ثقافة

من على الزيبق لأدهم الشرقاوي.. كيف هزم أبطال الأساطير الشعبية قوى الشر؟

احتلت صناعة البطل موقعا هاما في الأدب الشعبي المصري، منذ زمن طويل. وبعيدا عن الرواية الرسمية للأحداث المستقرة في بطون كتب التاريخ؛ كانت هناك قصة أخرى شفهية تتناقلها الألسنة من جيل إلى جيل، عن ذلك الشاب مفتول العضلات الذى تمرد على الأوضاع الصعبة التي يعيشها في مرحلة ما؛ نَذَرَ بعدها نفسه لأن يكون نصيرا للغلابة والمظلومين.

كانت السير والملاحم التي تُجسّد ما يمكن توصيفه بالبطولات الخارقة؛ حاضرة في عقل الإنسان منذ أمد بعيد، فهي ليست قاصرة على المصريين وحدهم، إنها موجودة بشكل أو بآخر في مختلف الحضارات، ولدى العديد من الشعوب، ولكن بصور وأشكال مختلفة، وإن اتفقت جميعها على أن تستحضر في المخيلة، إنسانا بمواصفات خاصة تنتشر سيرته في الآفاق.

يقول الدكتور شوقي ضيف في كتابه “البطولة في الشعر العربي” “كان البطل في القبيلة وفي عهود الحياة الأولى للأمم؛ يُعدّ شخصا مقدسا، بل لقد كانوا يظنونه أحيانا من سلالة الآلهة، وكأنه هبة تهبها لهم؛ حتى لا يقعوا فريسة لمن سواهم، وحتى لا يسقطوا في مهاوي لا قرار لها من الاضمحلال والفناء”.

البطولة في الشعر العربي

“لم يكن من قبيل الصدفة، أن ترتبط البطولة علــى امتــداد الســيرة بمنظومة أخلاقية مثالية، بعضها يمثل الجوانب النفسية والسلوكية، التي ترتبط بصفة البطولة ذاتها، كالشجاعة والإقدام والثقة بالنفس وبعضها الآخر يُمثّل فقط مفردات الأنموذج الأخلاقي المرغوب اجتماعيا؛ قياسا على الثقافة المصرية في البيئة الريفية بشكل عام، وفي الصعيد بشكل خاص.. هذا الارتباط يدفعنا للتأكيد على قصدية الفعل الفني في استلهام تاريخ أبطال العرب، والتصرف الفني الواعي المحسوب الذي يمنح المبدع الشعبي فرصة تصوير وتجسيد آماله وتطلعاته وقيمه وسقطاته ونجاحاته في القالب قصصي الطابع المسمى بالسيرة الشعبية بحسب كتاب “الرياضة في السيرة الشعبية” لياسر أبو شوالي.

الملاحظة الأساسية التي يخرج بها المرء من سِيَر الأبطال الشعبيين، أن صناعة البطل في المخيلة الشعبية، كانت تحدث في كثير من الأحيان، كنوع من التحدي اللاشعوري في مواجهة الخطر، الذي يراه المواطنون محدقا بوجودهم؛ خاصة عندما تتعرض البلاد لغزو أو استعمار خارجي أو يعم فساد الولاة وظلمهم.

–على سبيل المثال– خلال عهد الدولة العثمانية أو فترة حكم الأسرة العلوية.. تبرز سيرة علي الزيبق، الذى يواجه استبداد وفساد السلطة العثمانية التي حكمت مصر قرابة قرون ثلاثة.

تروي الحكاية استكمال “علي” لكفاح أبيه حسن رأس الغول، ضد المقدم سنقر الكلبي أداة السلطة العثمانية الباطشة بالشعب المصري، حيث تعطي الحكاية الشعبية بارقة أمل للمظلومين وتؤكد لهم أن هناك ضوء في نهاية النفق.

