«أنا مؤمنة قبل أن أكون نسوية. باسم الإسلام والقيم التي يدافع عنها أُنَاضل من أجل حقوق النساء في أن يُعترف بهن من حيث هن كائنات إنسانية».. هكذا عَرَفت «آمنة ودود» نفسها، تلك المرأة الأمريكية من أصل أفريقي التي نالت شهرتها من كونها إبنة قسّ أسلمت وهى طالبة بالجامعة، لتخوض رحلة من البحث مكنتها من أن تصبح واحدة من رائدات النسوية الإسلامية في العالم.
تقدم الدكتورة ريتا فرج، الباحثة المتخصصة في مجال الدراسات الإسلامية في كتابها: «إمرأة الفقهاء وامرأة الحداثة .. خطاب اللامساواة في المدونة الفقهية» آمنة ودود بوصفها نموذجا لواحدة من رائدات الحركة النسوية الإسلامية، إضافة إلى محاولة تقديم قراءة تحليلية لكتاب ودود الشهير: «القرآن والمرأة، إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي»، والمنهجية التي اتبعتها ودود في دراسة وتحليل آيات القرآن الكريم.
ريتا فرج وكتابها: «إمرأة الفقهاء وامرأة الحداثة .. خطاب اللامساواة في المدونة الفقهية»
أبنة القسّ
ولدت آمنة ودود في 25 سبتمبر عام 1952 بولاية ميريلاند الأمريكية من أب كان قساً في الكنيسة «الميثودية» وهى عبارة عن حركة دينية كانت تحاول إحياء الكنيسة، وأم تنتمي لأسلاف مسلمين من أفريقيا. التحقت ودود بجامعة بنسلفانيا عام 1970 وصرحت بإسلامها عام 1972 مشيرة إلى أن «الإسلام منحها مخرجاً من القمع المزدوج كونها امرأة وأفريقية».
حضرت آمنة ودود إلى مصر ودرست اللغة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، كما درست علوم القرآن والتفسير والفلسفة بجامعتي القاهرة والأزهر، وحصلت على درجة الدكتوراة في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة ميشيغن عام 1988.
اشتهرت ودود بعد نشر كتابيها: «القرآن والمرأة، إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي» و« داخل جهاد النوع .. الإصلاح النسائي في الإسلام»، التي تؤكد فيهما على أن القرآن الكريم على وجه الخصوص لا يقيم أي تمييز أو اختلاف وجودي بين الرجل والمرأة، فهو قد يُحيل إلى وظائف مختلفة لكلا منهما، لكنه لا يقيم أبداً أي تراتبية بين الجنسين.
آمنة داوود وكتبها «القرآن والمرأة، إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي»، «داخل جهاد الجندر .. الإصلاح النسائي في الإسلام»
القرآن والعدالة الاجتماعية للنساء
يبدو مصطلح «النسوية الإسلامية» لدى البعض وكآنه غير متجانس، ذلك أنه يتضمن دالين أحدهما يحيل إلى «الإسلام» كعقيدة دينية، والآخر «النسوية» كحركة حقوقية عالمية ترفض إقحام الدين في مجال الحركة النضالية. تتناول الدكتورة ريتا فرج في دراستها مشروع النسوية الإسلامية مستشهده بما ذهب إليه فهمي جدعان، خاصة في كتابه «خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية»، من أنه مشروع ينهض على الرجوع للقرآن الكريم وإعادة قراءته لتبيان أنه لا يضطهد النساء، وإنما القراءات والتفسيرات المنحازة من قبل البعض هى التي تضطهدهن، وأن الإطار النظري لمشروع النسوية الإسلامية إنما يقوم على رفض الأساس النظري الذي عولجت في إطاره قضية تحرير المرأة، والإيمان بأن التقاليد الأبوية الجاهلية – التي استمرت بعد ظهور الإسلام – هى المتسببة في تدهور وضع النساء وليس الإسلام في حد ذاته، مع التأكيد على ضرورة المطالبة بالحقوق المهدورة للنساء والتمسك بفكرة المساواة الإنسانية.
فهمي جدعان، وكتابه «خارج السرب»
تعود ريتا فرج لعالم آمنة ودود فتشير إلى أنها درست القرآن الكريم وركزت في دراستها على العلاقة بين الرجال والنساء كما وردت بآياته، وانتهت إلى أن آيات القرآن الكريم تؤكد على العدالة الاجتماعية للنساء، وعلى أن القرآن يسعى إلى وضع أساس عام للهدي الأخلاقي.
آثارت آمنة ودود الكثير من الجدل داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها حين أمّت صلاة الجمعة بأحد المساجد الأمريكية في 18 مارس من عام 2005، إلى جانب كونها كانت أول امرأة تُلقي خطبة بالمسجد في مدينة «كيب تاون» بجنوب أفريقيا وكان ذلك في إبريل من عام 1994.
اعتمدت ودود في تحليلها لقضايا المرأة كما وردت بالقرآن الكريم على تحليل كافة الآيات التي تضمنت إشارة للمرأة عبر المنهج التقليدي لتفسير القرآن بالقرآن، كما وسعت من تلك القاعدة المتعارف عليها عبر تحليل الآية في سياقها وفي ضوء تراكيب الجمل واللغة المشابهة المستخدمة في أماكن أخرى من القرآن الكريم، وفي ضوء نظرة القرآن العالمية الشاملة.
استندت ودود في دراستها على النص القرآني وحده دون الرجوع للأحاديث النبوية، ذلك أنها رأت أن الاستناد إلى القرآن وحده قادر على التعامل مع قضايا المساواة بين الجنسين، وذلك عبر فهم النص فهما حقيقيا بما يتضمنه من رؤية ترى في النساء القدرة على المساهمة في كل أمور المجتمع الإنساني.
في سياق دراسة آمنة ودود لقضية المساواة بين الجنسين طرحت عدة تساؤلات كان منها: «إلى أي مدى يحدد القرآن الوظائف الخاصة بكل جنس؟ وهل توجد إستثناءات معينة للذكور والإناث؟ وهل يرفع القرآن من قيمة وظائف معينة على حساب وظائف أخرى»، لتنتهي إلى أن القرآن الكريم يقوم على قاعدة أن كافة الأعمال القائمة على التقوى هى الأعلى قيمة، وأنه يجوز أن تختلف الأعمال، غير أن الجزاء يُمنح على أساس عمل الفرد، وبالتالي فلا قيمة لكيفية تقسيم الأعمال بين الذكور والإناث في أي بيئة إجتماعية.
أكدت آمنة ودود على أحقية المرأة المسلمة في الاجتهاد، إلى جانب التأسيس للنسوية الإسلامية التي تقوم على الإصلاح من الداخل على قاعدة تأويل القرآن بالقرآن مع الإعتماد الكثيف على مناهج العلوم الإجتماعية الحديثة.
تُلفت ريتا فرج النظر إلى دراسة الباحثة التونسية آمال قرامي التي جاءت تحت عنوان: «الحركة النسوية في أمريكا» والتي أشارت فيها إلى أن آمنة ودود تعد من أكثر النسويات اهتماما بقضية العدالة الاجتماعية في الإسلام، وقد ربطت ذلك بنشأة ودود التي جاءت مقترنة بما أثير حول قضايا السود بأمريكا في علاقتهم بالثقافة المهيمنة التي عادة ما كانت تطرح مختلف المشكلات الاجتماعية والسياسية من منظور ثقافة البيض السائدة، لذا الحت عبر دراساتها على التأكيد على «عالمية الإسلام» لكونه يحمل رسالة إلى جميع البشر على اختلاف أجناسهم وبيئاتهم الإجتماعية.
تواصل آمنة ودود التي حازت على جائزة الديمقراطية من الدنمارك عام 2007 وكانت موضوعا لفيلم وثائقي للمخرج الإيراني الهولندي إيلي سفاري بعنوان: «النضال النبيل لآمنة ودود» رحلتها النضالية كرائدة للنسوية الإسلامية طالبت بوضوح بحق النساء في الإجتهاد، مستندة إلى آيات القرآن الكريم التي انصفت النساء.