العلاقة بين القاهر والمقهور، لا تمضي فى خط مستقيم، ربما تكون الإجابة أوضح بالنسبة للمجموع، عندما يكون المقهور هو مجموعة من البشر يملكون بشكل جدلي، الوعي بفكرة الخلاص من هذا القهر وان طالت مدة القهر أو قصرت، لكن بشكل فردي وفي حالة الانعزال عن المحيط تحديدا فإن الخضوع أو الجنون هو سبيل خلاص المقهور.
تلك العلاقة يتحدث عنها عرض الحادثة عبر الصراع بين فتاة وشاب يقوم بخطفها بدافع الحب، ويمارس عليها طوال العرض كافة أشكال القهر مستخدما الترغيب والترهيب.
المسرحية جرى عرضها خلال فعاليات المهرجان القومي للمسرح، وهي بطولة مصطفى منصور، وياسمين سمير، ونيجار، وفتحي الجارحي، من تأليف لينين الرملي، ومن إخراج عمرو حسان، ومن إنتاج فرقة مسرح الغد.
يبدأ العرض بفيديو قصير يحكي بشكل سريع وبلقطات صامتة ما حدث قبل وجود شخصيتي العرض الرئيسيتين داخل ذلك المنزل «خشبة المسرح»
https://www.facebook.com/el7adsa/videos/245512039339419/
ديكور العرض حوائط المنزل، الأثاث المستخدم، كان تعبيرا عن السجن بخطوطه الحادة، وبتداخلات تلك الخطوط العشوائية كانت رمزية الصراع بين كل شخصية وذاتها وبينها وبين الآخرين.
في اللحظة الأولى لتواجد الممثلين على خشبة المسرح يُدفع المشاهد للتعاطف مع إحدى شخصيتيه، فنجد الفتاة «زهرة» على اليمين في حالة إغماء، والشاب «عاصم» على اليسار يجلس على كرسي هزار، تعبيرا عن اهتزاز الشخصية وكونها الشخصية التي تحمل الشر في هذه الثنائية.
تعاني شخصية البطل «عاصم» من مرض نفسي هو «اضطراب تعدد الشخصيات»، فهو منقسم لثلاث شخصيات، ضعيفة وهى تلك التي تحمل المشاعر للبطلة ولا تزال تحتفظ ببعض الإنسانية، والأخرى العنيفة، وأخيرا شخصية محايدة لشاب تقليدي، واستطاع مصطفى منصور، أداء الشخصية بشكل رائع ادخل المشاهد في قلب صراعاته النفسية، بل والتعاطف مع إحدى صوره «الشخصية الضعيفة»، وبالمثل هو ما قامت به بطلة العرض أيضا ياسمين سمير، فتارة تشعر أنها طفلة صغيرة بسذاجتها، ثم تشعر بالخوف المسيطر عليها، ثم الدهاء ومحاولات الهروب المختلفة وأخيرا الانصياع، ثم الجنون الكامل. باختصار كان أداؤهما هو السهل الممتنع، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أنهما حاولا واستطاعا تجنب الوقوع في فخ محاكاة أداء اشرف عبد الباقي وعبلة كامل، اللذين قدما نفس العرض منذ 26 عاما.
ما مارسه البطل طوال العرض على البطلة، يتشابه مع ما يسمى في بعض العلاقات بالـ«جازلايتنج»، فتارة نجدة محبا وتارة نجده عنيفا ومتحكما، ويشبه أيضاما قد يمارسه الحاكم على المحكومين، باختصار الرغبة هنا قائمة على التحكم والتملك، وتمر رحلة الفتاة طوال العرض من الخوف إلى التعاطف مع الجاني «متلازمة استوكهولم»، ثم التماهي معه.
ومن أبرز مشاهد العرض، عندما تسنح الفرصة لـ«زهرة» للهروب ولكنها ترضخ للخوف وترفض الهروب، بل ويصبح ذلك الشخص القاهر هو سبيلها للأمان لتقوم بتكبيل يديها كما كان يفعل عندما تحاول الهروب منه.
بالطبع تأتي الكوميديا من نص لينين الرملي، ولكن ماذا لو اختار طاقم العمل تقليل الكوميديا قليلا، ساعتها كان يمكن لبطل العرض الاندماج أكثر داخل الشخصية بتقلباتها المرضية، ولكانت بطلة العرض اندمجت هي الأخرى مع إحساس الخوف المميت، والتحول نحو الجنون في آخر العرض بشكل أكثر إقناعا.
تبادل المواقف
طوال الأحداث هناك صورة معلقة للبطل، وهي تعبير مرئي عن تواجده لمراقبة الضحية حتى لو لم يكن موجودا بمكان الحدث بالأساس، ويظهر ذلك بصورة واضحة في المشاهد التي تتواجد بها «زهرة» بمفردها وتسمع صوت السجان يؤكد لها على وجوده ومراقبته له وهي تنظر لتلك الصورة المعلقة، وتلك الصورة سيكون لها استخدام مكمل في النهاية.
داخل العرض شخصيات ثانوية، هي فتاة الليل «نيجار»، والتي أضفت بعض الكوميديا بين صراع البطلين واستطاعت تقديم الشخصية بشكل مرح، وأيضا أوضحت بعض مشاعر الغيرة التي تسللت إلى قلب الفتاة، وشخصية تاجر الآثار «فتحي الجارحي»، وفي اعتقادي كان يمكن الاكتفاء بشخصية فتاة الليل، لأن المشاهد المتعلقة بتاجر الآثار لم تضف لحالة الصراع شيئا، و كان يمكن الاستغناء عنها وربما كان ذلك ليضيف إلى العرض وليس العكس.
استطاع المخرج عمرو حسان استخدام كل عناصر الديكور والإضاءة لخدمة مشهد التحول في النهاية، فمع تغير موقع المسجونة مع السجان أصبح موقعها على الكرسي الهزاز الذي كان رمزا للسجان وتقلباته النفسية في بداية العرض، وتغيرت الصورة المعلقة على الحائط لتصبح صورتها وأنها الآن أصبحت من تراقبه، مع صراخ السجان القديم طالبا النجدة للخروج من المنزل.
أما النهاية فتشير كما النص الأصلي إلى انصياع المقهور للقهر وعدم الخروج من دائرة القاهر والتماهي معه وتحوله إلى نسخة منه بكل شروره وعنفه وجنونه.