منوعات

فرص مصر في عبور أزمة كورونا جيدة إذا ركزت علي زيادة صادراتها الكهربائية والدوائية

جاء تفشي فيروس كورونا في وقت يعاني فيه الإقتصاد العالمي من حالة تراجع  عامة نجمت عن تلك الحرب التجارية الشرسة التي اندلعت ما بين أمريكا والصين منذ عام 2018، إضافة لانخفاض سعر البترول، ما جعل منظمة التجارة العالمية – وبالتزامن مع أزمة كورونا – تعلن عن أن حركة التجارة العالمية سوف تشهد انخفاضا شديدا خلال عام 2020 يفوق ذلك الانخفاض الذي شهدته خلال أزمة 2008. ترى – وفي ظل هذه الأزمة العالمية- ما هي طبيعة التحديات التي ستواجه الاقتصاد المصري وما هي الفرص المتاحة أمامه خلال الفترة القادمة وكيف سيتعامل معها؟

في محاولة للإجابة على التساؤل الخاص بطبيعة التحديات والفرص المتاحة أمام الإقتصاد المصري في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية الناجمة عن تفشي كورونا، نظم برنامج «حلول للسياسات البديلة» بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حوار أونلاين مع الدكتور «شهير زكي» أستاذ مساعد الإقتصاد بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية ورئيس الشعبة الفرنسية بالكلية، بجامعة القاهرة، وأدار الحوار الدكتور «سامر عطا الله» أستاذ الإقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

د. «شهير زكي»

اقتصاد التشوهات

استهل دكتور «شهير زكي» كلمته بالإشارة إلى ان أزمة فيروس كورونا قد جاءت في ظل صراع تجاري حاد بين أمريكا والصين، حيث بادرت أمريكا منذ 2018 بزيادة معدلات الجمارك المفروضة على وارداتها من الصين، الأمر الذي دعا الصين هى الأخرى لزيادة معدلات جماركها المفروضة على وارداتها من أمريكا وهو ما أثر بدوره على سوق التجارة العالمية المرتبط بكلا البلدين، وقد زاد من حدة تلك الأزمة إعلان أمريكا عن أنها سوف تعيد النظر في مجمل ما قد أبرمته من إتفاقات تجارية خلال الفترات السابقة.

كان الجو الإقتصادي العالمي العام إذن مشحونا بمزيد من الإجراءات الخاصة بالحماية التجارية، وهو ما أسفر عنه الحد من عمليات التصدير والإستيراد العالمي بشكل عام، الأمر الذي نجم عنه ما قد وصفه دكتور «شهير» بكونه حالة من «التشوه الذي يسود الاقتصاد الدولي خلال فترات الأزمات الإقتصادية».

قارن دكتور «شهير» ما بين تداعيات أزمة 2008 وأزمة فيروس كورونا على الإقتصاد العالمي ومن ثم الإقتصاد المصري مشيرا إلى أن أثر كورونا سوف يكون أكثر حدة من أزمة 2008، ذلك أن أزمة 2008 كانت بالأساس أزمة مالية يمكن مواجهتها من خلال حزمة من السياسات المالية التي من شأنها إصلاح القطاع المالي، أما الأزمة الراهنة فهى أزمة تتعلق بالصحة وبالتالي فهى أزمة تتعلق بما يعرف بالإقتصاد الحقيقي الذي يرتبط بمنظومة الإنتاج والتشغيل والإستثمار ومن ثم التصدير.

في هذا السياق نوه الدكتور «شهير» إلى أن بعض البلدان قد بدأت بالفعل في إتخاذ بعض التدابير الحمائية المتمثلة في منع تصدير عدد من السلع، الأمر الذي سينجم عنه حالة من إنعدام الثقة بين الشركاء التجاريين حول العالم، وهو ما سيدعو بعض الحكومات إلى إتخاذ تدابير حماية مماثلة.

الأمر الأكثر صعوبة الذي تتسم به الأزمة الراهنة يتمثل في كون تلك الإجراءات الحمائية الزائدة سوف يترتب عليها مشكلات أكثر حدة من تلك الصدمة المتعلقة بتفشي فيروس كورونا ذاتها، ذلك أن اقتصاديات العالم باتت تقوم على الإنتاج التشاركي، بمعنى أن بعض السلع باتت تنتج عبر أكثر من دولة، وبالإعتماد على الإستيراد من أكثر من دولة.

ملامح الإقتصاد المصري

بادر دكتور «شهير» بطرح عدد من التساؤلات الخاصة بالإقتصاد المصري والمتمثلة في: «مصر بتصدر لمين وتستورد من مين؟.. مصر بتصدر إيه وبتستورد إيه؟.. إلى أي مدى ترتبط الدولة بمنظومة سلاسل القيمة المضافة؟»

تعتمد صادرات مصر في جزء كبير منها على البترول والسلع المشتقة منه، وتمثل السلع النهائية التي تنتجها وتصدرها الدولة المصرية نسبة أربعين في المائة من حجم الصادرات المصرية، إلا أن الأزمة تكمن في كون واردات مصر تتمثل في غالبيتها في سلع ومستلزمات إنتاج وسيطة، بمعنى أن الصادرات من سلع منتجة بشكل نهائي تعتمد على واردات الدولة من تلك السلع ومنتجات الإنتاج الوسيطة.

