رؤى

الاتحاد الأوروبي.. والتنافس الدولي في البحر الأحمر

أطلق الاتحاد الأوروبي رسميًا، العملية البحرية التي تأتي تحت مُسمى “أسبيدس”، أي “الحامي” باللغة اليونانية، حيث ستكون “أثينا” مقرًا لها، في حين تقودها إيطاليا، فيما تُشارك فيها كل من فرنسا وألمانيا واليونان. وتأتي هذه العملية أو المهمة الأوروبية في محاولة لحماية الشحن البحري من هجمات جماعة الحوثيين، في البحر الأحمر، وافق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي على نشر مهمة بحرية خاصة بالاتحاد.

وعبر منصة التواصل الاجتماعي “X”، كتبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، الاثنين 19 فبراير، أن “أوروبا ستضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر”؛ مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي “نحو وجود أوروبي أقوى في البحر الأحمر، لحماية مصالحنا الأوروبية”.

يأتي هذا التنافس، ضمن العوامل الدافعة في إطلاق الاتحاد الأوروبي، المهمة البحرية العسكرية “أسبيدس” في البحر الأحمر.. وذلك من جانبين:

من جانب المُعارضة الأوروبية لعملية “حارس الازدهار” التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية؛ فمع تعرض حركة الملاحة في البحر الأحمر، لأعمال تهديد السفن التجارية، التي ازدادت وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة؛ بادرت الولايات المتحدة بإطلاق عملية “حارس الازدهار” في ديسمبر الماضي، في محاولة لحماية حركة الملاحة في هذا الممر المائي الحيوي. لكن رغم ذلك، اعترضت كثير من الدول على المُشاركة في هذه العملية؛ خاصة الدول الأوروبية، التي رفضت المُشاركة إلا إذا كانت العملية برمتها في إطار الاتحاد الأوروبي أو “حلف الناتو”.

وقد أدت هذه المُعارضة، من جانب عديد من الدول، إلى إضعاف القوة البحرية متعددة الجنسيات، التي تقودها الولايات المتحدة. فبعد أقل من أسبوع واحد، على إطلاق هذه العملية، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، الانسحاب من القوة المشاركة في هذه العملية، إلا إذا كانت هذه القوة تابعة للاتحاد الأوروبي، أو حلف الناتو. هذا، بعد أن كان المفروض تشكيل قوة بحرية مكونة من 10 دول. وفي الوقت نفسه، أعلنت عدة دول عربية عدم الانضمام إلى هذه العملية.

من جانب آخر، المحاولة الأوروبية في الحد من التوغل الصيني والهندي؛ حيث يأتي هذا العامل، كأحد العوامل المُضافة إلى إطلاق الاتحاد الأوروبي مهمة أسبيدس، في البحر الأحمر. ويتبدى ذلك بوضوح عبر مُلاحظة الدخول الهندي كمثال، على خط التواجد العسكري في البحر الأحمر، حتى قبل إعلان الاتحاد الأوروبي عن أسبيدس.

إذ ردا على هجوم حدث قبالة سواحل الهند، على ناقلة كيميائية مُرتبطة بإسرائيل؛ أعلنت القوات البحرية الهندية، في أواخر عام 2023، أنها سوف تُرسل “ثلاث” مدمرات، تتميز بالمقدرة على التخفي، إلى بحر العرب والبحر الأحمر، لحماية مصالح الهند التجارية. هذا التحول في السياسة الخارجية الهندية، يُشير إلى أن نيودلهي تسعى إلى تأمين المصالح التجارية، وتأمين إمدادات الطاقة؛ حيث إن الهند حاليًا هي “ثالث” مستهلك للنفط على مستوى العالم؛ وتبعًا لإحصائيات عام 2022، فقد استهلكت الهند 205 ملايين طن من النفط في ذلك العام.

أما الصين كمثال آخر، وإن كانت لم تتخذ النهج الهندي في التواجد العسكري، من منظور أن لها قاعدة عسكرية في جيبوتي؛ إلا أنها تُدرك أيضا أن هجمات الحوثيين على السفن، تتعلق بالسفن المرتبطة بالدول التي تقدم المساعدة والدعم لإسرائيل، في حربها على غزة؛ ولأن الصين ليست من بين تلك الدول، فإنها بمنأى عن استهداف الحوثيين لسفنها.

وبالتالي، يأتي التوجه الأوروبي للمشاركة في حماية السفن التجارية، تعبيرًا عن الاقتراب من القوى الدولية التي تتواجد في البحر الأحمر كممر مائي دولي مهم.

إضافة إلى التنافس الدولي، والاهتمام الأوروبي بالدخول على خط هذا التنافس؛ تأتي مجموعة من الدوافع الأوروبية للتواجد في البحر الأحمر.. أهمها ما يلي:

من جهة تأتي ضرورة حماية المصالح الاقتصادية الأوروبية؛ فقد تأثرت الاقتصادات الأوروبية سلبيًا، بالهجمات التي قامت، وتقوم بها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر؛ خاصة أن هذه الهجمات قد أدت إلى ارتفاع تكلفة التأمين لشركات الشحن البحري، ما أجبر العديد منها على تجنب المرور عبر البحر الأحمر.

والمُلاحظ أن القارة الأوروبية قد تأثرت بشكل كبير بالتوتر الناشب في هذا الممر الدولي الاستراتيجي، الذي تمر عبره أكثر من 12 % من التجارة العالمية، و30 % من التجارة البحرية العالمية، بما يُقدَّر بنحو “تريليون” دولار سنويًا؛ هذا فضلا عن التخوف على إمدادات النفط إلى أوروبا، بالنظر إلى اعتمادها على نحو 9 ملايين برميل من النفط يوميا، تأتي من آسيا ومنطقة الخليج، بحسب ما يؤكد مدير المركز العالمي للدراسات التنموية، صادق الركابي، في حوار أجراه معه موقع “هذا هو لبنان” في التاسع عشر من الشهر الجاري.

من جهة أخرى، مقاومة محاولات تهميش الدور الأوروبي؛ وهي ما تبدو من خلال مُلاحظة أن المهمة الأوروبية الحالية، في مياه البحر الأحمر، لا تسعى إلى مُعالجة أزمة التوتر الناشب في مداخل البحر الجنوبية، عند باب المندب فقط؛ ولكن، إضافة إلى ذلك، تهدف إلى تعزيز الاستراتيجية البحرية طويلة المدى للاتحاد الأوروبي أيضًا، والتي من أولوياتها منطقة شمال غرب المحيط الهندي، من حيث كونه أحد الممرات الرئيسة في طرق التجارة الدولية، المتجهة من آسيا إلى القارة الأوروبية.

واللافت، أن حرية الملاحة تفرض نفسها على الاتحاد الأوروبي، وتوجهاته؛ إذ إن الاتحاد الأوروبي كان قد صنَّف هذه المنطقة، منطقة شمال غرب المحيط الهندي، منذ عام 2022، عبر ما أطلق عليه “الوجود البحري المُنسق” أوروبيًا، بأنها منطقة بحرية ذات أهمية استراتيجية، تمتد على مساحة كبيرة من مضيق هرمز إلى مدار الجدي، ومن البحر الأحمر نحو وسط المحيط الهندي. ولعل ذلك، ما يتكامل مع إطلاق الاتحاد المهمة البحرية أسبيدس، لحماية السفن التجارية المارة عبر البحر الأحمر.

من جهة أخيرة، الاهتمام بتشكيل مفهوم “الحماية الأوروبية”؛ حيث يبدو أن الاتحاد الأوروبي مُهتم كثيرًا بتشكيل مفهوم الحماية الأوروبية، بعيدًا عن حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وكذلك بعيدًا عن التحالف الأمريكي البريطاني الذي تشكل مؤخرًا؛ وهو ما يتضح عبر تحديد أهداف عملية أسبيدس بأنها “دفاعية بحتة”، بحسب ما أشار جوزيب بوريل، مسئول السياسة الخارجية، قبل اجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، في بروكسيل، في 31 يناير الماضي.

في هذا السياق يُمكن القول بأن المهمة البحرية الأوروبية الجديدة، في البحر الأحمر، إنما تأتي كتعبير عن “رؤية استراتيجية” للتواجد العسكري الأوروبي في مياه البحر الأحمر؛ بل، وإشارة إلى مدى الاستعداد الأوروبي لاتخاذ إجراءات ضد حالة عدم الاستقرار، والتوتر الناشب حاليًا، عند مداخل البحر الأحمر الجنوبية. هذا، رغم الاختلاف الأوروبي عن كيفية التعامل الأمريكي البريطاني مع هذا التوتر.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock