راشمي روشان لال – رئيس التحرير السابق لصحيفة The Sunday Times of India
عرض وترجمة: أحمد بركات
ليس مستغربا أن تشمّر الحكومة البريطانية عن سواعد الجد في محاولتها للتنصل من مسئوليتها الأصيلة في استعادة مواطن من مواطنيها ولد وترعرع في مدينة أكسفورد العريقة؛ فهذا دأبها منذ سنوات. لكن ما يثير الدهشة حقا هو ذلك الخلاف المتأجج الذي اندلع بين الحلفاء الغربيين المقربين حول من يفوز في سباق التنصل من هذه المسئولية والتخلي عن مواطنه.
سلوك جبان
حدث ذلك في قضية «جاك ليتس»، المعروف إعلاميا باسم «الجهادي جاك»، وهو بريطاني من أصول كندية تحوّل إلى الإسلام، وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وقد انتقدت كندا الموقف البريطاني بشدة، وعبّر وزير السلامة العامة الكندي، رالف جوديل، عن خيبة أمله بسبب «الإجراءت أحادية الجانب التي اتخذتها بريطانيا للتملص من مسئولياتها». كما انتقد جون مكاي، رئيس اللجنة البرلمانية المعنية بالسلامة العامة والأمن القومي في كندا، سلوك المملكة المتحدة ووصفه بأنه سلوك «جبان».
جاك ليتس
يمكن تفهم هذه الانتقادات – برغم حدتها – بسهولة. فقد قامت بريطانيا بتجريد ليتس من جنسيته البريطانية، ومن ثم ألقت بتبعته على كاهل الحكومة الكندية. حدث هذا رغم أن ليتس وُلد في المملكة المتحدة، وفيها تربى، وفي مدارسها تعلّم، وعلى أرضها تحول إلى الإسلام، ومنها غادر إلى سوريا.
رغم ذلك، يأتي رد الفعل البريطاني متسقا تماما مع ما دأبت عليه السياسة البريطانية في التعامل مع هذا النوع من القضايا على مدى سنوات، ومحاولاتها المتكررة للتنكر لمواطنيها من الجهاديين وجميع من تربطهم بهم علاقة. ففي فبراير الماضي، نزع وزير الداخلية البريطاني، ساجد جاويد، الجنسية البريطانية عن شاميما بيجوم، المعروفة إعلاميا باسم «عروس تنظيم الدولة الإسلامية»، التي غادرت بريطانيا في عام 2015 – وهي لا تزال في سنوات الدراسة – إلى دولة الخلافة في سوريا لتتزوج من الهولندي الجهادي ياجو ريدجيك. واليوم تدور الدائرة على ليتس.
لا يمثل كل من ليتس وبيجوم سوى حالتين حظيتا باهتمام إعلامي كنموذج صارخ على السياسة التي تنتهجها بريطانيا في السنوات الأخيرة في التعامل مع مواطنيها الذين تعتبرهم ’تهديدا أمنيا‘، أو – على أقل تقدير – ’خطرا على النظام العام‘؛ حيث تشير الإحصائيات المعلنة إلى قيام الحكومة البريطانية بتجريد 150 مواطنا بريطانيا على الأقل من جنسيتهم منذ عام 2010.
وكان الخطاب البريطاني في أعقاب الهجمات الانتحارية التي ضربت العاصمة لندن في يوليو 2005 قد تمحور بالأساس حول الجنسية الباكستانية لمنفذي العمليات. وتعد هذه التفجيرات التي تمت بتنسيق محكم، وأطلق عليها “هجمات السابع من يوليو”، على غرار «هجمات الحادي عشر من سبتمبر» في الولايات المتحدة الأمريكية، أبشع مذبحة تعرضت لها المملكة المتحدة حتى وقوع «هجوم ساحة مانشيستر أرينا» في عام 2017.
كان ثلاثة من الأربعة الذين قاموا بتنفيذ تفجيرات «7 يوليو» بريطانيين ذوي أصول باكستانية من أبناء الجيل الثاني. وكان الخطاب السائد في المملكة المتحدة آنذاك يشدد على أن باكستان هي موطن منفذي هذه الهجمات، والمسئول الأول والوحيد عن تطرفهم. لكن المسئولين الباكستانيين واجهوا هذه المزاعم بقوة، وأكدوا على أن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن منفذي هذه العمليات قد نشأوا في المملكة المتحدة، وفيها اعتنقوا الفكر الراديكالي. وطالبوا الحكومة البريطانية بتحمل مسئولياتها عن أعمال مواطنيها.
التمسك بسياسة الإزاحة
وبعد مرور أربعة عشر عاما، يثبت ليتس وبيجوم مجددا أن بريطانيا لا تزال على موقفها القديم في التمسك بسياسة ’الإزاحة‘، حتى لا تتحمل المسئولية عن هؤلاء الشباب الذين تربوا في مؤسسات التعليم البريطانية وتشكل وعيهم عبر أدواتها الثقافية، ثم اعتنقوا أفكارا راديكالية وغادروها بفخر وحماس إلى دولة الخلافة الإسلامية التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية. وعندما ألقي القبض على هؤلاء الجهاديين البريطانيين في الخارج، سارعت لندن أكثر من أي دولة غربية أخرى، إلى التنكر لأي علاقة يمكن أن تربطها بهم.
بنسبة كبيرة، لم تُثر هذه السياسة أي غضب داخلي، ولم يشذ عن هذا الموقف سوى دعوات قليلة تطالب بإعادة التقييم. فقد تصدرت أزمة بيجوم عناوين الصحف بسبب القسوة التي جعلت منها لاجئة تعيش في أوضاع غير إنسانية في مخيم الهول للاجئين في شمال شرق سوريا بعد أن فقدت وطنها وزوجها ورضيعها «جاراه»، وبعد أن نفى المسئولون في بنجلاديش حصولها على الجنسية البنجلاديشية من خلال عائلتها.
شاميما بيجوم «عروس داعش»
لكن تغيرا طفيفا بدأ يلوح في الأفق البريطاني، حيث أبدى توبياس إيلوود، السياسي والمفكر البريطاني البارز ووزير الدفاع السابق، امتعاضه الشديد من قرار حكومة بلاده بتجريد ليتس من جنسيته، ووصفه بأنه «محاولة للتهرب من المسئولية وإلقائها على عاتق دولة أخرى»، وأكد أن كثيرا من المقاتلين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة «اعتنقوا الفكر الراديكالي في المملكة المتحدة». وأضاف أن بريطانيا «يجب أن تقود الدعوة إلى تحقيق العدالة للمقاتلين الأجانب وتحديد الجهة المسئولة عن ذلك».
مما لا شك فيه أن بريطانيا، على غرار أغلب الدول الغربية الأخرى، لا ترغب في اتخاذ أي خطوات نحو استعادة مواطنيها الجهاديين، وتريد، بدلا من ذلك، أن ترفع عن كاهلها أعباء ذلك المزيج المعقد من إجراء المحاكمات والمتابعات وإعادة التأهيل الذي لا بد منه للتعامل معهم. وتفضل تصدير المشكلة برمتها إلى جهة أخرى. ففي المقام الأولى، الأكراد هم من يحتجزون بيجوم وليتس.
توبياس إيلوود
.. وكندا تتنصل أيضا!
وبالنسبة لليتس، فإن الكيان الثاني الذي يفترض أن يتحمل المسئولية هو كندا. لكن كندا، التي تتهيأ لمعركة انتخابية حامية في شهر أكتوبر القادم، – ورغم المسئولين الكنديين الساخطة على لندن – ترفض هذا الطرح، والأسوأ أنها حولت قضية ليتس إلى أداة يشيع استخدامها في الحملات الانتخابية، حيث أعلن أندرو شير، المنافس السياسي الأقوى لرئيس الوزراء الحالي، جاستن ترودو، أنه في حالة فوزه «لن أكلف نفسي عناء تحريك إصبع لمساعدة ليتس».
أندرو شير جاستن ترودو
لقد باتت الرسالة واضحة.. ذات يوم كان من المفترض أن تدافع بريطانيا وكندا عن العدالة، واليوم تختاران أن تصيغا تعريفا جديدا لمصالحهما الوطنية عبر معايير ضيقة وفجة. ليس هناك سياسي غربي واحد يرغب في أن يتحمل مسئولية إعادة مواطن راديكالي يشكل خطرا محتملا إلى وطنه. والأسوأ أنهم يفاخرون بذلك. لقد تحول الجهاديون الأشرار إلى مادة لصناعة السياسات الناجحة.
*هذه المادة مترجمة.. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?