كتب: محمد زهير
ترجمة وعرض: تامر الهلالي
من الحقائق العديدة القبيحة في هوليود أن صناعة السينما – برغم كل ادعاءات القائمين عليها بأنها صناعة تقدمية – اعتمدت بشكل كبير على القوالب النمطية العرقية والإثنية، لتشكل الأحكام المسبقة السائدة بين جمهورها، ويعد ذلك صحيحا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمن يتم اختيارهم ليكونوا أشرارا.
وعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة منذ عقود، إلا أن الروس ظلوا مجموعة مفضلة من الأشرار، وكذلك الألمان بسبب عدد لا يحصى من الأشرار النازيين الذين ظهروا على الشاشة منذ الحرب العالمية الثانية.
العدو الأول
لكن منذ مطلع الألفية، كان أكبر هدف منفرد للتشويه هم المسلمون. وحتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجد المسلمون أنفسهم يُصوَّرون على أنهم كائنات جنسية غنية بالنفط، أو نساء خاضعات، أو على أنهم كارهون للنساء أو إرهابيون متشددون. لكن مأساة 11 سبتمبر 2001، والحرب التي تلت ذلك على الإرهاب، أدت إلى تفاقم التعاطي السلبي الذى يتعمد التشويه والتزييف.
وعلى الرغم من حقيقة أن أعضاء الحركات المتطرفة اليمينية والبيضاء هم المسؤولون عن تنفيذ الغالبية العظمى من جرائم القتل ذات الصلة بالتطرف في الولايات المتحدة في السنوات الـ 15 الماضية، وفقا للإحصائيات، فإن المسلمين هم الذين أخافوا الجمهور معظم الوقت.
وبفضل سلسلة من دراما الإثارة بعد 11 سبتمبر مثل 24، أو Sleeper Cell، بدا أن التلفزيون الأمريكي جعل الإسلام وأتباعه العدو رقم واحد.
نموذج للتعصب
رغم ذلك، لم يجسد أي عرض شعار الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش «إما أن تكونوا معنا، أو أنكم مع الإرهابيين» تمامًا مثل مسلسل Homeland الذي عرضته سلسلة قنوات Showtimes، حيث كانت الشخصيات المسلمة، إما إرهابيون أو مخبرون متعاونون مع الحكومة الأمريكية.
ويعرض في وقت لاحق من هذا العام الجزء الثامن والأخير من تلك الدراما التليفزيونية – أما بالنسبة للكثيرين في المجتمع الإسلامي، لا يمكن أن تنتهي آثار هذا المسلسل قريباً.
منذ عرضه لأول مرة في عام 2011، أثبت المسلسل أنه واحد من أكثر عروض الدراما تعصبا على شاشات التلفزيون. فبالإضافة إلى احتوائه على كل الصور النمطية السلبية stereotypes عن المسلمين، تم التعامل دراميا مع المسلم على أنه خطر خفي على الأميركيين. واللافت أن هذا العرض نال استحسان النقاد وأصبح ظاهرة في ثقافة البوب، حتى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان معجبًا كبيرًا به. والأمر المحزن هنا كان تجاهل المسؤولين عن العمل الحصول على التفاصيل الأساسية عن العالم الإسلامي على مر السنين. فعلى سبيل المثال كان هناك مشهد لا يمكن تفسيره، يتعلق بالبطل المعادي للبطل الرئيسي وهو المسلم الأمريكي المتحول نيكولاس برودي، حيث قام بدفن القرآن لأنه «تم تدنيسه»؛ وقد تمت تسمية الشخصيات العربية بأسماء فارسية، كما صورت مدينة إسلام آباد الجميلة والخلابة على أنها «جحيم مرعب ومنطقة حرب». والقائمة تطول.
وتعليقا على ذلك تقول سو العبيدي مديرة مكتب هوليوود لمجلس الشؤون العامة الإسلامية في أمريكا (MPAC): «إن تشجيع صناعة الترفيه لهذه الصور النمطية السلبية له تأثير ضار على المجتمع الغربي لأنه يخلق وضعا يشكل فيه شخص ما آراء ذلك المجتمع بناءً على معلومات نمطية وكاذبة للغاية بحيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة».
في هذا السياق، أظهرت الدراسات وجود علاقة مباشرة بين تعرض الناس للصور السلبية للمسلمين في وسائل الإعلام، وبين استعدادهم لدعم السياسات الضارة بالمسلمين أو تقليص حقوقهم – وكذلك العمل العسكري ضدهم. ومن ناحية أخرى، فقد تبين أن التعرض إلى جوانب إيجابية، أو اتصال مباشر أو مع المسلمين، كان له تأثير معاكس.
نجوم هوليوود المسلمون
تؤكد العبيدي «أن التمثيل الأصيل مهم ،ليس فقط لأنه يؤثر على كيفية رؤية الآخرين للمسلمين، ولكن أيضًا في كيفية رؤية المسلمين لأنفسهم. في عام 2017، تمت مناقشة القضية عن طريق ريز أحمد، نجم فيلم Rogue One و فيلم Venom، والذي يعد ربما الممثل المسلم الأبرز الذي يعمل في هوليوود حاليا.. ففي خطاب ألقاه في مجلس العموم البريطاني، حذر أحمد من أن عدم وجود تمثيل متنوع على شاشات السينما والتلفزيون، يجعل المسلمين عرضة للدعاية المتطرفة. ويقول أحمد في هذا السياق: «مجند داعش يعتبر نفسه، نسخة من جيمس بوند، أليس كذلك؟ هو يعتقد أنه الرجل الطيب.. هل شاهدت بعض مقاطع الفيديو الدعائية لداعش؟.. تشبه تلك الفيديوهات الدعائية إلى حد كبير لأفلام الحركة.. أين الرواية المضادة؟.. من أين نأتي بنماذج مسلمة جيدة تمثل قيما خيرة نرويها لهؤلاء الأطفال سوى عبر أن يكونوا أبطالاً في قصصنا؟».
ريز أحمد
و تعليقا على قيام مجموعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية بتصوير مجنديهم كأبطال مسلمين، في جهد واعٍ للاستفادة من هذه الفجوة في التمثيل من قبل الغرب، يقول: «يبحث الناس عن الرسالة التي ينتمون إليها، وعن أنهم جزء من شيء ما، وأنهم يرونه ويسمعونه، وعلى الرغم من تجربتهم، أو ربما بسببها، فإنهم يقدرون». «يريدون أن يشعروا بكونهم ممثلون. نحن فشلنا في هذه المهمة».
هل يكون homeland هو النهاية ؟
في السنوات القليلة الماضية بدأت شبكات التليفزيون الأمريكية وعروض البث في وضع مخاوف المسلمين في الاعتبار. فقد أدخلت موجة من مسلسلات الإثارة الأمريكية أبطالا مسلمين في قصصهم، ربما في محاولة واعية للتخفيف من الصور النمطية السلبية السابقة. وظهر الأبطال المسلمون الجدد منذ بدايتها في عام 2003، حينما أثار المسلسل الشرطيNCIS: Los Angeles الكثير من الجدل حين تعلق الأمر بتصويره للمسلمين، بمن فيهم المسلمون الأمريكيون، حيث تعرض لاتهام النقاد للقائمين على الدراما بتعزيز فكرة أن كل مسلم إرهابي محتمل.
استجابة لذلك، قاموا بتصحيح المسار حيث عمل القائمون على، NCIS: Los Angeles، الآن في موسمه العاشر على جعل أحد أبطاله، سام حنا (عميل أقدم في NCIS و Navy Seal ) يظهر كبطل مسلم في حلقة 9 The Silo، مما جعله أحد أول الشخصيات المسلمة البارزة في دراما تليفزيونية أمريكية بهذا الحجم. وعلاوة على ذلك، عمدت الدراما إلى جعل عقيدة البطل و دينه جانبا واحدا فقط لرجل يتمتع بالصحة والوطنية مثل جميع الأميركيين.
في هذا السياق أيضا يأتي مسلسل، Blindspot، وهو مسلسل درامي للجريمة في الولايات المتحدة، وقد دخل موسمه الخامس والأخير على شبكة NBC، وفيه شخصية ترتدي الحجاب، و تدعى أفرين، تعمل لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن لا يتم لفت النظر والتركيز غير الضروري على الحجاب، ويتم تعريف الشخصية بشكل أكبر من خلال نكاتها.
تعد تلك خطوة هامة للأمام – لأنه على الرغم من كونها غير شريرة مثل الشيطان العلني، فإن الإغراء المستمر للمسلمين – من خلال التركيز على الأشياء أو الملابس مثل الحجاب والكوفيات وحصائر الصلاة و مسبحات الصلاة – و الاستمرار في تنميطهم على كونهم المذنبون أو الملائكة ذوو النوايا الحسنة غير مفيد كذلك.
يعد تطبيع هذه الشخصيات النسائية التي ترتدي الحجاب تناقضا صارخا مع الطريقة التي قدم بها مسلسل Homeland شخصية فارا، وهي عميلة مسلمة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ينتقدها شاول رئيسها في العمل بشكل مستمر – حيث غالبا ما ينظر إلى شاول على أنه البوصلة الأخلاقية في المسلسل وهو من كان طوال الوقت لا يحترم الحجاب لأنه كان تذكرة رمزية بالأعداء.
المسلمون كأبطال وطنيين
ثمة مسلسل آخر يعرض حاليا يمثل خطوة على طريق تصحيح الأحكام المسبقة القديمة، هو نسخة قناة أمازون لسلسلة أخرجها توم كلانسي لمسلسل Jack Ryan، الذي أطلق العام الماضي، وفيه تمت إعادة صياغة شخصية ريان، مدير وكالة المخابرات المركزية جيمس جرير، و يلعب هذا الدور (ويندل بيرس) باعتباره من أصل إفريقي يعتنق الإسلام.
في النسخة الأولى من المسلسل، كان هناك مشهد لا ينسى، حيث تم توبيخ أحد أعضاء فريق إنفاذ القانون الفرنسي، الذي لم يصرح بكونه مسلماً، بسبب موجات الإسلاموفوبيا التي يتعرض لها المسلمون.
إن وجود مثل هذه الشخصيات المسلمة، الوطنية والطيبة بطبيعتها، كأبطال أو في مناصب قيادية، يبدو وكأنه خطوة ثقافية مهمة، كما يعد بمثابة بيان واعٍ ليس فقط لدعم هوليود لحقيقة أنه لا يمكن للمسلمين أن يتماشوا مع القيم الأمريكية فحسب، بل وضع حياتهم على المحك لحماية وطنهم و قيمه كل يوم.
حين يروى المسلمون قصصهم
وهناك أيضا مسلسل آخر يسير في نفس الإتجاه الإيجابي ذاته، وهو مسلسل FBI، الذي يعد أول مسلسل أكشن رئيسي على شاشات التلفزيون الأمريكي يصور ممثلًا عربيًا مسلمًا يلعب دور أحد أبطاله. يقوم الممثل الأمريكي من أصول مصرية زيكو زكي Zeeko Zaki بدور الوكيل الخاص OA Zidan، وهي شخصية تصادف أن تكون من نفس العقيدة والإثنية التي يتمتع بها الممثل.
في مقابلة مع هاربر بازار ، كشف زكي أنه قبل فترة توقف كبيرة، كان يُعرض عليه باستمرار أدوار نمطية ليلعب فيها دور الإرهابي أو الشرير.
في هذا السياق يتابع زكي «قد تقوم الصناعة بتصوير المسلمين بتلك الطريقة حتى لا تتمكن أخلاقياً من القيام بذلك بعد الآن. يجب أن يكون هناك تغيير ثقافي».
و يضيف «ولكن على الرغم من أن هذا التقدم في تمثيل المسلمين على الشاشة الصغيرة مرحب به للغاية، إلا أنه كان في الغالب محصورا في مسلسلات الإثارة أو تلك المتعلقة بالجغرافيا السياسية. لا تزال قصص المسلمين العاديين اليومية صعبة المنال».
زيكو زكي
ويقول شاف شودري وشادية حبيب، – وهما من دشَّنا شركة Riz Test التي أسست على خطاب ريز أحمد-: «ستتحسن الأمور على الشاشة وخارج الشاشة عندما يتم تكليف الكتّاب المسلمين برواية قصصهم الخاصة». إذا كان هناك أي شخصية مسلمة محددة في فيلم ما، فإن فريق Riz Test يقيم ما إذا كانت الشخصية تتحدث عن كونها ممارسة للإرهاب أم أنها ضحية له أو لمرتكبه؛ أو ما إذا كان يتم تقديم الشخصية على أنها غاضبة بشكل غير عقلاني أو خرافية أو متخلفة ثقافيًا أو معادية للحداثة أو تُعرض كتهديد لطريقة الحياة الغربية؛ أو ما إذا كانت الشخصية من الذكور أو أنثى مضطهدة». ويعني التعرض لواحد من هذه الخصائص فشل الفيلم في الاختبار.
«من أجل تغيير الأشياء، تحتاج الصناعة إلى فهم حجم المشكلة، وهو أمر يأمل اختبار Riz في تحقيقه»، بحسب ما يقول المسؤولون عن المؤسسة.
الرحلة طويلة
يرى رضا أصلان، وهو مؤلف ومنتج تليفزيوني أمريكي ذائع الصيت، أن ما نحتاج إليه ليس توصيفات أكثر إيجابية للمسلمين، على هذا النحو، بل صور أكثر دقة وأهمية. ويقول أصلان: «الهدف الذي نحتاج إلى عرضه هو تصوير الشخصيات التي تعد هويتها الإسلامية مجرد عامل واحد في تعدد الهويات التي لديهم والتي تمنحهم دوافعهم». ومع ذلك فهو يعتقد أن هذا التغيير بدأ يحدث بالفعل. يقول: «لا شك في ذلك». «إنه يتحسن بمعنى أنه يتم إعطاء القصص المزيد من الممثلين المسلمين، والكتاب المسلمين الفرص لرواية قصصهم».
و يتابع «الأهم من ذلك أننا نشهد تطورات لأننا نشهد مزيدًا من التقنين والمنفذين المسلمين والمزيد من المنتجين المسلمين الذين يعملون في الاستوديوهات: بمعنى آخر، المزيد من صناع القرار المسلمين. وهذا، على ما أعتقد، هو ما قد يصنع الفارق الأكبر والأعمق في كيفية تصوير المسلمين في هوليوود».
ويختم أصلان بالقول: «ليس لدى هوليوود دوافع جيدة أو سيئة، لكن لديها دافع واحد هو كسب المال. هذا كل ما يفكرون فيه. كل ما يهمك. هم لا يريدون فعل الخير في العالم. لايريدون فعل شيء سيئ في العالم. وهكذا، إذا تمكنت من إقناع هوليوود – وهذا ما كنت أفعله خلال السنوات العشر الماضية – أنه يمكنك كسب المال من خلال عدم عرض قوالب نمطية عن الأشخاص الملونين، فسوف يتوقفون عن فعل ذلك».
وفي هذا الصدد تقول سو العبيدي: «نرى المزيد من الشخصيات والروايات المسلمة، خاصة على شاشات التلفزيون. في هذا السياق يأتي مسلسل جديد هو Hulu’s Ramy أو «رامى هولو» وهو كوميديا جديدة مهمة عن مسلمة شابة من جيل الألفية الثالثة» .
https://youtu.be/N4Ek09B9YaY
و تضيف العبيدي «رامي هولو يمثل تغييرا في اللعبة، حيث يعد المسلسل كوميديا جديدة عن المسلم فى الألفية الثالثة، بطولة الكوميدي الأمريكي المصري رامي يوسف، الذي عرض لأول مرة الشهر الماضي وجذب النقاد، حيث حصل على مقارنات مع مسلسلات أمريكية ذائعة الصيت». لكن العبيدي تقر في الوقت نفسه بأنه لا يزال هناك طريق طويل لتقطعه التجارب الإسلامية على الشاشة لتصبح سائدة أو طبيعية».
الكوميدي الأمريكي المصري رامي يوسف