فن

باستثناءات قليلة.. السينما المصرية ترسب فى اختبار «الإرهاب»

على الرغم من أن الإرهاب فرض نفسه على المشهد العام فى مصر منذ السبعينات ووصل ذروته فى بداية الثمانينات، مع لحظة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وارتكاب مذبحة اسيوط التى راح ضحيتها العشرات من رجال الشرطة، وواصل تمدده الخبيث فى التسعينات وحتى وقتنا الراهن.. إلا أن السينما المصرية لم تتعاط مع هذه القضية الخطيرة بالشكل الذى يتناسب مع خطورتها وتأثيرها على المجتمع المصرى والدولة المصرية  بشكل عام

 أنتجت السينما المصرية افلاما يمكن وصفها بالقليلة من حيث الكم ووصف اغلبها بالسطحية وعدم التعامل مع قضية الارهاب بالعمق اللازم عند تناولها له على الشاشة الفضية. وربما يقف السيناريست والمؤلف الكبير وحيد حامد فى طليعة من تصدوا للارهاب سواء على شاشة السينما أو من خلال الدراما التليفزيونية، ويمكن اعتباره الوحيد الذى تصدى للارهاب بشكل  يتسم بالجدية والعمق اللذين يتناسبان وأهمية  القضية وخطورتها. 

وحيد حامد

الإرهاب والفساد

فى البداية تعامل وحيد حامد مع الارهاب من منظور كوميدى فانتازى عندما ربطه بالبيروقراطية والروتين الفج، وذلك فى فيلم «الإرهاب والكباب» الذى انتج عام 1992 من إخراج شريف عرفة وبطولة عادل إمام ويسرا وكمال الشناوى وأشرف عبد الباقى. ويحكى الفيلم قصة موظف يتردد على مجمع التحرير لكى ينجز معاملة إدارية بسيطة، لكن تعقيدات الروتين والتعنت الإدارى والبيروقراطية تجعل من هذه المهمة السهلة عملية شبه مستحيلة، وتدفع بطل الفيلم لليأس من إمكانية انجازها، فتظلم الحياة فى وجهه، ولا يجد امامه سوى بندقية المجند البسيط  فيمسكها غاضبا يائسا لتنطلق منها رصاصة تثير الرعب فى المجمع ويظن الجميع أنهم أمام إرهابي خطير، وتتصاعد الأحداث في قالب فاتنازي، لنصل الى ذروة التصعيد الدرامى وإلى الرسالة التي أراد صانعو الفيلم إيصالها للمشاهدين، وهي أن المواطن العادى يمكن أن يتحول إلى ارهابى بسبب موقف أو بسبب غضبه من المجتمع، وأن الوعى المجتمعى وقدرة الدولة والمجتمع على احتواء مواطنيه هو الحصن الاول ضد الارهاب. فرغم كوميدية الموقف الذى تم البناء عليه فى احداث الفيلم الا أن المؤلف وحيد حامد  نجح في أن يمسك بخيط مهم جدا هو مسئولية المجتمع عن صنع ارهابيين، قد يتحولون للارهاب بالصدفة.

https://youtu.be/RH23oQKiEzQ

لكن وحيد حامد يصل الى ذروة ابداعه فيما يخص التعامل مع قضية الارهاب من خلال فيلم طيور الظلام من إخراج شريف عرفة أيضا وإنتاج عام 1995، والذى تناول فيه بشكل سافر العلاقة بين الارهاب والفساد من خلال شخصيتى المحامييْن.. فتحى نوفل (عادل إمام) الذى يمثل الفساد والمتخصص فى قضايا الفاسدين الذين يحصل لهم على البراءة بفضل عبقريته القانونية.. وعلي الزناتى (رياض الخولى) الذى يمثل التطرف والارهاب ويدافع عن الارهابيين أمام المحاكم.. حيث يلتقى فتحى وعلي ويحدث بينهما ما يشبه التحالف أو التفاهم الضمني، من خلال خدمات متبادلة يؤديها كل منهما للآخر وتتصاعد الاحداث ويتم القاء القبض عليهما والقاءهما فى السجن، فيلتقيان فى محبسهما ولدى كل منهما أوراقه التى يؤكد أنه يحتمى بها وستخرجه من سجنه، وتستمر المباراة بينهما فى السجن كما هى خارجه.. مباراة يتعاونان فيها على تخريب الوطن. وقد كان وحيد حامد صريحا وجريئا حين أكد بكل وضوح أنه ما كان للارهاب أن يتجذر في المجتمع، بدون أن يكون هناك فساد يسانده من ناحية، أو ينخر كالسوس فى جسد المجتمع ليفقده مناعته في مواجهة هذا الإرهاب، من ناحية اخرى.