“هناك عدد من الأصول الحكائية والسردية التي تحوّرت عنها سيرة علي الزيبق، ضمن عمليات نقل متواصلة من خلال التراث الشفاهي وحكايات التراث الشعبي، أدت إلى انفصال هذه المجموعة من الحكايات واستقلالها في متن حكائي منفصل، ضمن ما عرف بالسيرة الشعبية التي هي لون من ألوان الإبداع الجمعي، يماثل “الملحمة” في التراث الغربي” وذلك طبقا لما يؤكده الدكتور محمد النجار في كتابه “حكايات الشطار والعيارين في التراث الشعبي”.

والهدف من الحكاية الشعبية، وصورة البطل الشعبي التي يتم الحديث عن انتصاراتها على أعداء الشعب من الولاة ورجال الدرك؛ ليس هو التسلية أو الامتاع، وإنما تعد أشبه ما يكون بالسلاح الذى يطوّعه الشعب في سبيل نيل حريته من الغزاة.

وهناك من يظن أن شخصية الزيبق شخصية خيالية تماما، وهو ما يرفضه  عدد من المؤرخين الكبار ومنهم  ابن الأثير الذى أشار في كتاباته إلى علي الزيبق وأنه تمكن من الوصول للسلطة عام 444هـ.

“البطل الشعبي في السير الشعبية المصرية شغل نفسه بنوعين من القضايا، هما محور رسالته وصلب دعوته الملحمية، أولهما هو تلك القضايا المحورية الخاصة التي تتمايز بها كل ملحمة عن الأخرى، وتشكل القضية الأم التي تدور حولها الملحمة، ويأتي البطل رمزا لها، وهي قضايا في مجملها ذات طابع اجتماعي ثوري، إنها ثورة اجتماعية على كثير من السلبيات التي تعوق الذات العربية، أو هي قضايا التحرير الاجتماعي في الملحمة العربية، في حين يهتم الثاني بالقضايا المحورية العامة أو المشتركة بين جميع الملاحم، ويأتي البطل –كل بطل–رمزاً لها، وهي قضايا المجتمع العربي ذات الطابع القومي والديني والإنساني” وفقا لكتاب “البطل في الملاحم الشعبية العربية .. قضاياه وملامحه الفنية” للدكتور محمد النجار.

البطل في الملاحم الشعبية العربية .. قضاياه وملامحه الفنية

وتمثل سيرة أبو زيد الهلالي –على سبيل المثال– واحدة من أهم السير الشعبية، وإن كانت تعتمد على جذور حقيقية، لكن المخيلة الشعبية أضافت إليها الكثير وخلالها يدافع هذا البطل الشعبي عن الشرف والشجاعة والمروءة والأخلاق الكريمة خاصة خلال معاركه.

وفي مقابل روميو وجولييت، فإن المخيلة الشعبية المصرية، حرصت على أن تتداول قصة الحب المستحيل بين حسن ونعيمة، التي كان الراوي يجلس ليرويها على أنغام الربابة، بينما المستمعون حوله يحاولون جاهدين حبس دموعهم من شدة التأثر، حيث أحب حسن المغنواتي نعيمة ابنة الحاج متولي الرجل الثري، وأمام رفض الأب تهرب نعيمة مع حسن، وفي النهاية يقوم أهل نعيمة بذبح حسن انتقاما لشرفهم؛ رغم أنه بشهادتهم لم يمسس ابنتهم.

أما البطل أدهم الشرقاوي، فله سيرتان أحدهما رسمية والأخرى شعبية.. ومنذ الوهلة الأولي يمكن أن يظن المرء أنهما تتحدثان عن شخصين مختلفين تمام الاختلاف، فالأولي تصفه بأنه مجرد قاطع طريق، والثانية تؤكد أنه بطل شعبي.

كانت أهم الأحداث التي عاشها الشرقاوي خلال الفترة من عام 1919، وحتى عام 1921، وهو ما يكشف بجلاء عن أنه وإن لم تكن الوقائع التي وردت بالقصة الشعبية دقيقة بنسبة 100% فإن الأدب الشعبي قرر أن يصنع من سيرة الرجل؛ فصولا لحياة بطلٍ ناصرَ المظلومين، واقتص لهم من الظالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock