كتب: إيان ليزيل
ترجمة وعرض : تامر الهلالي
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى تحتل حيزا كبيرا فى حياتنا، فهى تدخل فى أولويات اهتمامات الناس وتسيطر على مساحة كبيرة من تفكيرهم، وبسببها تراجع الاهتمام بأمور ومجالات كانت ذات تأثير عميق فى حياة البشر، أهمها بالطبع الصحف والمجلات الورقية.
وفى هذا الإطار أيضا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر فى السياسة وعلاقات السياسيين بالجماهير وبالناخبين، وبات واضحا أن السياسيين الذين لا يتواصلون باستمرار مع الناس، ويعرضون على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يدور في أذهانهم أو حتى بما يختص بعائلاتهم وذويهم ،بعيدين عن الجمهور.
وقد يصل الأمر إلى أن يتم اتهامهم بالتصلب العجرفة والافتقار إلى الشفافية والهروب من المواجهة مع ناخبيهم، فبسبب وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر، لم يعد الناخبون راضين عن سماع آراء ومواقف السياسيين بشأن السياسة دون التحقق من الصور الطريفة والغريبة لعائلاتهم.
ترامب ودوكينز
يمكن أن يشير مؤيدو هذه النظرة إلى النجاح الذي لا يمكن تفسيره لدونالد ترامب الرئيس الحالي للولايات المتحدة، والذي يبدو أنه ليس لديه موهبة إلا في سكب دماغه الضئيل في صندوق إلكتروني عبر تغريداته المجنونة على موقع توتير.
لكن ما يفتقده هذا التحليل هو أن ترامب كان أساسًا نجم تليفزيون، أولاً في برنامج تليفزيون الواقع الذي كان يقدمه، ومن ثم على شبكات الكابل و شبكة الانترنت التي غطت كل دقيقة من حملته لعام 2016 كما لو كانت تغطي أنباء حريق هائج في كاليفورنيا.
ولابد أن نشير هنا أن كثيرا من مؤيدي ترامب غير مرتاحين إلى تغريداته، حيث تظهر بعض الأبحاث أنه سيكون في الواقع أكثر شعبية إذا انخفضت وتيرة تغريداته.
دونالد ترامب
الحقيقة أن ما ساهم فيه تويتر هو أننا أصبحنا الآن نعتبر أن الساسة مثلهم مثل أي شخص، مهووسين بذواتهم، يسعون إلى جذب الاهتمام مثلنا. قد يجعلنا تويتر وغيره من المنصات الاجتماعية ننتبه لوجود أفراد معينين أكثر مما فعلنا من قبل، وقد نحب بعضهم أكثر من ذي قبل، لكن احترامنا لهم لا يزيد أبدًا من خلال تويتر. يمكن أن يزيد تويتر من شهرة الشخص، لكنه لا يعمل على زيادة الإحترام ولا النفوذ والسلطة. فأولئك الذين لديهم شهرة منخفضة لديهم الكثير ليكسبوه من خلال تلك المنصة ـ أما أولئك الذين يتمتعون بسلطة عالية ، فهم الأكثر خسارة. لانه كلما زاد تواتر الأشخاص الجادين الذين يتمتعون بسلطة ونفوذ، قلما نأخذهم على محمل الجد.
على سبيل المثال، نذكر في هذا السياق ما حدث مع ريتشارد دوكينز، عالم الأحياء، الذي يمثل سلطة علمية، فنظرًا لأنه لم يتمكن من مقاومة إرضاء تويتر، فقد أصبح من الصعب أن يؤخذ ما يقوله هذه الأيام بجدية. فبعد حملته للسماح له بحمل جرة من العسل على متن طائرة، وهو ما قوبل بالرفض، غرد قائلا : «لقد فاز بن لادن، حيث الإجراءات الوقائية في مطارات العالم كل يوم. تمنعنا من اقتناء مجرد جرة عسل صغيرة» وهذا بالطبع انعكس سلبيا على نظرة متابعيه إليه
ريتشارد دوكينز
والصحفيون أيضا
ليس فقط السياسيون المجموعة الوحيدة التي أتمنى أن يستغنوا عن تويتر، بل الصحفيون أيضا. فعندما كان الصحفيون يلتقون قديماً في الحانات لتبادل الأحاديث و النميمة عن زملائهم، لم يكن أحد يعتقد أنه من الجيد نشر تلك المحادثات. أما المنصات الإجتماعية وعلى رأسها تويتر فإنها لا تستغني عن مثل تلك الأحاديث المبتذلة والنميمة في سبيل الحفاظ على احترام الجمهور للأشخاص الذين يقدمون لهم الأخبار، تمامًا كما لا تستغني عن نميمة السياسيين.
ربما تخيل الصحفيون أن تويتر سيوفر للجمهور لمحة عن العمل الشاق الذي يبذلونه لنقل الأخبار، لكن بدلاً من تعزيز الاحترام لما يفعله الصحفيون، يصبغ ما ينشر على موقع تويتر من يمارسون المهنة بالصبيانية وعدم المسؤولية. ولا يتعلق هذا الأمر بالصورة العامة للصحفيين والساسة، لكن تويتر يجعل السياسيين والصحفيين يقومون بأداء وظائفهم بطريقة مختلفةً، حيث يلتزمون بآراء أكثر تسرعًا، ويشوهون العلاقات ويذوبون الفوارق المهنية بين الصحفيين المحترفين المؤهلين وبين الأشخاص الذين يدردشون في موضوعات لديهم بعض المعلومات عنها.
في هذا السياق قال فرهاد مانجو، وهو كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، إن تويتر يفسد الصحافة، لأن «الخوف من فقدان المتابعين هو الحساسية الأساسية لتويتر، وهو ما يتطلب من الجميع الإدلاء برأي سريع قبل الآخرين».
فرهاد مانجو
ومن أجل الحفاظ على سلطتهم، يحتاج الصحفيون إلى أن يكونوا موضوعيين وألا يستسلموا لوتيرة الواقع المربك المحير، لكن هذا النوع من الأشياء لا يمثل أهمية على تويتر، الذي يريد قضايا ساخنة، ويريدها الآن.
من خلال هذا التسابق المحموم الذي يفرضه تويتر كوسيط، فإنه يحوّل الأشخاص الذين يحتاجون إلى أخذ مسافة معينة من المعارك الانتخابية والقضايا الجدلية السياسية إلى باحثين عن النفوذ، ومنخرطين في مسابقة شبيهة بمباراة مصارعة حرة مع الناشطين ومروجي نظرية المؤامرة والهاكرز الروس.