فن

الإرهابي في الدراما: تناول سطحي وغير واقعي

بين الإنسان الذي يعاني من الفقر أو المريض نفسيا والمكبوت جنسيا أو الذي يهرب من مشاكله وأزماته بنوع من التدين الظاهري؛ تنوعت شخصية الإرهابي في السينما المصرية منذ السبعينيات من القرن الماضي.

فالمتابع سيكتشف ببساطة أن الأعمال الفنية تفاوتت فيها درجة العمق والتحليل النفسي لشخصية الإرهابي على الشاشة، إلا أن الأكيد هو أن الغالبية العظمى من الأعمال الفنية لم تنجح في معالجة هذه الشخصية بالشكل الحقيقي والجاد، وغرقت بعضها في السطحية الشديدة والاكتفاء برسم الشكل الخارجي “للإرهابي” دون الغوص في تفاصيل أعمق…

البداية كانت في أوائل السبعينيات عندما تنبأت السينما المصرية بصعود هذه الشخصيات المتطرفة ووجود هذ التيار وحذرت من قدومه، وذلك من خلال تقديم شخصية المُتشدد دينيا والذي يُعاني من كثير من الأمراض النفسية والاجتماعية، وهو ما جعله ناقما على المجتمع و كل من حوله، وكان أول ظهور لهذه الشخصية هو فيلم ” خلي بالك من زوزو” وتحديدا نوفمبر 1972  (عمران عمارة عمران) مثله محيي إسماعيل، شخص لديه أزمة من الجنس الأخر، رافض أن يمارسوا حريتهم في الللبس وحتى ممارسة الرياضة، دائم الخلاف مع كل زملاؤه، حاد في حديثه ومتطرف في آراؤه، لكنه لم يمارس العنف ضدهم وفي أبريل 1973 قدم الكاتب رأفت الميهي فيلم “غرباء” و الذي دارت أحداثه حول نادية الفتاة الجامعية التي تبحث عن مستقبلها وفي حياتها 3 رجال الأول أخيها (مثله شكري سرحان) شاب مُحبط ولديه أزمة نفسية بسبب تخرجه من الجامعة وفشله في إيجاد فرصة عمل بعد بحث سنوات طويلة، ويهرب من أزماته في التدين رغم دخوله في علاقة غير شرعية مع جارته، في حين أن أخته الصغرى تدرس في الجامعة وتعمل ليلا في أحد الفنادق، مما اضطره لممارسة الضغوط عليها لترك العمل وتغيير طريقة اللبس والسهر، والشخص الثاني دكتور الجامعة الملحد الذي يرى أن الدين والأخلاق معوقات للتطور والتقدم وأن العلم هو الدين الجديد والأفضل، والثالث حبيبها الذي يرى أن الحياة خُلقت للمتعة فقط، وتظل في حيرة حتى تقرر أن تبتعد عن الثلاثة وتبحث عن طريق رابع (تم منع الفيلم من العرض) واستمرت السينما المصرية في تناول المتطرف من هذه الزاوية فقط، وقد يكون هذا التناول مناسبا في مرحلة ما، لكن بعد أن تطورت الظاهرة في الواقع ولجأت للعنف وحملت السلاح كان لابد من البحث وقراءة الواقع بشكل جيد وعدم الاستمرار في نفس التناول مع إضافة العنف له دون ذكِر المبرر الحقيقي لهذا التطور.

هناك أعمال تناولت هذه الشخصية بكثير من السطحية مثل (جواب اعتقال، القرموطي على خط النار، دعدوش، الخلية، الإرهابي) فقد استغلت فقط اهتمام الجمهور بهذه الشخصية وقدموا أعمالا سطحية لا تليق بحجم و خطورة هذه الظاهرة.

يُعد فيلم الإرهابي أحد أنجح الأفلام التي تناولت شخصية الإرهابي وتصدت لهذه الظاهرة بالتناول فقط، ويرجع سبب النجاح لنجومية عادل إمام وتوقيت العرض الذي جاء بعد أسابيع من حادث أسيوط والذي راح ضحيته عشرات من الأبرياء، وفي الحقيقة إن الفيلم من أضعف الأفلام على المستوى الفني، حيث لم يتناول الشخصية بقدر من العمق والجدية، حيث ظهرت أيضا لديها أمراض نفسية وجنسية حتى أنه تحرش بابنة صاحب المنزل، شخص جاهل تم استغلاله لعمل إرهابي وبسبب حادث تصادم يُقيم مع عائلة وينتج عنها علاقة عاطفية مع الابنة الكبرى لصاحب المنزل، ولو تم تغيير بطل العمل من إرهابي إلى قاتل مأجورأو تاجر مخدرات اختبأ في منزل لأيام ما شعرنا بأي تغيير لأن الفكر والفكر المضاد غائب من الأساس، فالطريقة التي تم تناول شخصية المُتدين أو المُتشدد بها تؤدي أحيانا لتعاطف كثير من البسطاء معها، خاصة إذا تم تقديمها بقدر من السخرية كما حدث في فيلم الإرهابي ومشهد تحرشه غير المبرر بابنة الدكتور الصغرى، أو تم السخرية من عباداته أو ابتعاده عن النساء وشرب الخمر و مقارنته داخل العمل بشخصية درامية أخرى منحلة أو متحررة.

يعتبر الكاتب الكبير وحيد حامد هو أفضل وأهم من تصدى لهذه الظاهرة وقدم أعمالا مميزة بعيدة عن التناول التقليدي والساذج الذي لجأ له البعض، قدم وحيد عملين في السينما “طيور الظلام، دم الغزال” وتحدث فيهما عن تركيبة المجتمع وصراع السلطة والقوة وأدان من خلالهم النظام الذي يتعاون سرا مع هذا التيار وفي العلن يدعي الكره والرفض، في حين أنه المسئول عن تواجده و نموه المستمر، وفي الدراما التليفزيونية قدم مسلسل “العائلة” أحد أشهر المسلسلات في تاريخ الدراما، وفيه استعرض نمو وصعود هذا التيار منذ السبعينيات من القرن الماضي و حتى التسعينيات وما حدث له من تطور وعلاقاته داخل الدولة والدول المحيطة، ثم قدم مسلسل “الجماعة” من جزئين والذي تناول نشأة جماعة الإخوان، وعلاقتها بالأنظمة المختلفة التي حكمت مصر والأن يواصل وحيد حامد رصده لتاريخ الجماعة من خلال الجزء الثالث الذي يستعد لتقديمه في الفترة القادمة، ومن الملاحظ أن شخصيات وحيد حامد كانت الأفضل والأقرب للواقع من غيرها فقد ابتعد من خلالها عن النموذج الصاخب الذي ظهر في كثير من الأعمال التي تناولت ظاهرة الإرهاب.

في هذا السياق ترى الناقدة ماجدة خير الله، أن الدراما بشقيها لم تنجح في تناول شخصية الإرهابي بشكل حقيقي وواقعي إلا في أعمال قليلة جدا، في حين تناولت أعمال كثيرة هذه الشخصية بقدر كبير من السطحية والاستغلال التجاري لها، دون الاهتمام بالمشاركة في التصدي ومواجهة ظاهرة في الأهم والأخطر علينا في الوقت الحالي، وأضافت خير الله، هذه التنظيمات تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولم تعد قاصرة على الشخص القروي الجاهل الفقير والذي يتم استغلال فقره وحاجته للمال وأمراضه الاجتماعية في الانضمام للتنظيم، حيث انضم لها في الفترة الأخيرة أبناء الطبقات العليا وخريجي الجامعات الأجنبية والخاصة، كما أننا وجدنا جهاديين من جنسيات مختلفة، بالإضافة للتقنيات والأسلوب المتطور الذي يتبعه قادة هذه التنظيمات في إدارتهم لها، كل هذا أغفلته الدراما التي اكتفت بشخص مريض نفسي حاجل لديه كبت جنسي، وأضافت أيضا ما هو الفكر القادر على الوصول لأجيال من الشباب على مدار عقود مع اختلاف ثقافتهم و نشأتهم وطبقاتهم الاجتماعية، هذا ما كنت أنتظر رؤيته في عمل فني بعيد عن المشاهد والحوارات المُكررة.

الناقدة ماجدة خير الله
الناقدة ماجدة خير الله

الكاتب الكبير بشير الديك يرى أيضا أن السينما المصرية لم تنجح في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ولا أي ظاهرة، وأن آخر الأعمال الجادة كانت في ثمانينيات القرن الماضي ومن بعدها اكتفت السينما بالأفلام التجارية وتركزت في الأكشن والكوميدي وابتعدت عن تقديم أي أعمال جادة وهامة، وبالتالي لم تظهر شخصية الإرهابي ولا غيره بشكل حقيقي و واقعي، نتيجة غياب الرؤية لأهمية الدراما و ما يمكن أن تقدمه للمجتمع وأن الإيرادات هي الهدف و المقصد.

بشير الديك
بشير الديك

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock