بعد مسيرة طويلة وحافلة بالعطاء الفني والإبداعي رحل عن عالمنا في السادس من يوليو الجاري الموسيقار الإيطالي إنيو موريكوني، أحد أهم الموسيقيين الذين ارتبط اسمهم بفن السينما والذي يعده بعض المؤرخين والنقاد أعظم من وضع الموسيقى التصويرية.
فعلى مدار نحو ستين عاماً، جسد موريكوني تلك الصلة بين الفنين: الموسيقى والسينما وتمكن من تحويل المشاعر المختلفة التي تضمنتها الأفلام إلى نغمات مميزه أصبحت بمثابة أيقونات يحفظها محبو السينما حول العالم ويستطيعون التعرف عليها بمجرد سماعها.
ولد موريكوني عام ١٩٢٨ في العاصمة الايطالية روما وشهد صعود الفاشية في بلاده والتي عانى منها بني وطنه أشد المعاناة خاصة مع تحول البلاد مسرحا للمعارك بين قوات المحور وقوات الحلفا ولم يتنفس الايطاليون الصعداء إلا بعد تحرير بلادهم على يد قوات الحلفاء عام ١٩٤٥.
وفي سنوات ما بعد الحرب، كان موريكوني واحداً من أبناء جيل من المبدعين الإيطاليين الباحثين عن صيغ فنية جديدة للتعبير عن أحلامهم وآمالهم في غد أفضل بعد ما عانته بلادهم.
إنيو موريكوني
كانت موهبة موريكوني التي تجلت منذ سن الخامسة والتي انتبه لها والده الذي كان موسيقيا فنماها داخله بالتعليم والتدريب قد بدأت تثمر في النصف الثاني من الأربعينات حين كتب مقطوعته الأولى «الصباح» وفي الخمسينات بدأ موريكوني في تأليف مقطوعات موسيقية للإذاعه لتصاحب برامجها المسائية.
وبداية من عام ١٩٦٤ صار موريكوني واحداً من مجموعة من الموسيقيين الذين أسسوا ما عرف بمجموعة «التناغم الجديد» والتي كانت تسعى لخلق نمط جديد من الموسيقى من خلال الارتجال٬ وفي العام ذاته التقى موريكوني مع مواطنه المخرج سيرجيو ليوني الذي أسند إليه مهمة تأليف الموسيقى التصويرية لفيلمه الجديد «حفنة من دولارات».
المخرج سيرجيو ليوني
كان الفيلم فاتحه ما عرف لاحقا باسم أفلام «سباغيتي ويسترن» أو أفلام الغرب الأمريكي ورعاة البقر التي تصدى لإخراجه مخرجون إيطاليون وكان تصويرها يتم في أوروبا بدلاً من هوليوود وأطلقت نجومية عدد من الممثلين الأمريكيين كان أبرزهم الممثل والمخرج كلينت ايستوود.
الممثل والمخرج كلينت ايستوود
تفتق ذهن موريكوني عن موسيقى تتناسب مع هذا العمل السينمائي خاصة مع الميزانيه المحدوده التي لم تمكنه من استخدام أوركسترا كاملة فلجأ إلى استخدام مؤثرات صوتيه كطلقات الرصاص والصفارات وصهيل الخيول وغير ذلك فاتحا بذلك آفاق واسعه وجديده أمام التأليف الموسيقي للافلام.
وبعد نجاح الفيلم في كل من أوروبا والولايات المتحدة أصبح موريكوني المؤلف الموسيقي الأثير لدي ليوني واستعان به في كافة أعماله التالية مثل «من اجل مزيد من الدولارات» ثم فيلمه الاشهر على الاطلاق «الطيب والشرس والقبيح» الذي وصفه المخرج الأمريكي كوينتن تارانتينو بأنه الفيلم الأفضل في تاريخ السينما.
وفي هذا الفيلم صاغ موريكوني واحدة من أشهر المقطوعات الموسيقية في تاريخ السينما العالمية ومن المدهش أنه اعتمد في تأليفها على حد محدود من الآلات.
وكما تعاون موريكوني مع سيرجيو ليوني تعاون أيضاً مع سميه ومواطنه سيرجيو كاربوشي الذي كان – مثل ليوني- من أبرز مخرجي نوعية الـ«سباغيتي ويسترن» والتي صاغ لها موريكوني الموسيقى أيضاً مثل «الصمت الكبير» و«المرتزق» وغيرها.
وبعيداً عن افلام رعاه البقر٫ ارتبط اسم موريكوني بأفلام تعد من كلاسيكيات السينما العالمية مثل فيلم «معركة الجزائر» للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكيرفو الذي تناول جانباً من تاريخ الثورة الجزائرية وتألق موريكوني في وضع موسيقى تناغمت تماماً مع مشاهد المعارك والمطاردات والتظاهرات.
ومن إسهامات موريكوني الهامة في السينما الإيطاليه أيضا فيلم «سينما باراديسو» الذي أخرجه جوسيبي تورناتوري والذي يتناول فكرة عشق السينما من خلال طفل مولع بها ومن الطريف حقاً أن موريكوني بدأ من خلال موسيقاه الشديدة الرهافة وكأنه هو الآخر يعبر عن عشقه الخاص للفن السابع.
أما في هوليوود فقد صاغ موريكوني الموسيقى التصويرية لأفلام مثل «البعثة» عام 1986 كما تعاون مع المخرج برايان دي بالما في أكثر من عمل مثل «ذا انتوتشابلز» عام ١٩٨٧ و«خسائر الحرب» عام ١٩٨٩ وفيلم الخيال العلمي «مهمة نحو المريخ» عام ٢٠٠٠.
ومن الطريف حقاً أنه بعد تجاوزه سن الثمانين تلقى موريكوني دعوة للتعاون من مخرج أمريكي كان مفتوناً بأعماله هو كوينتن تارانتينو والذي استعمل موسيقاه في أكثر من فيلم من أفلامه، وتحقق حلم تارانتينو بالتعاون مع مؤلفه الموسيقي الأثير عام ٢٠١٢ حين صاغ أغنيه استخدمها تارانتيو في فيلمه «غانجو الحر» ثم تعاون الاثنان عام 2015 من خلال فيلم «الثمانية المكروهين» وبفضل هذا الفيلم نال موريكوني جائزة الأوسكار وهي الجائزة التي رشح لها أكثر من مره ولم ينلها.
ورغم رحيله، يبقى موريكوني تعبيراً فريداً عن علاقة عشق وتوأمة بين الموسيقى والسينما وتبقى أعماله مصدر إلهام للسينمائيين والموسيقيين على حد سواء.