” سر مصر – قضية رد شرف ” هو عنوان الكتاب الصادر حديثا للكاتب محمد جاد هزاع عن مكتبة مدبولي ، والحقيقة أن الكتابة عند كاتبنا ليست مجانية أو من قبيل إزجاء أوقات الفراغ بل هى كتابة ذات رسالة وهو ما اتضح من كتبه السابقة التى تدور حول الدين والوطن وذلك لأنهما الأكثر إلحاحا الآن بعد أن تزايد من ينكرون قيمة الوطن بدعاوى دينية باطلة ومن يقدمون رؤية للدين تنفى وجهه الحضارى الإنسانى وتستبيح قتل المخالف سواء على مستوى الدين أو مستوى المذهب الدينى داخل الدين الواحد ولاشك فى أن ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة – كما يقول مراد وهبة – هو أحد العوامل الرئيسية فى شيوع هذا الإرهاب الذى يتقنع بالدين ، هذه الثنائية المتمثلة فى الدين والوطن نراها فى هدا الكتاب الجديد بعنوانه المثير لفضول المتلقى من أجل معرفة هذا السر الذى يجهله والذى سوف يكشفه الكتاب ويأتى العنوان الفرعى ليوحى بأننا أمام وطن مطعون فى شرفه فما هو ذلك الشرف المطعون ؟ .
مع بدايات الكتاب سوف نعرف أن الشرف – هنا – مرادف للوحدانية فقد ظلت مصر – بفعل الصهيونية التى زيفت تاريخها –متهمة بالوثنية وأنها لم تعرف الله الواحد الأحد إلا مع ظهور الأديان الإبراهيمية : اليهودية والمسيحية والإسلام وقد حدث ذلك – كما يقول المؤلف – ” يوم روج مروج ، كذبا وزورا وبهتانا أن مصر القديمة التى سادت الأرض كلها وحكمتها آلاف السنين بكل علمها ومعرفتها وثقافتها وحضارتها ودينها وقوتها وثروتها وإمكانياتها الظاهرة والباطنة وتأثيرها على غيرها كانت أمة كافرة تعبد آلاف الآلهة ” والحقيقة أننا أمام ثنائية أخرى فاعلة على مدار هذا الكتاب هى صراع ” حزب الله ” مع ” حزب الشيطان ” هذا الصراع الذى بدأ ما بين آدم والشيطان وهابيل وقابيل والذى سوف يستمر حتى صراع المهدى مع الدجال فى نهاية الزمان .ويرجع الكاتب معاناة مصر الآن إلى غموض معرفتها بنفسها وهو ما يطرح مشكلة الهوية التي تعرض لها الكثيرون مثل جمال حمدان وميلاد حنا واختلفت حولها الآراء منذ عصر النهضة فهناك من يؤكد عروبتها وهناك من يراها جزءا من حضارة البحر المتوسط ويرجع ذلك إلى موقعها الجغرافى فهى إفريقية آسيوية مطلة على شواطىء المتوسط غير أن كاتبنا يراها أمة قائمة بذاتها ولعله يكون بذلك – وربما دون أن يقصد – امتدادا لمقولات حزب الأمة القديم الذى أنشأه أحمد لطفى السيد ذلك المفكر الذى كان على رأس الداعين لمصرية مصر تحقيقا لاستقلالها عن الخلافة العثمانية والإنجليز معا تحت شعار ” مصر للمصريين ” الذى كان أشبه بالاكتشاف فى ذلك الوقت.
وفى تصورى أن كاتبنا يعود إلى تأصيل هذا التوجه حتى إنه يتساءل مندهشا فى أحد مواضع الكتاب : لماذا ندرس الأدب الجاهلي ونحفظ المعلقات ونقرأ الأدب فى صدر الإسلام وبنى أمية وكأنه أدبنا ؟ ويرى فى ذلك جورا على الأدب المصرى القديم يقول فى ذلك ” لماذا لايدرس عامة أبنائنا متون الأهرام ومتون التوابيت وكتاب الخروج إلى النهار كما يدرسون المعلقات السبع وديوان امرىء القيس وديوان المتنبى ” وأنا مع الكاتب إذا كان المطلوب هو دراسة الأدب المصرى القديم وهذا حادث بالفعل لكننى لست معه فى التعامل مع الأدب والتاريخ العربيين على أنهما ليسا أدبنا ولا تاريخنا فبعد تعريب المنطقة العربية كلها على اختلاف أقطارها ودخولها فى الإسلام أصبح هناك تاريخ مشترك ومصير مشترك وتراجعت القوميات القديمة فلم يعد أحد يتحدث عن الحضارة السومرية أو الآشورية أو البابلية إلا فى المعاهد المتخصصة.
إننى أخشى أن يكون المؤلف من بين الانعزليين فى مصر كما وصفهم رجاء النقاش .وربما رجع هذا إلى الحماسة الشديدة التى يكنها الكاتب لمصر ويعلنها دائما وهذا حقه بلا جدال لكن ليس إلى درجة أن نقول إن المصريين ” دون غيرهم المنوط بهم حفظ الدين المنزل الواحد منذ آدم وحتى محمد عليهما السلام ” أو أن مصر ” ليست هى خزائن الأرض وحسب بل هى الأرض معرفة بالألف واللام ” أقول إن هذا من فرط الحماسة التى لم يستطع الكاتب مقاومتها كرد فعل على من ينكرون قيمة الوطن وأهميت تاريخه وحضارته التى نرجو انبعاثها من جديد وتظهر هذه الحماسة أيضا فى اللغة الانفعالية التى هيمنت على العديد من مواضع الكتاب فهو يصف من روج جريمة أن مصر كانت أمة كافرة وثنية بأنه ” الكذاب الأفاك المزور المزيف الحقير ” ويصف من ينكرون قيمة الوطن بأنهم جشعة سافلة أنفسهم فاجرة زناة ولوطيون ، كل الأشياء لديهم شهوة لأى لوطى أو داعرة ” والحق أنه كان فى غنى عن كل ذلك لأن الحقيقة مفحمة فى حد ذاتها .
كما هيمنت ظاهرة التكرار حتى أنه يكرر فى بعض المواضع مقطعات كاملة ورغم أهمية ذلك لتأكيد أفكاره فقد كنت أخشى دائما أن يبعث ذلك على ملل المتلقى خاصة إذا كانت الفكرة واضحة وبسيطة ، ولخشية الكاتب على مصر يرى أنها تواجه تحديات وعداءات ليس من الجهات الأربعة فحسب جهات خمسة – يقصد من فوقها – إضافة إلى التحديات والعداءات التى تواجهها فى الداخل ويترتب على ذلك ” أن الشيطان والدجال أو الجبت والطاغوت وجنودهما على المستوى المحلى والإقليمى والدولى قد حشدا حشدا لإسقاط مصر التى تمثل مركز المقاومة التاريخية لهذا المخطط الدولى الكونى ” والتزاما منى بحرية الرأى والاعتقاد والتفكير أقول إن من حق الكاتب أن يرى ويعتقد ما يشاء والحقيقة أن الكتاب يبدو كما لو كان كتابين فهو ينتقل من الماضي إلى الحاضر والعكس ، يحدثنا عن الماضى البعيد ثم ينتقل إلى الحديث عن وباء الكورونا هذا الانتقال يرجع إلى فضح هكسوس الأمس واليوم ويعنى بهكسوس اليوم الصهاينة ليصل إلى نتيجة محددة وهى أن ” خطة الاستيلاء على فلسطين قديمة جدا ولم تبدأ مع المدعو هرتزل كما نتصور فى العصر الحديث “.
ومن الأفكار المهمة فى هذا الكتاب أن فرعون موسى ليس مصريا بل هو من الهكسوس الذين استولوا على شمال مصر وكان موسى منهم ومنها ما توصل إليه المصريون القدماء أننا لاندرك وجود الله إلا عن طريق العقل لا الحواس ومنها أن كتاب الله واحد منزل من قبل إله واحد لدين واحد أسماه الله الإسلام بمعنى التسليم لوجهه تعالى وحتى تتضح هذه الفكرة يمكن أن نقول إن العقيدة واحدة والشرائع مختلفة حسب كل زمان ومكان .هذا الكتاب أنشودة فى حب مصر ورد لشرفها المطعون وتصحيح للتزييف الذى حدث لماضيها العريق.