عبر تاريخ السينما المصرية الذى يزيد عن مائة عام، فإن عددا من الأفلام كانت ضحية للرقيب.. بعضها نجا بتدخلات سيادية، والبعض الآخر ظل حبيس الأدراج، ليتسلل إلى الجمهور مؤخرا عبر شبكة الإنترنت.
ولابد هنا من التذكير بأن منصب الرقيب على المصنفات الفنية فى مصر قد شغله عدد كبير من المبدعين والمثقفين البارزين فى مراحل مضت، كان من بينهم نعمان عاشور، ونجيب محفوظ، الذى قال مع توليه المنصب «إن عمل الرقابة لا علاقة له بحرية الإبداع، ولكن بعض الضوابط لحماية المجتمع والحفاظ عليه من الفتنة»، وهو ما يراه المبدعون تفويضا لم يمنحه المجتمع للرقيب وأن المجتمع يستطيع أن يكون رقيبا على نفسه
لأسباب سياسية
تعتبر التابوهات أو المحرمات السياسية، أحد أبرز ما واجه السينما المصرية، لكن معظم الأعمال التى كانت عليها مآخذ سياسية نجت من المنع، رغم التدخلات العديدة التى أدت لحذف بعض المشاهد أحيانا، أو تأجيل العرض العام أحيانا أخرى. وقد عرفت السينما المصرية طريق المنع والمصادرة مبكرا لأسباب سياسية، فقد تم منع عرض فيلم «مسمار جحا» الذى أنتج عام 1952 قبل قيام ثورة يوليو بشهور، وكان بطولة إسماعيل ياسين وعباس فارس وكمال الشناوي وإخراج إبراهيم عمارة. وتم منع هذا الفيلم من العرض، بدعوى تعرضه للسلطة الحاكمة في العهد الملكي، ثم تم عرضه عقب قيام ثورة يوليو.
ويعتبر فيلم «شىء من الخوف» للمخرج حسين كمال أحد اشهر الأعمال التى منعتها الرقابة قبل عرضها عام 1969، حيث اعتبرت شخصية «عتريس» الذى يريد الزواج من فؤادة بالقوة، وجملة «جواز عتريس من فؤادة باطل» رمزا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ونتيجة الجدل الكبير كلف عبد الناصر نائبه أنور السادات بمشاهدة الفيلم، فأجاز عرضه، ولما شاهده عبد الناصر قال «لو كنا بهذه البشاعة حقهم يقتلونا».
كما تعرضّ فيلم «ميرامار» عام 1969 لكمال الشيخ ونجيب محفوظ لنفس الموقف، حين تم منعه رقابيا لانتقاده العنيف للأوضاع التى كانت تعيشها مصر، ولكن سمح بعرضه رغم اعتراض الرقابة عليه، بعد أن شاهده الرئيس عبد الناصر وأجازه بنفسه.
وفى عام 1972 منعت الرقابة فيلم «العصفور» للمخرج يوسف شاهين وهو الفيلم الذى تناول عوامل وأسباب نكسة 1967، وإعتبرته الرقابة يرمز لشخصية فى السلطة حينذاك وسُمح بعرضه بعد حرب 1973، ولكن بعد حذف مجموعة من مشاهده. وفى عام 1973 تم منع فيلم «زائر الفجر» الذى أخرجه ممدوح شكري وأنتجته ولعبت بطولته ماجدة الخطيب وتدور أحداث الفيلم حول الوضع السياسي الذي شهدته البلاد في تلك الفترة، وقد مُنع الفيلم وتم سحبه من دور العرض بعد أيام قليلة من عرضه، بسبب الاسقاطات السياسية التى حملها، وفشلت محاولات ماجدة الخطيب فى مقابلة الرئيس السادات لتطلب إجازة عرضه.
