استجاب السلطان العثماني محمد الخامس لدعوات إطلاق سراح الضابط عزيز المصري الذي كانت المحكمة العسكرية قد أصدرت ضده حكما بالإعدام، وقرر العفو عن مؤسس جمعية العهد التي تأسست لتعبر عن تطلعات الضباط العرب الرافضين لتغول القومية التركية على باقي قوميات السلطنة.
السلطان العثماني محمد الخامس
كان عزيز المصري «1879- 1965» قد تلقى في محبسه تحذيرات من أصدقائه في الأستانة أن السلطان وأعوانه كان يخططون لتصفيته، ومرر مع أحد زائريه ورقة تحمل ذلك المعنى «زارنى اليوم عضو كبير فى جمعية الاتحاد والترقى وكشف لى أنه ستكون هناك محاولة لاغتيالى، وأعطانى مسدسًا لحماية نفسى».
تحت ضغط الرأي العام نجحت الوساطة البريطانية في إقناع السلطان بتخفيف حكم الإعدام بحق المصري إلى السجن ثم حصل على عفو كامل، وتم إطلاق سراحه فى 21 إبريل من عام 1914، وطُلب منه أن يغادر إلى مصر على الفور وألا يتدخل ثانية فى شؤون الدولة العثمانية.
عودة إلى القاهرة
غادر المصرى فى اليوم التالى بحراً إلى الإسكندرية على ظهر سفينة رومانية ووصلها 26 إبريل، وكان يوم وصوله بمثابة عيد قومى فى العاصمة وفى الإسكندرية، بحسب ما أورد الكاتب الصحفي محمد السيد صالح في كتابه «عزيز المصري.. أبو الثوار».
ويضيف صالح: لم يهدأ أبو الثوار العرب لوقت طويل، فما هى إلا شهور معدودة، إلا وكانت تركيا قد تحالفت مع ألمانيا، وأعلنتا معًا الحرب على روسيا وإنجلترا وفرنسا فى أكتوبر 1914. وبدخول تركيا الحرب أصبحت الحركة العربية فى مرحلة امتحان دقيق، «أتقف مع دولة الخلافة الإسلامية فى محنتها أم تنفصل عنها وتعاديها؟ كان الرأى السائد لدى رجال الحركة الإصلاحية العرب الوقوف مع تركيا وتناسي الخلافات معها لحين انتهاء الحرب».
في أغسطس 1914 سجلت الوثائق البريطانية، مقابلة بين عزيز والكابتن رسل أحد ضباط المخابرات البريطانية في القاهرة، طلب المصرى خلال تلك المقابلة معرفة موقف بريطانيا من إقامة دولة عربية مستقلة عن الدولة العثمانية.
وقال المصرى الذي كان يتحدث باسم اللجنة التنفيذية لـ«جمعية العهد» أنه إذا ما وافقت بريطانيا على دعم تلك الدولة فإنها في المقابل ستحصل على امتيازات تفضيلية دون غيرها وتمارس السياسة الخارجية لهذه الدولة العربية نيابة عنها.
رد رسل على المصرى بأن بلاده ترى أن الوقت غير مناسب لإثارة هذا المشروع، وأن حركتهم لن يكتب لها النجاح دون النوايا الحسنة من حكومته، صدم عزيز من تلك الإجابة، وقال لمحدثه إنه «سينقل فحوى هذه المقابلة إلى أعضاء جمعيته».
استمرت المحادثات بين المصري والإنجليز بشأن استقلال الدول العربية، وعَرف عزيز الذي كان يتحدث باسم «جمعية العهد» بلاد العرب في تلك المباحثات بأنها الأقاليم التي تتحدث اللسان العربى وتمتد حدودها الشمالية بخط يمر بالإسكندرية والموصل إلى الحدود الإيرانية.
ونقل إلى جلبرت كلايتون مندوب الحكومة الإنجليزية وجهة نظر حركتهم قائلا: «هذه الحركة لا ارتباط لها بالجامعة الإسلامية والخلافة العربية ولذلك لم يطلب القائمون بأمر الدعوة تأييد المتعصبين أمثال الشيخ رشيد رضا ولكنهم في الوقت نفسه يدركون أهمية تأييدهم إذا ما كانوا على استعداد للخروج من آفاقهم الضيقة، ويعتقدون أن قوة الحركة تتمركز في بغداد ونجد وسوريا، أما الجنوب العربى فهو مشحون بالخلافات الداخلية مما يباعد بينه وبين التأييد الفورى لها».
الشيخ رشيد رضا
تقدم المصري خلال لقائه مع كلايتون بخطة لإعلان ثورة في العراق يدعمها ما يقارب من خمسة عشر ألف جندى عربي في الجيش التركى، وقد طلب أيضاً أن تقوم بريطانيا بمساعدة هذه الثورة وذلك بتقديم المال والسلاح فقط، لكن كلايتون لم يقدم لعزيز أي ضمانات أو تشجيع.
استمرت مساعى المصرى لدى بريطانيا، لكنها كانت ترد على مقترحاته بالتحفظ وعدم الموافقة، كانوا يرون أن المقترحات التي قدمها غير عملية، وأن تركيا في ذلك الوقت لم تكن قد دخلت الحرب وبالتالى فإن بريطانيا لم تكن تريد الظهور بمظهر المؤيد لحركات مناوئة لتركياً.
حلم الدولة العربية الموحدة
وفى شهر نوفمبر 1914 دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا – فيما سمى بعد ذلك بالحرب العالمية الأولى-، فأعلنت بريطانيا الحرب عليها وقامت بإبلاغ ممثليها في القاهرة أن بإمكانهم إعطاء المصرى ألفى جنيه إسترلينى لكى يتمكن من التنظيم وأى مساعدة أخرى قد يحتاجها، لكن المصرى أبلغهم آنذاك بعدم حاجته إلى المال.
ومع ظهور أطماع بريطانيا في احتلال العراق، تبدلت مواقف عزيز المصرى، حيث رفض أي تعاون سواءً من قبله أو من قبل أعضاء جمعيته، إذا كان هدف بريطانيا احتلال العراق، أما إذا تعهدت بعدم ضم العراق فإنه يستطيع الذهاب إلى هناك وإقناع الضباط العرب في الجيش العثمانى بأن يتخلوا عن القادة الثائرين ولا يعارضوا تقدم الجيش البريطانى، محذراً أنه بدون مساعدته ستواجه القوات البريطانية في تقدمها نحو بغداد مقاومة عنيفة من الجنود العرب والأتراك الذين سيبقون موالين للإمبراطورية العثمانية في حربها ضد الغزاة البريطانيين.
استمرت اتصالات عزيز المصرى مع المسؤولين البريطانيين في هذه الفترة حتى 1916، لكنها لم تثمر عن نتيجة حاسمة، فالمصرى كان متشدداً في طلباته وشروطه وهذا ما لم تكن تريده بريطانيا.
وعن هذه الاتصالات وتلك المرحلة من حياته يقول المصري، وفقا لم ورد في كتاب «أبو الثائرين.. الفريق عزيز المصري» للكاتب الصحفي محمد عبدالحميد: لم أكن أعلم ما هو موقفى عند الإنجليز، وما هو موقف الأحزاب في مصر من وجودى في القاهرة. كانت قضيتى أن الدول العربية يجب أن تنفصل عن الدولة العثمانية، وأيضاً يجب أن يكون هناك اتحاد فيدرالى يضمها جميعاً، اتحاد أساسه حق كل دولة في التصرف في سياستها الداخلية، أما السياسة الخارجية والجيش فحق للدولة العثمانية، ولقد تغيرت فكرتى فيما بعد حول هذا الاتحاد الفيدرالى، وكانت دعوتى إلى وحدة عربية يساندها جيش عربى قادر على حماية هذه الوحدة لكن الاستعمار الإنجليزى والفرنسى والإيطالى كانوا يخططون لمصالحهم من خلال جيوش عصرية تحمى هذه الأحلام.
ويؤكد المصري ان قضيته الأساسية أنه لم يكن سياسياً محترفاً، «لكنني رجل عسكرى أحترف هذه المهنة، وبدأت أفكر كيف أحقق أفكارى من منطلق كونى الرجل العسكرى المحترف، ولكننى لم أعلم أين ميدانى».
كان الثوار العرب الرافضون للتواجد التركى بشكل عام، يحاولون الاستفادة من الأجواء السياسية والعسكرية الملبدة، في تلك الأثناء لجأت بريطانيا إلى من تضمن ولاءهم بشكل تام، فاقتربت ابتداءً من ١٩١٥ من الشريف حسين، ثم عبدالعزيز آل سعود، وظهر على الساحة أشهر رجل مخابرات فى القرن العشرين وهو لورانس العرب.
الشريف حسين بن على
الشريف حسين والثورة العربية الكبرى
كانت الاتصالات البريطانية مع الشريف حسين إحدى حلقات الاتصالات البريطانية مع الزعامات العربية، وقد بدأت هذه الاتصالات عام ١٩١٤، وأخذت طابعها الرسمى فى شهر يوليو ١٩١٥، وانطلقت بواسطة الأمير عبدالله بن الحسين الابن الثانى للشريف.
الأمير عبدالله بن الحسين
وفى ١٠ يونيو ١٩١٦، أعلن الشريف حسين بن على الثورة العربية على الحكم العثماني، فأعلن الثوار العرب تأييدهم لها باعتبارها الطريق إلى خلاصهم من الحكم التركي، كما أعلن زعماء ومشايخ المنطقة دعمهم للشريف حسين.
كان الشريف حسين مقتنعاً بضرورة انضمام أكبر عدد من الضباط والجنود العرب الذين خدموا بالجيوش العثمانية ووقعوا كأسرى حرب فى أيدى جيوش الحلفاء، وأيدت بريطانيا هذه الفكرة، وذلك لخبرة هؤلاء فى مجال الشؤون العسكرية، كما أن استخدام هؤلاء الجنود والضباط بمختلف جنسياتهم سيعطى انطباعاً وشعوراً عاماً لجميع أبناء الأمة العربية بقومية الثورة.
كان من أوائل الضباط العرب الذين تركوا مراكزهم في الجيش العثماني وسلموا أنفسهم للسلطات البريطانية بغية التعاون لتحقيق الاستقلال العربي هو الضابط محمد شريف الفاروقي، وقد حاز هذا الضابط ثقة الشريف حسين وعُين ممثلاً له فى القاهرة منذ يونيو ١٩١٦، أى مع بداية عمليات الثورة العربية. نجح الفاروقى فى استقدام عدد من الضباط العرب إلى الحجاز، ولما كان عضوًا فى جمعية العهد، فقد قام بالاتصال بعزيز المصرى من أجل الاشتراك فى الثورة العربية الكبرى.
الضابط محمد شريف الفاروقي
جاءت مشاركة عزيز فى الثورة العربية بعد جهود متواصلة قام بها الفاروقى فى مصر مع المسؤولين البريطانيين، اقترح الفاروقى على البريطانيين تزكية المصرى لكى يُعيَّن قائداً لجيش الثورة العربية، أما بالنسبة للشريف حسين فقد كان متردداً فى استقدام المصرى إلى الحجاز لما عُرف عنه عبر حياته الثورية، في المقابل تردد المصرى فى قبول منصب قائد جيوش الثورة العربية، لأنه وكما قال «لم يكن متأكداً من هدف الشريف حسين.. هل هو الدفاع عن الحجاز ضد القوات الأجنبية، أم الثورة ضد السلطان العثمانى وتحقيق الاستقلال؟».
المصري ولورانس على متن «لاما»
في النهاية حسم الأمر، وتولى عزيز المصري قيادة الجيوش العربية، وأقلّت الباخرة الحربية «لاما» «عزيز» من عرض البحر قبالة السويس قاصداً الحجاز، والتقى على متنها بالضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس الشهير بـ«لورانس العرب»، اقترب الرجلان فى هذه المرحلة وعملا معاً لإنجاح الثورة العربية، لكنهما اختلفا فيما بعد.
الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس الشهير بـ«لورانس العرب»
ويروي عزيز للكاتب الصحفي محمد عبد الحميد ما دار في تلك المرحلة ويقول: في المرحلة الأولى من الثورة العربية درات معارك كثيرة، وهزت الحاميات التركية في الطائف وأجياد ومكة، وساعد الأسطول الإنجليزي في قصف مدينة جدة، وسقطت منطقة رابغ وينبع، ولم تسقط المدينة المنورة لأنه كانت بها حامية تركية قوية بخلاف القوة العسكرية التركية والتي كان قوامها حوالي ثلاثة آلاف جندي بقيادة خيري بك، وطلب الشريف حسين من الإنجليز امدادات وأسلحة لاسقاط المدينة واحتلالها وطرد الأتراك، وقد أراد السير ريجنالد ونجت قائد القيادة العامة للعمليات العسكرية في الحجاز ألا يتورط بقوات أجنبية وعقد العزم على أن تكون الامدادات ببعض القوات المصرية والهندية وبعض الضباط من السودان، علاوة على البعثة الفرنسية بقيادة الكولونيل بريمون التي كانت تضم ضباطا وجنودا من المسلمين الجزائريين يؤيد ذلك كله الأسطول الإنجليزي وعدد من الطائرات البريطانية.
ريجنالد ونجت قائد القيادة العامة للعمليات العسكرية
جاء الضابط الإنجليزي لورانس وهدم هذه الخطة بعد أن أقنع السير ونجت أن الكولونيل الفرنسي بريمون لا يجب أن يشترك في أي معركة لأن له أهدافا خاصة، منها وعلى قمتها عدم تشجيع العرب في الاستيلاء على المدينة المنورة، لأن ذلك الإجراء العسكري من جانب العرب سوف يقوي الوحدة العربية، ويدعم مركز الثورة بما يضر بمصالح الحلفاء، وكان يهدف إلى جعل الثورة العربية تستغرق كل وقتها وجهدها في الحجاز فلا تمد بصرها إلى خارجه، وبذلك تصير المناطق التي كانت فرنسا تريدها بعد الحرب وهي سوريا ولبنان في مأمن من تفكير العرب باحتلالها. وبالفعل انتصر رأي لورانس من أن القوات العربية قادرة على مواصلة القتال إذا زودت بالعتاد والرأي والمشورة، و تم تعيينه مستشار حربيا للأمير فيصل.
وفي 30 أكتوبر 1916 اجتمع شيوخ القبائل ووجوه علماء الحجاز وبايعوا الشريف حسين بن علي ملكا على العرب، وتشكلت أول وزارة عربية برئاسة الأمير علي، عين فيها عزيز المصري رئيسا لأركان الجند ونائبا لرئاسة الجند لأن الأمير فيصل هو القائد العام للجيوش العربي.، ألا أن بريطانيا وفرنسا رفضتا الاعتراف رسميا بالشريف حسين ملكا على العرب.
ويرى المصري أن الثورة العربية قدمت أكبر خدمة في تاريخ الحرب العالمية الأولى إلى الحلفاء، «توقيت إعلان الثورة العربية وطرد الحاميات التركية وحصار المدينة المنورة التي كانت فيها أكبر حامية تركية أحبطت دور الحملة التركية الألمانية التي كانت متجهة إلى اليمن بقيادة خيري بك والتي كان في استطاعتها تعريض الحلفاء إلى الخطر، فوصولها إلى البحر الأحمر كان سيضطر الإنجليز إلى نقل جزء كبير من عملياتهم العسكرية إلى المحيط الهندي، وهو ما قد كان ليغير نتائج الحرب.
ويؤكد المصري أن الثورة العربية قدمت للحلفاء خدمة لا تقدر بمال، ومع ذلك رفض الإنجليز إعطاء أي وعود للعرب بالاستقلال ورفضوا استخدام الطائرات في ضرب الحاميات التركية خارج منطقة الحجاز، وكانت إنجلترا تهدف بذلك إلى إضعاف العرب، بهدف اقتسام المشرق العربي كله وتوزيع أسلابه مع حلفائها، «الأمر الذي يجعلني أقول أن الأماني العربية نكثها الإنجليز باتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين».
وعن لقائه بالثعلب الإنجليزي لورانس يقول المصري أنه التقاه قبل سفره إلى الحجاز عقب تكليفه برئاسة أركان الجيش العربي مباشرة.
وسرد الكاتب الصحفي محمد عبد الحميد ما دار في تلك المقابلة في كتابه السابق الإشارة إليه ويقول أن لورانس كان يرى أن المصري قائد عسكري شجاع ومحنك وقادر على العطاء ويقوم بتطبيق العلوم العسكرية في عمله، «أقول لك أنك كنت رائعا في حربك ضد البلغار، وذا رأي صائب في تعاملك مع أزمة اليمن، وقائدا بارعا احتارت فيه القوات الإيطالية في ليبيا، والأمل عليك في أن تصنع الجيش العربي»، قال لورانس محدثا المصري.
لورانس العرب بالزي العربي
رد المصري على محدثه قائلا: «للأسف أنا لا أعلم عنك الكثير ولكن بما أن الأمير فيصل قد اختارك مستشارا له فذلك أمر يجب أن نتدبره معا على ظهر هذا المركب قبل أن ننزل إلى السعودية على أرض مدينة جدة، أنني بطبعي لا أعرف أنصاف الحلول، ولا أقبل سلطة ترشدني إلى عملي وأداء واجبي».
الأمير فيصل
ويستكمل المصري روايته عن لورانس قائلا: عرفته طوال مشواري في بلاد الحجاز.. كيف اختلفت معه.. وكيف دس لي عند الشريف حسين وابنه الملك فيصل، لدرجة أنه لوح لي في إحدى المرات عندما اختلفت معه أن التفاهم بيننا أصبح مستحيلا.. لا أنكر أنني عرفت عنه بعد ذلك الكثير، كيف خدع الملك حسين والأمير فيصل بعد أن تخلى عنهما وكان نصيب فرنسا سوريا ولبنان بعد انتهاء الحرب.
ويشير المصري أن الدور الأساسي لـ«لورانس» في ثورة العرب لم يكن دور القائد العسكري بقدر ما كان في الأصل دور العميل السياسي الذي أُلحق بالعمل مع الأمير فيصل للتأثير عليه وضمان نجاح خطته الإنجليزية.
«أن لورانس لم يكن يهمه أبدا أمر العرب في شيء والمودة التي قيل أنه كان يكنها للعرب غير صحيحة، أنه لم يكرس نفسه لإنشاء إمارة عربية موحدة الكلمة، لأنه كان يؤمن تماما أن مصلحة بريطانيا تقتضي إبقاء الشرق الأوسط منقسما على ذاته.. هو لم يكن يعمل على تحرير العرب، بل كان يهدف إلى ضم جميع بلاد العرب إلى بلده، وقد اعترف في أواخر حياته وقبل وفاته في عام 1935 بالكارثة التي ألحقها بالأماني العربية»، يستكمل المصري رأيه في لورانس.
ويضيف: «أن لورانس لم يعط العرب أي شيء، لكنه عمل على تفكيك الرابطة الإسلامية، وشجع على انقسام البلاد العربية وتقسيمها إلى دويلات يحنق بعضها على بعض ولا يثق طرف في الأخر».
سراب الثورة يتبدد
بعد مرور 3 شهور اتخذ المصري قراره بالاستقالة من منصب قائد الجيش العربي، وكان قرارا بلا رجعة وبلا أي مساحة في رأسه تسمح بالتراجع مهما كانت الأسباب، فالرجل كان يرى أن الإنجليز يريدون القضاء على العرب والترك في وقت واحد وذلك بأن يتركوهما مهملين حتى يفنوا بعضهم بعضا.
وقف المصري على ظهر السفينة التي ستقله إلى مصر وهو ينظر إلى رجاله والدموع تملأ عينيه، لكن لم تنسكب قطرة واحدة على خده، «ابتعدت السفينة بالتدريج وهي تعلن صفارتها الرحيل.. وعلى امتداد الأفق حيث البحر المتسع الذي يحيط بنا سرحت أفكاري في زبانية جهنم الذي بالقطع سأجدهم في انتظاري.. كنت أعلم أن الإنجليز يدخرون لي الكثير.. بل المزيد من المفاجآت بعد أن اكتشفت خططهم وأساليبهم لضرب الثورة وضرب الجيش العربي الذي ولد في السراب وعاش في السراب وانتهى في السراب».
الحلقة القادمة: المصري يرافق شوقي في رحلة النفي إلى إسبانيا
المراجع:
كتاب “عزيز المصري.. أبو الثوار”- محمد السيد صالح – دار بتانة للنشر- 2018
كتاب “أبو الثائرين.. الفريق عزيز المصري” – محمد عبد الحميد – دار أخبار اليوم- 1990
والآن… هل تغير العرب بعد أن إكتشفوا حقيقة السيد الجديد الذى سعوا إليه ليسلموه صك عبوديتهم؟… لا أعتقد ذلك فرغم أن نفس السيناريو يتكرر على مدى أكثر من مائة عام مازالوا يخوضون فى الوحل ويتسابقون نحو الغرب لتقديم التنازلات فى مزادات الخزى والعار… والعجيب انها هى نفس الأسر وكأنه وريث يسلم وريثاً… إنه نقص فى الولاء ونقص فى العقول.