تسطيح القضية

وإذا كان عادل إمام قد أدى دور الفاسد الذى يساعد الإرهاب والإرهابيين فى «طيور الظلام» فإنه قام بدور إرهابى صريح وعتيد فى فيلم «الارهابى» الذى كتبه لينين الرملى. لكن هذا الفيلم – كما رأي كثير من النقاد والجمهور – قدم شخصية الإرهابى بشكل فيه كثير من التسطيح والسذاجة، من خلال شخصية علي عبد الظاهر الذى يرتكب عددا من الجرائم الارهابية، وآخرها اغتيال ضابط شرطة حيث قام بسرقة سيارة أستاذ الفلسفة بكلية الآداب (مصطفى عبد الرحمن) (عثمان عبد المنعم) لينفذ بها جريمته مع زملائه وبعد تنفيذ الجريمة يداهم رجال البوليس الإرهابيين القتلة ويقبض على زملاء على بينما يهرب هو وفى يده حقيبة الدكتور مصطفى استاذ الفلسفة وتصدمه سوسن (شيرين) بسيارتها وهى ابنة الطبيب عبد المنعم حسنين (صلاح ذو الفقار) وتنقله إلى منزلهم حيث يعالجه والدها ليقيم معهم فترة وتظنه الأسرة الطيبة المثقفة أنه استاذ الفلسفة وتقع سوسن فى حبه، ومن خلال حياته مع تلك الأسرة يعيد اكتشاف نفسه فيسمع الموسيقى ويشاهد الأفلام ويبادل سوسن الحب وفى تلك الأثناء تتعرف الشقيقة الصغرى لسوسن حنان شوقى) على شخصية «على» الحقيقية بمساعدة خطيبها ويهرب على ويكتشف أن جماعته الإرهابية قد قررت اغتيال المفكر فؤاد مسعود (محمد الدفراوى)  صديق الدكتور عبد المنعم والد سوسن ويهرب على من جماعته ليحاول انقاذ الدكتور فؤاد الذى يرى البعض أنه كان يرمز لشخصية الدكتور فرج فودة – ولكن الجماعة تنجح فى اغتيال الدكتور فؤاد وفى اغتيال على أيضا فيموت على صدر سوسن وقد تخلص من كل أفكاره الإرهابية، في مشاهد وأحداث مفككة دراميا وغير مقنعة للمشاهد أو الباحث.

ويعتبر فيلم الإرهاب لنادية الجندى من أوائل الأفلام التى تناولت قضية الإرهاب وقد عرض الفيلم عام 1989 وشارك فى بطولته مع نادية فاروق الفيشاوى وأخرجه نادر جلال عن قصة حسن شاه وبشير الديك ويحكى الفيلم قصة الصحفية عصمت التى يخدعها إرهابى هارب من العدالة اسمه عمر ويقنعها ببراءته وتتعاطف معه وتتبنى قضيته بل تقع فى حبه وفى إحدى سفرياتها لتغطية مؤتمر مهم فى أبو ظبى يحضره وزراء و كان مقررا أن تسافر معهم عصمت على نفس الطائرة يطلب منها عمر توصيل حقيبة بها هدية لأحد أصدقائه فى أبو ظبى وتكتشف عصمت بالصدفة قبل السفر أنه طرد ناسف، وأن عمر ما هو إلا إرهابى مجرم وتتوالى الأحداث وتستطيع عصمت فى النهاية إحباط مؤامرة الإرهاب وتنتصر للوطن، لكن الفيلم لم يكن مقنعا فى كثير من أحداثه وتناول ظاهرة الإرهاب بشكل فيه كثير من السذاجة والتسطيح، وفى عام 1994 يعرض فيلم «الناجون من النار» الذى يتناول جماعة إرهابية تكفر المجتمع من بطولة عمرو عبد الجليل وطارق لطفى.