كما تعرض فيلم «الكرنك» عام 1975 للمخرج علي بدرخان عن قصة نجيب محفوظ للمنع والهجوم العنيف بسبب قسوته فى نقد حكم الرئيس عبد الناصر وقد تدخل الرئيس السادات حينذاك وسمح بعرض الفيلم. ولنجيب محفوظ أيضا تم منع فيلم «المذنبون» الذى أنتج في 1975، قصة وسيناريو حوار نجيب محفوظ وممدوح الليثي وإخراج سعيد مرزوق، بطولة كمال الشناوي، وحسين فهمي، وسهير رمزي، وواجه الفيلم أزمة رقابية كبيرة، حيث وقعت بسببه أول حادثة من نوعها في تاريخ الرقابة. فقد أمر الرئيس السادات بمحاكمة 15 من موظفي الرقابة لموافقتهم على عرض الفيلم، وقرر منع الفيلم بعد عرضه، ثم عُرض محذوفًا ثم عُرض في نهاية الأمر كاملًا، وتم وصف الفيلم بأنه ينطوي على تشويه للمجتمع المصري و يحتوي على مشاهد تخدش الحياء، وبالرغم من حذف العديد من المشاهد، إلا أن التليفزيون المصري يرفض عرض هذا الفيلم حتى الآن.
https://youtu.be/117lMz4yAOs
لكن الأزمة لم تكن فى المشاهد الجريئة بقدر ما كانت هذه الحالة من الكشف الفاضح وتعرية عوار المجتمع الذى يتظاهر بالطهر وأيضا ما طرحه الفيلم من تورط مسؤولين فى علاقات مشوهة وغير أخلاقية.
أما فيلم «قاع المدينة» الذى تم إنتاجه عام 1974 للمخرج حسام الدين مصطفى وعن قصة يوسف إدريس وبطولة نادية لطفى ومحمود ياسين فقد تعرض أيضا للمنع بعد غضب القضاة لأن بطل الفليم كان يعمل رئيس محكمة ويمارس كل أعمال الرذيلة.
أما فيلم «البرئ» للمخرج عاطف الطيب والكاتب وحيد حامد بطولة أحمد زكى ومحمود عبد العزيز والذى أنتج عام 1986، فقد تعرض لحذف عدد كبير من مشاهده وتغيير نهايته، حيث تم تشكيل لجنة اختارها مجلس الوزراء فى ذلك الوقت و ضمت 3 وزراء سابقين هم المشير عبد الحليم أبو غزالة و أحمد رشدي و أحمد هيكل وقررت عرض الفيلم بعد حذف عدد من المشاهد وتغيير نهايته، إلى أن قرر وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى عرضه كاملا خلال فعاليات المهرجان القومى للسينما عام 2005، تكريما للفنان أحمد زكى بعد رحيله فترة قصيرة من ذات العام.
واللافت هنا أن عددا كبيرا من الأعمال التى عانت من الرقابة وتعرضت لمضايقات بلغت حد حذف بعض مشاهدها، جاءت ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية.
https://youtu.be/W1TPbjdDqpI
الجنس الجرىء
تتغير معايير المجتمع ونظرته من فترة إلى أخرى حول ما الممنوع والمسموح فيما يخص الجنس فى السينما وإلى أى مدى يمكن السماح به. ومن خلال رصد بسيط نكتشف أن مرحلة منتصف السبعينيات حتى نهاية الثمانينينات كانت الأكثر تشددا فى تقييم هذا النوع من «التابو» وقد تم منع عدد من الأفلام بإعتبار أنها «تخدش حياء المجتمع ». فلم ينجُ فيلم المخرج الكبير صلاح أبو سيف «حمام الملاطيلي» الذى أنتج عام 1973 من المنع، فقد منعت الجهات الرقابية هذا الفيلم الذي، قامت ببطولته شمس البارودي ويوسف شعبان ومحمد العربي. ومنعته الجهات الرقابية لاحتوائه على مشاهد خارجة، ثم تم عرض في السينما في فترة التسعينيات بعد أن حذفت منه الرقابة مشاهد كثيرة، لكنه لايزال ممنوعًا تلفزيونيًا حتى الآن.
والحال نفسه حدث مع فيلم «خمسة باب» انتاج عام 1983 للمخرج نادر جلال، وهو بطولة عادل إمام ونادية الجندي وفؤاد المهندس ويتعرض لحياة العاهرات فى حي للبغاء في القاهرة القديمة. وكذلك فيلم «درب الهوى» من إنتاج نفس العام 1983، للمخرج حسام الدين مصطفى، وتم منع الفيلم تحت دعوى أنه يسيء لسمعة مصر، وحتى الآن لم يُعرض هذا الفيلم على شاشات التليفزيون.
ومؤخرا تم منع فيلم «حلاوة روح» عام 2014 إخراج سامح عبدالعزيز وكان الفيلم قد أجيز رقابيا، لكن ضغوطا إعلامية أدت لصدور قرار بمنع العرض تحت مبرر إستخدام طفل صغير فى مشاهد جنسية جريئة.
فيتو الأزهر والكنيسة
فى مصر يمثل الأزهر الشريف مرجعيه أساسية لأى عمل فنى يتعلق بالتاريخ الإسلامى كما أن الكنيسة القبطية تعتبر مرجعا لأى عمل فنى يتعرض لحياة المسيحيين الدينية. ومن هنا فإن قرارات الرقابة حول الأعمال الفنية التى تتناول مسائل دينية- سواء من قريب أو من بعيد- تقررها هاتان المؤسستان الدينيتان.
وقد تعرضت أعمال عديدة للرفض قبل التصوير أو منع العرض بعد تصويرها، ومن أشهر هذه الأعمال التى منعت من العرض فى مصر لأسباب دينية، كان فيلم «الرسالة» عام 1976 للمخرج مصطفى العقاد، وذلك لأنه جسّد شخصية حمزة بن عبد المطلب عم النبى محمد صلى الله عليه وسلم، بينما يرفض الأزهر تجسيد شخصيات الأنبياء و الصحابة على شاشة السينما أو في الدراما. كما رفض الأزهر عام 1979 فيلم «القادسية» للمخرج صلاح أبو سيف بسبب تجسيد شخصية الصحابى سعد بن أبى وقاص، أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو ما واجه انتقادات شديدة من مؤسسة الأزهر.
وفى عام 1994 لجأ المخرج يوسف شاهين إلى القضاء للسماح بعرض فيلم «المهاجر»، وذلك بعد إعتراض الأزهر على تجسيد شخصية سيدنا يوسف عليه السلام، وقد إضطر شاهين لتغيير إسم الفيلم من «يوسف وأخوته» إلى المهاجر، كما قام بتغيير بعض المشاهد، لكى يتم السماح بعرضه فى نفس العام .
ولم يتوقف الأمر عند رفض الأزهر للأفلام المصرية بل امتد لمنع عرض افلام اجنبية من العرض داخل مصر ومن بينها فيلم «أمير مصر» 1998، وفيلم «ابن الله» 2004 للممثل البرتغالي «ديوجو» وفى العام نفسه أعلن الأزهر رفضه لعرض فيلم «آلام المسيح» وسمحت الدولة بعرضه رغم رفض مؤسسة الازهر عرض أعمال فنية تجسد الأنبياء. كما أصدر الأزهر بيانا رفض فيه عرض فيلم «نوح» الذى يقدم قصة حياة النبي نوح -عليه السلام-. وتعتبر أزمة فيلم المخرج رون هاوارد «شفرة دافنشى» عام 2006 أحد أشهر الأزمات الفنية بين الأزهر والسينما العالمية.
وعلى الجانب الآخر فإن الكنيسة المصرية ظلت لعدة سنوات ترفض تصوير فيلم «بحب السيما» للمخرج «أسامة فوزى» حتى خرج إلى النور عام 2004، ليخرج معه بركان من الغضب الهادر والذى بلغ حد التظاهر ضد الفيلم وصناعه داخل مقر الكنيسة القبطية. وفى عام 2011 تم منع فيلم «الخروج من القاهرة» للمخرج هشام عيسوى والذى يتعرض لعلاقة حب بين شاب مسلم وفتاه مسيحية.
وكانت أزمات عديدة قد أثارتها أفلام منها «بالألوان الطبيعية» و «فيلم هندى»، وعدد آخر من الأعمال التى أثارت غضب الكنيسة وتدخلت لحذف بعض مشاهدها من خلال الرقابة على المصنفات الفنية.