التراث الشعبي لأي مجتمع هو العادات والتقاليد والعلوم والآداب والفنون والمأثورات الشعبية التي تنتقل من جيل لأخر أو تتوارثه من الأجيال السابقة، هو ذلك الجسر الذي يعبر عليه عبرات و عِظات الأجداد إلى الأحفاد ليتعلموا منها، يُقدم هذا التراث في شكل أمثال وأغاني شعبية أو قصص وسير شعبية يحكيها الناس جيلا بعد جيل، تكون مليئة بالحكمة و خلاصة تجارب الأجداد أو تحكي عن بطل شعبي و سيرته وما أنجزه للناس أو تكون قصص غير حقيقية لكنها تهدف لشيء ما (حكمة أو عِظة) وتظهر عظمة وقيمة المجتمع من خلال قوة و تنوع موروثه الثقافي و مقدار تقديره والاهتمام به.
https://www.youtube.com/watch?v=HOwC0D34xhI
ولأن هذا التراث جزء من تاريخ وتكوين المجتمع، كان من الطبيعي أن تهتم به الدراما بشقيها وتنقله أو تنقل عنه، حيث قُدمت أعمالا كثيرة مقتبسة أو مستوحاة من التراث الشعبي لما يتميز به من ثراء درامي وأيضا قربه من الجمهور الذي تناقله جيلا بعد جيل.
منذ بدايات السينما والتراث الشعبي حاضر بقوة حيث قدمت السينما العديد من الأعمال المستوحاة من السير الشعبية مثل مجموعة الأفلام التي قدمها سراج منير عندما كان بطلا سينمائيا وفتى شاشة، عنتر وعبلة عام 45، أبو زيد الهلالي عام 46، ابن عنتر عام 47 ، شمشون الجبار عام 47 ، مغامرات عنتر وعبلة عام 48، و هذه الأفلام كما نرى تتمحور في البطل الشعبي قاهر الأعداء والمدافع عن قبيلته وحبيبته من الأشرار، هذه التيمة متكررة بشكل كبير في التراث الشعبي ودائما ما تلقى قبولا نجاحا لدى الجمهور، حيث يرى المتفرج نفسه في هذا البطل ينتصر بدلا منه ويحقق الأحلام والأماني نيابة عنه، وهو ما جعل السينما تستوحي منها كثيرا من القصص، حيث أعاد فريد شوقي تقديم فيلم عنتر ابن شداد وحقق نجاحا كبيرا رغم تكرار القصة والتيمة، وقدم حسام الدين مصطفى “أدهم الشرقاوي” البطل الشعبي الذي يحارب الاحتلال ويسرق الأغنياء لصالح الفقراء وحقق هذا العمل نجاحا كبيرا.
هناك أيضا قصص رومانسية في التراث الشعبي لم يغفلها صُناع الدراما، حيث قدموا أعمالا رومانسية عن ست الحسن والأميرة الجميلة التي يفوز بها الشاطر حسن أو الشاب الفقير الشجاع، لدينا أيضا حسن ونعمية والتي تم تقديمها فيلما سينمائيا وكان الظهور الأول لـ سعاد حسني ثم قُدمت مسلسلا لـ شيريهان والقصة حقيقية لمطرب شعبي في ريف مصر” قرية الدراكسة مركز دكرنس” دفع حياته ثمنا لحبه لفتاة من القرية المجاورة، وكأنها البديل الشعبي لقصة روميو و جوليت.
تيمة الثائر المتمرد الذي يواجه الظلم بالسخرية والكوميديا أو بالحِيل والألاعيب، مثل شخصية جحا الذي قدمته الدراما في أكثر من عمل، كان أول ظهور لشخصية جحا فيلم “مسمار جحا” لـ إسماعيل يس والذي عُرض في أغسطس 52 بعد أن كان ممنوعا من العرض في عهد الملك، ثم “جحا يحكم المدينة” مسرحية لـ سمير غانم، و جحا المصري مسلسل لـ يحيى الفخراني، كلها تمحورت حول الثائر الرافض للظلم والاستبداد والذي يواجههم بالنِكات والسخرية، وتُعد شخصية علي الزيبق هي الأشهر والأنجح في الأعمال التي تناولت مواجهة الظالم بالحِيل والخدع والتي قدمها يسري الجندي وفاروق الفيشاوي مسلسلا عام 85 وأعادها أشرف عبد الباقي في مسلسل ملاعيب شيحة عام 2004 ثم محمد رمضان في فيلم الكنز 2017 لم يغفل التراث الشعبي سيرة الأشرار وكيف كانت نهايتهم مثل قصة ريا و سكينة والتي تم تقديمها في أكثر من عمل فني، فيلم لـ صلاح أبو سيف عام 53، ثم فيلم إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة عام 55 ومسرحية لـ حسين كمال عام82 و فيلم مرة أخرى لـ يونس شلبي عام 83 ، ثم مسلسل لـ عبلة كامل عام 2005
لا يخلو التراث الشعبي من الأساطير وقصص الخيال والتي تجد صدى جيد عند الكبار قبل الأطفال مثل أساطير ألف ليلة وليلة التي قُدمت على مدار سنوات طويلة وحققت نجاحا كبيرا ثم اختفت بلا سبب، وعلي بابا و الأربعين حرامي لـ علي الكسار، سعد اليتيم فيلم لـ أحمد زكي ومسلسل لـ ياسر جلال، والسيرة الهلالية التي كانت تُغنى على الربابة في القرى ثم تحولت إلى عمل درامي من 3 أجزاء.
هذا التراث هو تاريخنا الذي نفخر به وميراثنا من الأجداد وخلاصة تجاربهم، والجمهور على اختلاف طبقاته و ثقافته يعشق هذا النوع من الفن ولا يهمل أي عمل منقول أو مقتبس منه، ومع ذلك لم يتم الاهتمام بهذا التراث بالشكل الكافِ، وتعامل بعض صُناع الدراما معه على أنه مستوى ثانِ من الفن، لم يأخذوا منه إلا القليل رغم ما به من تنوع وزخم ورغم أن نجاحه مضمون لارتباط الجمهور به لأنه جزء من ذكرياتهم وتاريخهم وكان الاهتمام الأكبر بالأعمال المنسوخة من أعمال أجنبية.