ابن رشد.. ودم الغزال

ويشارك يوسف شاهين فى مناهضة الإرهاب سينمائيا من خلال فيلم «المصير» بطولة نور الشريف ومحمود حميدة وليلى علوى ومحمد منير، وتدور أحداثه فى القرن الثانى عشر الميلادى حيث يتناول الصراع بين الجماعات المتطرفة والخليفة المنصور وقيام هذه الجماعات بحرق كتب الفيلسوف التنويرى ابن رشد ،وتصدى ابن رشد بفكره التويرى لظلامية تلك الجماعات

ويعود وحيد حامد لتناول الإرهاب مرة أخرى من خلال فيلم «دم الغزال»عام 2005 بطولة نور الشريف ومنى زكى ومحمود عبد المغنى وعمرو واكد ويحكى قصة حقيقية عن جابر الطبال الذى أصبح إرهابيا متطرفا يتحكم فى حى إمبابة ويفرض إرهابه وسيطرته على الحى.

رؤى جديدة

ومن الأفلام الجديدة التى ناقشت ظاهرة الإرهاب فيلم الخلية لأحمد عز الذى انتج عام 2017 من إخراج طارق العريان ويحكى قصة ضابط متخصص فى مكافحة الإرهاب والإرهابيين يتلقى تدريبات عالية ويصبح معروفا بكفاءته فى التصدى للإرهاب وفى نفس العام يلعب محمد رمضان بطولة فيلم جواب اعتقال الذى تناول قصة شقيقين انخرط أحدهما فى الإرهاب وأصبح أحد عناصره الإجرامية يكتشف حقيقة الإرهابيين وأفكارهم الظلامية لكن بعد فوات الأوان ويحاول أن يثنى شقيقه عن دخول هذا العالم لكن شقيقه لا يسمع نصيحته وينضم للتنظيم ويختلف مع أحد أفراده فيقتل وينتقم له شقيقه، ولا يخلو الأمر من كوميديا فارس تحاول أن تفضح الإرهاب من خلال فيلم «دعدوش» بطولة الكوميديان هشام إسماعيل الذى يحكى قصة  شخص تدفعه ظروفه الصعبة للدخول فى عالم الجماعات المتطرفة فيكتشف حقيقتهم ويعرى فضائحهم وجرائمهم بشكل كوميدى.

 إجمالا يمكن القول -بعد هذا الاستعراض لمجموعة من الأفلام التى تناولت ظاهرة الإرهاب- إن السينما المصرية عجزت حتى الآن عن تناول ومعالجة القضية بالعمق والشكل الذى يتناسب مع خطورتها وتأثيرها، ولم تتصد بشكل جاد لشرح وتشريح أسباب وعوامل الإرهاب، أو سبل التصدى له ومواجتهه، ولم تفلح هذه الأعمال السينمائية في خلق وعي مجتمعي واسع وعميق، بخطورة الظاهرة على مستقبل المجتمعات والشعوب، ذلك أن من تصدوا للقضية سواء كانوا مؤلفين -ربما باستثناء وحيد حامد- أو مخرجين أو منتجين كان همهم الأساسى هو الحفاظ على التيمة الدرامية التى تستطيع جذب المتفرج لشباك التذاكر، دون أن تطرح القضية من خلال منظور سينمائى جاد، يسهم فى محاولة اكتشاف الصيغة الفكرية التى تدشن وعيا مجتمعيا يتصدى للإرهاب بالفكر قبل أن يتصدى له الأمن بالسلاح.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock