منذ ظهر كورونا حتى الساعة، لم يلتقط العالم أنفاسه ولو للحظة، لم يحصل على راحة طويلة يستحقها، ولا حتى ذاق طعمها لساعات معدودة، صار العالم جثة كبيرة تتشكل من جثث كثيرة متناثرة في البلدان، في المستشفيات والبيوت وفي الشوارع أحيانا، هكذا بجملة من مشاهد فظيعة تنقلها وسائل الإعلام المرئية باستمرار.
تجاوز الأمر لدى الناس زمن حدوث كورونا (متى حدث بدقة؟) ومكان منشئه الأصلي (أفي الصين كما شاع أم الولايات المتحدة الأمريكية كما يُظَنُّ؟)، تجاوز الناس ذلك تماما، الناس العاديون الذين يشكلون أغلبية العالم، تركوا الصراعات الخائبة للساسة وأهل الكلام، وفكروا في شيء واحد فقط، له أهميته القصوى عندهم، أن يجدوا إجابة على سؤال حزين: كيف نستعيد الحياة بعد أن فقدناها تقريبا؟ هذا الشيء هو نفسه أنهم أصبحوا وباتوا يسألون أنفسهم بتكرار مملٍّ مؤلم: كيف نداوي جراحنا العميقة مما جرى ويجري يوميا لنا بطول العالم وعرضه؟ كمن يقولون بثقة، طعنها ما طعنها وأراق دمها ما أراقه: نحن العالم الجريح في داخله البعيد!
حقيقة كورونا
كورونا، بصرف النظر عن ماهيته، يبدو فيلم رعب جديد بشع المناظر، لم يعد أحد يهتمُّ إن كان حقيقة لا جدال فيها أم وهما جعله أشرار نافذون حقيقة أو كحقيقة، لكنه يبدو كما لو كان قد جاء ليبقى ويخطف الأمان خطفا كروح شريرة تحمل في حناياها عدما هائلا، ترك الخلق مبنى الكائن الذي أزعجهم وأرعبهم، وركزوا في معناه المزعج المهلك، وفي هذا نفسه ما يضاعف الانزعاج الكبير، كأن الفيلم، أعني ما نشبهه بالفيلم المرعب، بطله كيان خفي لكنه موجود بقوة، وما يتولد عن وجوده من الآثار العديدة فادحة الضرر، هو الموضوع ولا موضوع سواه، وهو التشبيه القريب حقا مما يعانيه الخلق منذ شهور.
الجدل المثار حول موضوع الفيروس
بطبيعة الحال، لا ينقطع الجدل حول موضوع الفيروس المستجد، الجدل الطبي والعلمي والديني بالذات، والملاحظ أن الانقسام في الآراء بخصوصه هو الغالب، وأن العجز عن اكتناه حقيقته أبرز من القدرة على سبر غوره، الطب عاجز حتى أن الأطباء أنفسهم من أكثر ضحايا الوباء، والعلم عاجز لأن العلماء من كل بقاع الأرض لم يجمعهم إيقاع واحد ولو مرة من المرات، بل محا بعضهم يقين بعض على الشاشات أمام الجماهير المتعطشة إلى الدراية، وأما الدِّين فرجاله متخبطون تماما في تفسير ما يجري، يدورون دورانا بائسا حول النصوص المقدسة وموروثات الصحف القديمة، وتارة يقولون إنه انتقام سماوي لا ريب فيه، وتارة أخرى إنه امتحان لصبر الجموع البشرية، وثالثة إنه مقدمات القيامة وعلامة من العلامات الكبرى للساعة، ورابعة إنه عذاب في باطنه الرحمة، وخامسة إن الله بريء من هذا كله والذنب ذنب بشري محض، وهكذا حالفين على أقوالهم المرسلة في كل مرة!
معنى الحديث المتواصل عمَّا بعد كورونا
في الواقع لدينا مئات المقالات والفيديوهات التي ترسم صورة لملامح العالم بعد كورونا، تلح في رسمها والتبشير بها، قبل أن يعرف أحد متى ينتهي كورونا أصلا؟ وكيف ينتهي؟ ولماذا يستعجل هؤلاء الكتبة والخبراء وضع صورة كلية لما بعده؟ مما يقود في الحقيقة إلى استنتاج معقول يمكن صياغته في السؤال التالي: هل هذا هو المقصود من حكايته الخطيرة المريبة من أولها إلى آخرها؟!
كلمة ضرورية عن منظمة الصحة العالمية
كانت منظمة الصحة العالمية التي تمَّ إنشاؤها في 7 أبريل من عام 1948 والتي مقرها الحالي جنيف، وهي واحدة من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة مجالها الصحة (يُرمزُ لها اختصارا (who ؛ كانت المنظمة محل ثقة الأغلبية والمصدر الأول الذي يقصده المتخصصون والناس كلهم لمعرفة معلومات صادقة في الشأن الصحي، لكن ارتبك أداء المنظمة ارتباكا واضحا مع كورونا، وتضاربت أقوالها بخصوص الفيروس المستجد، بل اتهمها كثيرون معتبرون بالكذب، وإخفاء الحقائق، والغموض المحير، والتردد العجيب في المسألة الدوائية، منهم الرئيس الأمريكي نفسه، ووقع في ظنون خلق كثيرين أنها تعمل لصالح دول بعينها أو جهات سرية بعينها، هذه الدول وهذه الجهات لا تريد الخير للعالم، والمنظمة قد تكون متورطة في شرور رهيبة ومتواطئة مع الذين يتلاعبون بالمصائر!
هل الوباء مؤامرة فعلية أم واقع طبيعي معقَّد لا تآمر فيه؟
تزايد الكلام في نظرية المؤامرة مع كورونا، وأخذ أبعادا جديدة عنه في مرات سابقة تردَّد فيها كثيفا بإزاء أزمات مختلفة، ربما نالت “الماسونية العالمية” نصيب الأسد من الكلام؛ فصار أصغر إنسان يعرف مصطلحات الماسونية ورموزها وقصصها وغاياتها، وصار “الشيطان” و “الدَّجَّال” اللذان هما وثيقا الصلة بالماسونيين، أو هما رمزاهما البارزان، صارا سيرة متكررة وصارا مترقَّبَيْنِ لحكم العالم التعيس، لا يقتصر الأمر على الشرقيين في هذا النطاق، لكن الغربيين كذلك، وإن كان خيال الشرقيين أوسع، وخصوصا المؤمنين التقليديين بينهم، ولم يحسم أحدٌ على الإطلاق إلى اللحظة الراهنة طبيعة ما يجري: هل الوباء مؤامرة فعلية أم واقع طبيعي معقَّد لا تآمر فيه؟!
من يداوي جراح العالم العميقة؟
الخلاصة: جرح العالم نفسه جراحا عميقة، ويوشك أن يقضي على نفسه بنفسه، ولم يكن من الحكمة ولا الصواب، أن يتعامل مع الشيء السيئ المستجد معاملة عسيرة كهذه المعاملة، كان من الواجب أن يتعامل بيسر بالغ، وأن يتوخى الصدق والدقة، وأن يلتئم لا أن يسمح بالجراح أن تغزوه وتتسع بداخله وتتوغل فيه، كان أروع ما يمكن أن يصنعه الجميع، ولا زالت الفرصة سانحة له، أن يتحدوا، بكل طاقاتهم وإمكانياتهم، في مواجهة خطر رهيب يهدد الوجود البشري في الصميم!