هذه العملية التي ترتبط فيها الواردات والصادرات بالإنتاج تتسم وفقا لدكتور «شهير» بميزة وعيب بذات الوقت، أما الميزة فتتمثل في أنه بات جزء من الإقتصاد المصري يرتبط عالميا بما يعرف «بسلاسل القيمة المضافة العالمية وهو مفهوم قائم على تدويل عملية الإنتاج السلعي والخدمي وفق صيغة تقسيم العمل الدولي بين مجموعة من الدول».

إلا أن العيب يكمن في كون الإقتصاد المصري بهذا المعنى بات أكثر عرضه للتأثر بحدوث أي أزمات اقتصادية عالمية تؤثر على عمليات الإستيراد والتصدير، وما يتبعه من تأثير على عمليات التشغيل وما يرتبط بها من زيادة معدلات البطالة نتيجة تسريح العمالة أوقات الأزمات الإقتصادية.

يعود دكتور «شهير» ليشير إلى أن صادرات مصر تعتمد على البترول والمنتجات المشتقة منه ومنتجات البلاستيك والفاكهة والخضروات والأجهزة الكهربائية التي زادت قدرة مصر التنافسية فيها مؤخرا مع زيادة عدد المصانع المنتجة للتليفزيونات التي يتم تصديرها للدول الأفريقية، ومازالت منتجات الغزل والنسيج على الرغم مما يعانيه هذا القطاع من أزمات من أهم السلع التي تصدرها مصر.

تصدر مصر ثلث صادراتها لدول الإتحاد الأوروبي، وربع صادراتها إلى الدول العربية، أما صادرات مصر لأمريكا فقد انخفضت من ثلاثين بالمائة إلى ما نسبته ثمانية بالمائة. أما الواردات والتي تتسم بكونها سلعا وسيطة ومستلزمات إنتاج فإن ربع واردات مصر تأتي من دول الإتحاد الأوربي، وغالبية واردتها تأتي من الصين.

المشكلة الهيكلية التي يعاني منها الإقتصاد المصري تكمن في صعوبة دمج الشركات المتوسطة والصغيرة بما يعرف بسلاسل القيمة المضافة العالمية ذلك أن تلك الشركات المتوسطة والصغيرة تساهم بما لا يزيد عن 6% من الصادرات المصرية، بسبب عدم انخراطها في منظومة متكاملة للإنتاج، ما ينجم عنه خروجها سريعًا من السوق والحد من إمكانية زيادة الصادرات المصرية بشكل عام.

الفرص المتاحة

على الرغم من التأثير السلبي الذي نجم عن تفشي فيروس كورونا على الإقتصاد العالمي بشكل عام، والإقتصاد المصري بطبيعة الحال، إلا أن تلك الأزمة قد ينجم عنها بعض الفرص التي يمكن للإقتصاد المصري إذا ما أحسن استغلالها من عبور تلك الأزمة، في هذا السياق يوصي دكتور «شهير» بضرورة أن تعمل مصر على زيادة الإنتاج في القطاعات التي تشهد تزايدا في الطلب العالمي، مثل الأجهزة الكهربائية والصناعات الدوائية، والتي تمتلك الدولة  فيها بنية أساسية جيدة.

كما أن هناك فرصة متاحة أمام الاقتصاد المصري تتمثل في رفع الكثير من الدول الجمارك عن المستلزمات الطبية والدوائية، ما قد يتيح لمصر زيادة صادراتها، وهو يعني ضرورة الحرص على أن تصبح المنتجات متوافقة مع معايير الجودة الخاصة بكثير من الأسواق العالمية، ومنها الإتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر شركاء مصر التجاريين، إضافة إلى الكثير من الدول الآسيوية.

من جانب آخر هناك ضرورة للحرص على توفير مناخ أعمال ملائم يقوم على تسهيل إجراءات الاستثمار بما يزيد من جاذبية  الدولة كبيئة استثمارية لرجال الأعمال والمنتجين، و هو الأمر الذي أتاح لبلدان مجاورة بالمنطقة العربية مثل الأردن والمغرب وتونس  أن تسبق مصر في الإنخراط بنسب أعلى في مجال سلاسل القيمة المضافة العالمية.

اختتم: دكتور «شهير» حديثه بتقديم توصية تتعلق بضرورة دعم الصناعات والأنشطة الاقتصادية المتوسطة والصغيرة، المُنتِجة للسلع القابلة للتصدير، مثل الغزل والنسيج والمنتجات الغذائية، لزيادة الصادرات بشكل عام، مشيرا إلى أن تحفيز إنتاج تلك الشركات المتوسطة والصغيرة يُعد أحد سبل توفير الحماية الاجتماعية، للعاملين إلى جانب تعزيز الصناعات التي تعتمد على تشغيل الإناث، مثل صناعة الغزل والنسيج، ومن ثم دعم تشغيلهن وتحسين أوضاعهن بسوق العمل عن طريق توفير سبل الحماية الاجتماعية من تأمين إجتماعي وصحي.. وغيره من وسائل الحماية الأخرى.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker