعقاب ثورة يوليو اختفت الأفلام الرياضية من السينما المصرية لفترة، وربما يرجع ذلك لتصاعد وتيرة الأحداث الوطنية والسياسية بعد جلاء قوات الاحتلال عن مصر ثم وقوع العدوان الثلاثي عام1956. ففي تلك الفترة انشغل السينمائيون بالموضوعات المتعلقة بالثورة وأهدافها وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية الواسعة.. وقد امتدت تلك الفترة التي خلت من إنتاج أفلام تقدم لعبة كرة القدم إلى عام 1964، حين قدم المخرج كمال عطية فيلمه «حديث المدينة» قصة وسيناريو وحوار محمد عثمان.. وقد شارك في بطولة هذا الفيلم عدد من نجوم الكرة وقتها على رأسهم عصام بهيج وطه إسماعيل وعلي محسن، وظهر الشاذلي والفناجيلي وريعو ورأفت والروبي وآخرون في عدد من مشاهد الفيلم.. وتدور أحداثه حول نجم الكرة «عصام» الذي يتعرف على فتاة لعوب نصبت شباكها حوله مستغلة ظروفه المادية الصعبة- أشار الفيلم أن كل ما كان يتقاضاه لاعب الكرة في نادي شهير آنذاك ثلاثة جنيهات شهريا فقط لا غير ،وهو أمر غير معقول- ما تسبب في تراجع مستواه، وفصله من الجامعة وإدمانه المخدرات. لكن زملاءه وأصدقاءه من اللاعبين يحاولون إنقاذه وإعادته إلى الملاعب.. وينجح الرفاق أخيرا في إعادة صديقهم إلى الملاعب بعد أن خاض تجربة مريرة.. فيما ذهبت الفتاة اللعوب للبحث عن صيد آخر.
«الشياطين والكورة» هو اسم الفيلم الذي قدمه المخرج محمد فريد عن قصة وسيناريو وحوار لبهجت قمر.. عرض الفيلم لأول مرة في أعياد الربيع 1973، وتدور أحداثه في إطار كوميدي عندما يقع اللاعب كمال في غرام سناء التي يشجع والدها الفريق المنافس لفريق كمال، ما يجعله يفضل عليه شابا آخر هو رفيق.. ويكتشف عكاشة صديق كمال وزميله في الفريق أن رفيق مهرب آثار، ويحاول الصديقان كشف أمره أمام أسرة سناء وتتوالى الأحداث والمفارقات لتنتهي بالقبض على رفيق، وزواج كمال من سناء.. صورت المشاهد الرياضية في نادي الجزيرة وظهر الكابتن صالح سليم في بداية الفيلم وهو يتابع المباراة كما ظهر الكابتن محمد لطيف معلقا على أحداث المباريات وتم تغيير أسماء الأندية إلى نادي البرج (الأهلي) ونادي الشاطئ (الاتحاد السكندري) دون سبب معروف.. كما تعرض الفيلم لضعف الأجر الذى كان يتقاضاه اللاعبون.. إذ بدا بطل الفيلم وهو لاعب كرة شهير معدما بالمقارنة مع غريمه.. وسبحان مغير الأحوال!
«أونكل زيزو حبيبي» هو عنوان الفيلم الذي أنتج عام 1977 من إخراج نيازي مصطفى والقصة ليسري الإبياري والحوار لبهجت قمر أما السيناريو فكان لعبد الحي أديب. وتدور أحداث هذا الفيلم حول قصة شاب يعاني من الفشل في كل ما يقوم به، ما يتسبب في مرض ابن أخته الذي يحبه ويراه قدوته وإصابته بأزمة نفسية؛ فيلجأ عم الشاب إلى حقنه بمادة تجعله ذا قوة خارقة؛ فيذهب الشاب للعب بالنادي الذي تعمل فيه الفتاة التي يهواها طبيبة للفريق، فيصبح نجم الفريق الأول ويمطر شباك الخصوم بعشرات الأهداف؛ لكنه يتسبب في إصابة حارس مرمى إحدى الفرق بالشلل فيصاب بأزمة نفسية ويفقد قدراته الخارقة.. وتتوالى الأحداث.
https://youtu.be/qfS3adLfkaw
ومن إخراج محمد عبد العزيز وقصة وسيناريو وحوار علي الزرقاني يقدم لنا العملاق فريد شوقي دورا من أجمل أدواره الكوميدية في «رجل فقد عقله» إنتاج 1980، من خلال شخصية رجل أعمال يطارد النساء بدعوى انشغال زوجته عنه، بينما يسعى ولداه «زيزو وكيمو» وهما لاعبان في فريق النادي الأهلي لمنعه من الزواج من إحدى الفنانات، وتتصاعد الأحداث ويتراجع مستوى «زيزو» بسبب المشاكل العائلية التي يتسبب فيها الأب.. لكن الفيلم ينتهي نهاية سعيدة بعودة «زيزو» إلى خطيبته، وعودة الأب إلى المنزل، ومعرفة الفنانة «سوزي» بالحقيقة.
وعن فكرة مستوحاة من الكوميديا الإيطالية «بردرسو» يقدم المخرج أحمد فؤاد عام 1981، فيلمه (4-2-4) سيناريو وحوار فاروق صبري.. وفي الفيلم نرى الشاب الريفي منصور يرث عن أبيه فريقا لكرة القدم يعاني من مشاكل فنية وإدارية، لكن منصور الساذج يبيع الفريق كاملا ما يتسبب في غضب الجماهير، ويتدخل كابتن «حلواني» وهو سمسار لاعبين ونصاب، لإنقاذ الموقف على طريقته إذ يجمع بعض الهواة من أبناء الأحياء الشعبية ويقنع منصور أنهم لاعبو كرة قدم حقيقيون، ويحقق الفريق بعض الانتصارات قبل أن تتطور الأحداث بفعل الغرور الذي يصيب أعضاء الفريق ما يجعلهم يغالون في طلباتهم، ويعود مدرب الفريق الذي غادر بعد بيع الفريق الأول، ومعه فريق الناشئين فينقذ الموقف ويحقق الفوز لكنه يفاجأ بان للاعبين الصغار مطالب أيضا فيفقد الوعي.
ويتعرض الفيلم لعدة قضايا مهمة في الحقل الرياضي منها الفهلوة والسمسرة والمبالغة في أسعار اللاعبين، و دخول كثير من غير المؤهلين لهذا المجال ما يتسبب في العديد من المشاكل.
ويقدم سمير سيف في العام التالي فيلمه «غريب في بيتي» عن فكرة مستوحاة من مسرحية «فتاة الوداع» للكاتب المسرحي الأمريكي «نيل سايمون». كتب القصة والسيناريو والحوار وحيد حامد، وقام بدوري البطولة نور الشريف وسعاد حسني.. ويتناول الفيلم – من خلال قصة شحاته أبو كف الشاب الموهوب الذي ينضم لنادي الزمالك ويبزغ نجمه ويحرز نصف دستة أهداف في أول مباراة يلعبها مع الفريق ضد النادي الأهلي- عدة قضايا في الوسط الرياضي بالغة الأهمية، منها محاولات إفساد اللاعبين الموهبين بالعلاقات النسائية، وقد عقد كثير من النقاد والجماهير أيضا مقارنة بين شخصية بطل الفيلم شحاتة أبو كف ونجم الزمالك الشهير آنذاك على خليل الذى قدم للعب فى الزمالك من محافظة بنى سويف،
ويعود فريد شوقي بعد أربع سنوات من «رجل فقد عقله» لتقديم «يا رب ولد» من إخراج عمر عبد العزيز وتأليف فيصل ندا ويظهر في الفيلم نجوم النادي الاهلي في تلك الفترة إلى جوار زميلهم «إكرامي» أحد أبطال الفيلم الذي يلعب دور خطيب الابنة الصغرى للحاج أسيوطي الذي تتجدد آماله في إنجاب ولد بعد أن ذاق الأمرين من زوجي ابنتيه، وشارك فى الفيلم عدد من نجوم الأهلى وقتها كضيوف شرف منهم حسام البدرى وجمال عبد الحميد وفى الفيلم كان الحاج الاسيوطى لا يطيق إكرامى خطيب ابنته ولا زملاءه من اللاعبين وللمفارقة الغريبة حين فاز نادى الاسيوطى فى العام الماضى على النادى الأهلى وأخرجه من مسابقة كأس مصر وكان حسام البدرى يدرب الأهلى سخر الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعى وفى السوشيال ميديا وانتشرت على المواقع كوميكسات من عينة أن الحاج محمد الأسيوطى عاد لينتقم من حسام البدرى بعد حوالى خمسة وثلاثين عاما من تصوير الفيلم
ثم يقدم شريف عرفه عام 1988، فيلمه «الدرجة الثالثة» عن الصراع بين جمهور الكرة الحقيقي جمهور الدرجة الثالثة البسطاء الذين يشجعون فريقهم بإخلاص، وفريق المستفيدين والمنتفعين من المتحكمين في النادي ومداخيله المالية والذين يحاولون هدم مدرج الدرجة الثالثة للتخلص من هؤلاء المشجعين المزعجين.. لكن الفقراء ينتصرون في النهاية ويحافظون على مدرجهم وناديهم رغم كل العقبات.
وكعادة المخرج أشرف فهمي في تقديم أفلام تحتوي كوكتيلا غير متجانس من التوابل والمشهيات السينمائية- يقدم لنا في عام1995، فيلمه «ضربة جزاء» قصة وسيناريو وحوار سمير الجمل الذي صنع خليطا من كفاح الراقصات وصعود رجال الأعمال بطرق غير مشروعة وموضوع الإرهاب مع عدم إغفال الفانتازيا التي جعلت من رئيس محكمة حكما لمباريات كرة القدم بالدرجة الثانية، بالإضافة إلى الفساد المنتشر في دوري الدرجة الثانية وشراء ذمم اللاعبين والتحايل للصعود لدوري الدرجة الأولى.. هذا إلى جانب القروض دون ضمانات والاستيلاء على أراضي الدولة.. ليخرج لنا في النهاية فيلم يعتبر بكل المقاييس إساءة بالغة لكل من شارك فيه.
ومع بداية الألفية تظهر الأفلام التي تتناول موضوعات كروية مجددا مثل «سيد العاطفي» من إخراج علي رجب إنتاج 2005، و«الزمهلاوية» إخراج أشرف فايق ومن تأليف عصام حلمي، ويعالج مشكلة التعصب الكروي وظهر فيه عدد من اللاعبين منهم عمرو زكي وخالد بيبو ومحمد شوقي إلى جانب أبطال الفيلم.
https://youtu.be/FlHm6meeu3M
وفي عام 2009 يقدم المخرج أحمد مدحت من تأليف ياسين كامل فيلم «العالمي» وهو أفضل الأفلام المصرية التي تناولت كرة القدم من الناحية التقنية وتصوير مشاهد المباريات ويتناول الفيلم قصة صعود شاب موهوب حتى يصل إلى العالمية ويلعب لأحد الأندية الإسبانية ويصعد بمصر إلى كأس العالم.. ورغم أن الفيلم كان تحفيزيا للصعود لكأس العالم 2010، بجنوب أفريقيا إلا أن السيناريو قد تحقق تقريبا في مونديال روسيا2018.
https://youtu.be/bfdA0Ri6nGA
ومن تأليف عمر طاهر وإخراج معتز التوني يعود مجددا اسم «كابتن مصر» للظهور في السينما بعد ستين عاما في فيلم من بطولة محمد عادل إمام الذي يقوم بدور لاعب كرة يدخل السجن لإصابته أمين شرطة بسيارته في أحد الكمائن، ويحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ويتمكن من تكوين فريق للسجن وينجح في إقناع قيادات الداخلية بخوض مباراة دولية بفريقه.. ويحفل الفيلم بالمواقف الكوميدية، وقد حقق الفيلم نجاحا جماهيريا واسعا.
تجدر الإشارة إلى أن المخرج محمد خان قد قدم عام 1983، فيلمه الرائع «الحريف» والفيلم يتناول قصة حياة أحد اللاعبين الموهوبين الذي يمارس كرة القدم (الكرة الشراب) في الشارع بعد أن ضرب مدربه في النادي، ويعاني البطل كافة أنواع الفشل العاطفي والاجتماعي وفي مجال العمل، وهو يلهث طوال الفيلم لإدراك هدف حياته الذي لا ينجح في إحرازه إلا متسللا لحياة أخرى.. ويمكننا اعتبار «الحريف» بكل ما يحمل من روعة الإخراج وجمال التصوير، وحسن الأداء فى مكان آخر لوحده بعيدا عن هذه الأفلام التي هي في مجملها ضعيفة و لا ترتقي للمستوى المطلوب خاصة أن الموضوع هو الساحرة المستديرة المعشوقة الأولى لسكان هذا الكوكب التعيس.