عانت الدراما التلفزيونية العربية طويلاً من نقص حاد في الأعمال التي تتناول القضية الفلسطينية حيث لم يُنتج عنها إلا عدد محدود من المسلسلات منذ الثمانينات تزامناً مع الانتفاضة الأولي وحتي يومنا هذا.
غير أنه ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام ٢٠٠٠ شهدت القنوات العربية المختلفة زيادة ملحوظة في الأعمال المكرسة للقضية أو التي تتناول الجانبين التاريخي والإنساني لها.
حضور ثم غياب
من بين تلك الأعمال التي تناولت قضية فلسطين في بداية الألفية الثالثة مسلسلات لجأت إلى التاريخ للتعبير عن الواقع مثل مسلسلي «البحث عن صلاح الدين» و«صلاح الدين الأيوبي» وكلاهما أنتج عام ٢٠٠٢ ومسلسلات اخري استعرضت البعد الاجتماعي للقضية مثل المسلسل الملحمي «التغريبة الفلسطينية» الذي أبدعه كل من الكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي عام ٢٠٠٤ والذي يروي ما حدث لفلسطين وشعبها علي مدار ثلاثين عاماً من خلال ثلاثة أجيال مختلفة من أسرة واحدة.
كما قدم المخرج الفلسطيني- السوري باسل الخطيب عدداً من الأعمال المميزة عن القضية في الفترة نفسها مثل مسلسل «عائد إلى حيفا» المقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، وكذلك أعمال تناولت رموز المقاومة الفلسطينية مثل مسلسل «عياش» اضافة الى مسلسل «أنا القدس» الذي تناول ما حدث للمدينة المقدسة على مدار نصف قرن تقريباً.
غير أن تراجعاً واضحاً حدث في هذه النوعية من الدراما بعد أحداث ما عرف باسم «الربيع العربي» عام ٢٠١١ حيث لم تشهد السنوات التسع الماضية أية أعمال تذكر عن القضية في ظل تركيز صناع الدراما ومنتجيها على تقديم أعمال تتناول انعكاسات الانتفاضات العربية على المجتمعات التي قامت فيها.
عودة حميدة
ويبدو أن موسم رمضان لعام ٢٠٢٠ سيشهد عودة حميدة لدراما فلسطين – اذا صح التعبير- حيث يشهد هذا الموسم عملين على الأقل عن القضية وشعبها.
المسلسل الأول هو «الخوابي» وكان مقرراً له العرض العام الماضي إلا أن أسبابا انتاجية أجلت عرضه إلى رمضان من هذا العام.
https://youtu.be/Jn1r0Ole8wQ
والمسلسل لا يتناول القضية في حد ذاتها او الصراع مع الصهاينة بقدر ما يتناول فترة ما قبل النكبة، ويركز على الريف الفلسطيني بكافة عاداته وتقاليده مستعرضاً عدداً من القصص التراثية التي شهدتها تلك المنطقة قبل عام ١٩٤٨وهو إخراج محمد علوان و تأليف وفا بكر ومن بطولة إياد نصار وعدد من الممثلين الفلسطينيين والأردنيين مثل عبير عيسي وأنور خليل وعبد الكريم القواسمي وغيرهم.
أما المسلسل الثاني فهو بعنوان «حارس القدس» وكتب له السيناريو الكاتب والسيناريست السوري المخضرم حسن م يوسف وهو من إخراج باسل الخطيب ويتناول القضية الفلسطينية من خلال استعراض قصة حياة ونضال مطران القدس الراحل هيلاريون كابوتشي.
مطران القدس الراحل هيلاريون كابوتشي
ويعد المسلسل أول عمل درامي عربي تكون الشخصية الرئيسية فيه رجل دين مسيحي٫ ويبرز المسلسل الكفاح الطويل للمطران الراحل منذ طفولته في مدينة حلب السورية حيث ولد، والتحاقه بالكنيسة وتدرجه في مناصبها حتى وصوله إلى منصب مطران القدس في الستينات وتعاطفه مع شعب فلسطين وقضيته من منطلق قومي عربي.
ويركز المسلسل على تعاون المطران مع المقاومة الفلسطينية خاصة بعد احتلال الصهاينة للقدس عام ١٩٦٧ وهو الأمر الذي أدى الى اعتقاله وسجنه لأربع سنوات في معتقل صهيوني قبل أن يتدخل الفاتيكان و يتوسط للإفراج عنه.
ثم يروي المسلسل خروج المطران من السجن الي المنفي في الفاتيكان واستمرار دعمه للمقاومة في كل من لبنان وفلسطين رغم بعده عنها ومشاركته في أسطول الحرية الداعم لغزة.
كما يُعرِّج المسلسل بطبيعة الحال على الحرب الأهلية السورية منذ بدايتها عام ٢٠١١ وتأثيرها علي حلب مسقط رأس المطران وعلي أهلها.
https://youtu.be/ugKKti7WsJM
يلعب دور المطران في المسلسل الممثل السوري المخضرم رشيد عساف المعروف بأدواره التاريخية المميزة مثل مسلسل «البحث عن صلاح الدين» و«قمر بني هاشم» وغيرها. ويشارك فيه عدد من الممثلين السوريين والفلسطينيين مثل أمل عرفة وسليم صبري وليا مباردي وغيرهم كثير.
ومع اقتراب موعد عرض هذه الأعمال على القنوات العربية في شهر رمضان، يثور سؤال مهم: هل من شأن مسلسلات كهذه أن تفتح شهية جهات الإنتاج المختلفة في العالم العربي للعودة لصناعة أعمال عن فلسطين من جديد؟ نتمنى أن يكون الجواب بنعم.