فن

من “الثلاثي المرح” إلى “طبلة الست” .. أوجه الشبه ومصادر البهجة

في عام 2019 التقطت الأذن المصرية وَقْعًا جديدا ومدهشا؛ فالتفتت العيون لتجد مشهدا فريدا لسيدات تجلسن وتغنين وتقرعن الطبول وتعزفن على آلات الإيقاع، وتُقدمْن الأعمال التراثية بروحٍ مبهرةٍ، وتغنين الفولكلور بأداءٍ مميزٍ، وتعزفن شاديات بالسيرة الهلالية ومربعات الشاعر الشعبي الأشهر “بن عروس”.

نحن إذن أمام فرقة “طبلة الست” التي تعيد للأذهان تجربة “الثلاثي المرح” التي تقف على بعد سبعين سنة من الآن؛ حين تعرَّف المستمع المصري على أول فريق غنائي يتكون من ثلاث فتياتٍ، عُرفنَ فيما بعد بالثلاثي المرح.. وقد تكوَّن الفريق من: “وفاء مصطفى” و”صفاء يوسف لطفى” و”سناء الباروني”. أما فريق “طبلة الست” الذي يضم كل من “منة منصور” و”ريهام فتحي ” و”دعاء أبو اليزيد ” و”حبيبة ” و”جينا مالك ” و”ريتا ناجى ” و”سيد الحسيني “و” محسن الشيمى” و”رأفت” – وقد أسسته المغنية والعازفة “سها محمد”.

ورغم الاختلافات بين كلا التجربتين، من حيث طبيعة كل منهما وشكل وطريقة الأداء، بالإضافة إلى قيام عناصر “طبلة الست” بالعزف على الطبلة والرق والصاجات والانتصار للآلات الإيقاعية فقط، إلا أن كلا التجربتين تشتركان في قدرتهما على صناعة البهجة وبث حالة من المرح وحب الحياة.

بداية الثلاثي

البداية كانت في خمسينات القرن العشرين، عندما التقت الفتيات بمعهد الموسيقى خلال دراستهن، وقررن الغناء مجتمعاتٍ، وكانت حديقة المعهد مسرحا لبعض الحفلات التي يتغنى فيها كل من: محرم فؤاد وماهر العطار وبليغ حمدي وآخرون.

في تلك الحديقة انطلق صوت الثلاثي؛ ليلفت الأنظار ويسكن في القلوب من أول لحظة.. مُشكلا حالة مختلفة بأصواتٍ عذبة قادرة على التأثير السريع  في المتلقي. ومن خلال برنامج “الهواء” الذى كان يقدمه الإعلامي “ديمترى لوقا” تعرَّف المستمع العربي عبر أثير الإذاعة على تلك التجربة التي تلقفها الموسيقار الكبير “على اسماعيل” وتبنى الفريق وأطلق عليه اسم “الثلاثي المرح” لما تحمله أصواتهن من بهجة ومرح.

نجاح وانتشار “الثلاثي”

وتنجح الفتيات الثلاث في اجتياز اختبارات الإذاعة المصرية، ويصرن أصواتا معتمدة وتبدأ رحلة غناءٍ وإبداعٍ شكلت حالة فنية شديدة الخصوصية، ما يزال تأثيرها باق حتى الآن. وعلى الرغم من تبنى “علي إسماعيل” لهن إلا أن ذلك لم يمنعهن من تقديم ألحانٍ لعددٍ آخرَ من الملحنين، من بينهم “سيد مكاوي” و”محمد الموجي” و”حلمي بكر” و”عبد العظيم محمد” و”حلمي أمين” و”منير مراد” و”أحمد صدقي” و”عبد العظيم عبد الحق” كما قدم لهن “محمد عبد الوهاب” مقطوعة “المماليك” كما تعاون معهن عدد كبير من الشعراء منهم: “صلاح جاهين” و”مرسي جميل عزيز” و”صالح جودت” و”عبد الفتاح مصطفى” بالإضافة إلى الشاعرة “نبيلة قنديل ” –زوجة “علي اسماعيل”– وقد تشارك “الزوجان” في تقديم عدد كبير من أغنيات فرقة رضا الغنائية.

حققت فرقة “الثلاثي المرح” نجاحا كبيرا خلال سنوات قليلة استمرت حتى النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين، وبعد أن رحل الموسيقار “علي إسماعيل” تفرقت السبل بالفتيات، حيث تزوجت “سناء الباروني” من المخرج “حسن الإمام” بينما تزوجت “صفاء يوسف” من المخرج “سامى أبو النور ” في حين تزوجت “وفاء مصطفى” من حارج الوسط الفني، وسافرت إلى إحدى دول الخليج العربي.

وللأسف توقّف مشروع “الثلاثي المرح” بعد أن ملأ فضاءنا مرحا، وترك في وجدان المستمع العربي عددا كبيرا من الأغنيات الخالدة مثل “وحوى يا وحوى” و”سبحة رمضان” و”العتبة قزاز” و”حلاوة شمسنا” وغيرها الكثير والكثير.

طبلة الست.. كل تلك البهجة

بعد أكثر من نصف قرن من توقف تجربة “الثلاثي المرح” تظهر في سماء مصر حالة تعيدها للذاكرة من جديد.. إنها تجربة جديدة تسعى للحفاظ على التراث الموسيقى المصري، وتعيد تقديم الفولكلور الشعبي للأغنية العربية، لكنها تجربة متفردة في طريقة التناول وطبيعة إعادة تقديم الأعمال التراثية واكتشاف ما به من مناطق مضيئة.

قررت المغنية والعازفة “سهام محمد” أن تؤسس فريقا موسيقيا يعتمد بالأساس على عناصر نسائية، ويقدم الألحان بالآلات الإيقاعية فحسب، فنجد الطبلة والرق والصاجات تتصدر المشهد الموسيقى لفرقةٍ أطلق عليها “طبلة الست” لأن الآلات الإيقاعية – كما قالت “سهام محمد”- هي الأكثر قدرة على تحريك الوجدان، ومن ثم الانفعالات البدنية للإنسان، فمجرد أن نستمع للطبلة تثير بداخلنا بهجة ورغبة في الغناء والرقص، وعلى الرغم من حداثة عمر فرقة “طبلة الست” إلا أنها لفتت الأنظار بشكل كبير؛ خاصة بين جمهور المثقفين المصريين والمنشغلين بالحفاظ على التراث الفني.

ورغم تخرج “سها” في كلية الآداب قسم اللغة الألمانية؛ إلا أنَّها تؤكد أن علاقتها قديمة بالفولكلور، منذ أن كانت عضوا بفرقة رضا للفنون الشعبية وهي في الـ 18 من عمرها، وقضت بالفرقة عاما ونصف العام، وفى تلك الفترة تعرفت على أغنيات التراث المصري المختلفة.

وحول اختيارها لآلات الإيقاع تحديدا قالت “سها”: “ليس صحيحا وجود آلة موسيقية ذكورية وأخرى نسائية.. والإيقاع هو أكثر الآلات إثارة للبهجة وقد عرف تاريخنا القديم سيدات تعزفن على آلات موسيقية، وهذا موثق على جدران المعابد الفرعونية”.

تأسيس “طبلة الست”

في عام 2019 تم تأسيس فرقة “طبلة الست ” من مجموعة صديقاتٍ تعرَّفن خلال دراستهن للموسيقى والغناء؛ وتشاركن في الحلم، وقامت “سها” باستئجار “ستوديو” وتم اختيار الأغنيات، وعمل البروفات؛ حتى قدمن أول حفل لهن  بمكتبة “جوتة” الألمانية بالقاهرة، كان حفلا مجانيا وقد استقبل الجمهور الفرقة في عرضها الأول بترحاب شديد”.

تكون الفريق من سبع سيدات يعزفن على آلاتٍ إيقاعية (دف وطبلة ورِق وصاجات وطبلة بلدي ودهلة” بالإضافة إلى ثلاثة عازفين رجال يعزفون على الربابة والمزمار) وهذه الآلات شديدة الشرقية هي الأنسب لتقديم الأغنيات التراثية والفولكلورية والسيرة الهلالية ومربعات بن عروس.

وحول عدم تقديم أغنيات تخص الفرقة بعيدا عن إعادة تقديم الأعمال التراثية تقول “سها”: “نحن مرتبطون بالأغنيات القديمة، لأنَّ بها عناصرَ تميزٍ عديدة، وتنوع في الإيقاعات، ولا نجد حتى الآن تلك المواصفات الفنية في الأعمال الحديثة”.

ويرى صُنّاع الفرقة أن طبيعة تكوينها من السيدات يمثل عامل جذب وأحد مميزات الفرقة وتحلم “سها” أن تتعلم معظم السيدات الغناء والعزف خاصة على الطبلة “ففرقتنا دعوة للبهجة ونحن نقوم بتدريب السيدات من خلال “ورشة طبلة الست” كما أننا نحلم بأن نغنى تراثنا الفني في كل محافظات مصر وكل مهرجانات العالم”.

تسعى الفرقة للحفاظ على كنوز التراث المصري من جيل إلى جيل حتى لا يختفي ويغيب عن الذاكرة الجمعية وقد قدمت أكثر من (30) أغنية والجمهور دائما يطلب سماع أعمال مثل “العتبة قزاز” ومربعات بن عروس والسيرة الهلالية وغيرها من الاعمال الفولكلورية.

 وتضيف “سها”: “وإن كان اسم “طبلة الست” به قدرٌ من الانحياز خاصة وأن الغناء والبهجة طقس من طقوس لقاء النساء بعضهن ببعض، فإن هذا لا يعنى أننا نستهدف المرأة فقط فلا يوجد فن ذكوري وآخر نسائي والفرقة بها عازفين رجال ونساء جنبا إلى جنب”.

وحتى الآن ورغم مرور ثلاث سنوات على تأسيس الفرقة إلا أنه لا توجد أي جهة داعمة وتتحمل مؤسسة “طبلة الست” كافة تكاليف الإنتاج وترتيبات الحفلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock