صدمتني إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر التي كشفت عن وجود 240 حالة طلاق كل يوم بواقع حالة طلاق كل ست دقائق .. قفزت التساؤلات مسرعة إلى ذهني كيف تحدث كل تلك الحالات من الطلاق مع وجود تلك «الوصمة المجتمعية» التي توصم بها النساء المطلقات؟ كيف تتمكن النساء المطلقات من مواجهة المجتمع والسير قدما في طريق استكمال مسيرتهن بالحياة؟
الباحثتان الدكتورة أمل حسن أحمد أستاذ علم الاجتماع المساعد بقسم اجتماع كلية الآداب جامعة القاهرة والدكتورة نيرة محمد شوشة مدرس علم النفس بقسم علم النفس بذات الكلية في دراستهما: «وصمة الطلاق لدى السيدات في المجتمع المصري: دراسة سيكوسو سيولوجية» طرحتا قضية «وصمة الطلاق» التي تتعرض لها النساء المطلقات بمصر وذلك عبر طرح عدد من التساؤلات الرئيسية تمثلت في التعرف على طبيعة النظرة المجتمعية للمرأة المطلقة ومن هم الأشخاص مصادر الوصمة التي تتعرض لها النساء؟ وهل هناك من يقدم أي نوع من الدعم أو المساندة النفسية والاجتماعية للنساء المطلقات؟
هل الطلاق: علامة للخزي أو العار؟
انطلقت الدراسة في مستهلها بتقديم تعريف لمفهوم الوصمة الاجتماعية مشيرة إلى تعدد التعريفات التي قدمت لهذا المفهوم الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى الاعتماد على التعريف القاموسي الشائع الذي يشير إلى الوصمة بوصفها «علامة للخزي أو العار» إلى جانب هذا قد يلجا بعض الباحثين إلى التعامل مع مفهوم الوصمة بالاعتماد على الجوانب المرتبطة بها كالتنميط والرفض، غير أن غالبية الباحثين قد اجمعوا على أن التعريف الذي قدمه «إيرفنج جوفمان» سنة 1963 لأول مرة يعد هو التعريف الأنسب للتعامل مع مفهوم الوصمة والذي يقوم على أن «الوصمة تحدث حينما يمتلك أفراد سمات أو مظاهر محددة تؤدي إلى التقليل من شأنهم من قبل أغلبية المجتمع» أو بمعنى آخر «الوصمة تعد موقفا أو ظرفا تتجسد فيه السمات الاجتماعية السلبية التي تحط من قدر حامل هذه السمات وشأنه وتجعله شخصا لا يأبه له الآخرون».
الوصمة وفقا لجوفمان تعد مفهوم يقوم على تصوير «علاقة صورية» يتم فيها تخفيض القيمة الاجتماعية أو المكانة الاجتماعية أكثر مما يصور سمة محددة وثابتة في الشخص والأمر لا يقتصر على الوصمة الاجتماعية التي يقرها المجتمع ويسم بها الشخص وإنما الواقع الأكثر فداحة يتمثل في طبيعة استجابات الأفراد أنفسهم الذين يتعرضون للوصم فيما يطلق عليه «وصم الذات» وهو ما يخلق لدى هؤلاء الأشخاص مشاعر سلبية نحو الذات تتجلى في مشاعر الخجل والمزيد من فرض القيود الذاتية على التفاعلات مع الآخرين وبشكل عام فإن تأثير الوصمة العامة التي يفرضها المجتمع على الشخص تتوقف في درجة حدتها على درجة شعور الفرد بالوصمة الذاتية فالأمر في النهاية مرهون برؤية الفرد لذاته ومدى رضاه عن نفسه.
اعتمدت الدراسة الميدانية على المنهجين «الكمي والكيفي» وشملت عينة الدراسة ثماني سيدات مطلقات أجريت معهم مقابلات متعمقة إلى جانب عينة تتكون من 300 مبحوث ومبحوثة بواقع 110 من الذكور و190 من الإناث تم تطبيق استبيان وصمة الطلاق كما يدركها المجتمع معهم.
استشهدت الدراسة بنتائج تلك الدراسة التتبعية التي أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سنة 2018 على عدد حالات الطلاق التي شهدها المجتمع المصري خلال الفترة من سنة 2005 حتى 2017 والتي انتهت إلى وجود حالة من التزايد الملحوظ في عدد حالات الطلاق التي بلغت عام 2005 نحو «65 ألف حالة» وارتفعت لتبلغ نحو «198.3 ألف حالة» سنة 2017.
https://www.youtube.com/watch?v=C9enIte3X3g
أبرزت نتائج دراسة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن أعلى معدلات لحالات الطلاق قد حدثت بالمحافظات الكبرى «القاهرة والأسكندرية والجيزة والشرقية» وجاءت القاهرة على رأس القائمة حيث بلغ معدل الحالات بها نحو 38.2% تليها الجيزة في المرتبة الثانية بنسبة 24.3% ثم الأسكندرية في المرتبة الثالثة بنسبة 18.7% وفي المرتبة الرابعة جاءت محافظة الشرقية بنسبة 13.3% .. وربما يرجع انخفاض معدل حالات الطلاق بمحافظات الوجه القبلي بشكل عام نتيجة تشدد عائلات الصعيد وحرصها على منع نسائهن من الإقدام على طلب الطلاق.
وقعت أعلى نسبة لحالات الطلاق وفقا لسن المطلقة في المرحلة العمرية «25-30 سنة» بنسبة تصل ل38.8% وجاءت المرحلة العمرية لسن المطلقة «20-25 سنة» في المرتبة الثانية بنسبة بلغت 35.5%، وزادت معدلات حالات الطلاق لدى النساء الحاصلات على التعليم المتوسط عن حالات النساء من حاملي الشهادات الجامعية والمعاهد العليا .. وربما يعود انخفاض حالات الطلاق لدى النساء الأكثر تعليما لكونهن يتمتعن بحرية أكبر في إختيار الزوج فلاشك أن التعليم العالي قد منح النساء قدره على الاختيار تفوق غيرهن من النساء.
صورة المرأة المطلقة بالمجتمع
اجمعت النساء المطلقات اللاتي طبقت عليهن الدراسة الميدانية على وجود تلك النظرة السلبية «الوصمة القاسية» التي يلقيها المجتمع المصري على النساء المطلقات ولم تشكل متغيرات السن أو التعليم أو الطبقة الاجتماعية أي فرق بينهن فكلهن في الهم سواء.
أشارت نتائج الدراسة إلى إجماع نساء الدراسة على رفض طبيعة تلك الأحكام المطلقة التي تصدر بحق النساء المطلقات والتي تقوم على تحميلهن وحدهن مسئولية حدوث الطلاق «المطلقة لا يجب أن نحكم عليها بالإعدام … لا يصح أن ندعي أننا مجتمع متدين ونحن ننظر للمرأة على أنها منحرفة … نظرة المجتمع غير عادلة ولا منصفة، دائما المرأة هى سبب المشكلات، هى المسئولة عن انهيار العلاقة الزوجية، تحكمنا دائما مقولات الشرف وتخيلات العلاقة الأولى» .. هكذا عبرت إحدى النساء المطلقات عن رؤيتها لنظرة المجتمع للنساء المطلقات.
عبرت جميع النساء المطلقات بالدراسة –باستثناء واحدة فقط- عن خوفهن من لقب «مطلقة» الجميع على اختلاف ظروف حياتهن جمع بينهن الخوف من هذا اللقب الموصوم اجتماعيا لقب «مطلقة» فالمرأة المطلقة ينظر لها المجتمع على حد وصفهن بوصفها «امرأة سهلة – ماشية على حل شعرها – أي حاجة مباحة بعد الطلاق – لقب مخيف في المجتمع لأنه بيتبص عليها إنها ست شمال وسهلة ومتاحة» الخوف وصل ببعضهن حد إخفاء كونهن مطلقات «بيضايقني لقب مطلقة بخفيه كتير لكن لما بضطر أكتب في استمارة حكومية إني مطلقة بكون مضايقة لأني ببقى خايفة من نظرة الموظفين لي» وتضيف أخرى «كتير بحس بقهر وحزن من لقب مطلقة وإن الناس مش متفهمة إن الطلاق بيكون حل أحيانا».
على عكس تلك النظرة المجتمعية القاسية للنساء المطلقات تأتي نظرة المجتمع المصري تحمل الكثير من التفهم للرجال المطلقون فالطلاق يعيب النساء وقد يصل حد كونه فضيحة ينبغى تجنبها إو إخفائها لدى النساء أما الرجال فالطلاق بالنسبة لهم مباح «الرجل لا يعيبه شيء».
الأزمة الكبرى التي تعاني منها النساء المطلقات تتمثل في أن وصمة الطلاق تأتيهن أولا على يد العائلة التي ترفض بشدة وقوع الطلاق لخوفها من المستقبل ونظرة المجتمع لها بوصفها عائلة تضم امرأة مطلقة فكأن الوصمة المجتمعية لا تطال المرأة وحدها ولكنها تطال أسرتها معها ما يدفع الأسرة لممارسة نوع من القهر على النساء في محاولة لمنعهن من السعي نحو الطلاق وهو ربما ما يفسر انخفاض نسبة معدلات الطلاق بالوجه القبلي من محافظات مصر.
تتعرض النساء للوصم على يد زملاء العمل والجيران فتنتشر «الشائعات» حول المطلقة خاصة إذا ما اختارت أن تعيش بشكل مستقل عن عائلتها وقد يساندهم في الوصم العائلة ذاتها «أهلي قاطعوني شوية، لكن بعد أول شهرين من تركي للبيت رجعوا يكلموني تاني، لكن أبويا تقريبا لسة مقاطعني».
غالبية النساء المطلقات لم يجدن الدعم أو المساندة أو التعاطف حتى من قبل أقرب أفراد أسرهن «الأم والأخ» قليلات هن من وجدن الدعم والمساندة وتتعرض النساء المطلقات للكثير من المواقف المحرجة كأن تخشى صديقتها منها على زوجها ما يعرضها للحزن الشديد والشعور بالدونية نتيجة تلك النظرة السلبية التي تتعرض لها فالمطلقة من وجهة نظر المجتمع «خرابة بيوت» ومن جانب آخر تعاني النساء المطلقات خلال تعاملهن مع العديد من الرجال من النظر لهن بوصفهن يعانين من الحرمان الجنسي وبالتالي يسهل توجيه الدعوة لهن لإقامة علاقة حميمة خارج إطار الزواج هذا إلى جانب كونهن أكثر عرضه لحالات التحرش الجنسي داخل بيئة العمل.
تعاني النساء المطلقات نتيجة تلك النظرة المجتمعية القاسية لهن من تفشي حالات الاكتئاب الشديد بينهن «أصعب شعور حسيته بعد الطلاق هو الظلم والإهانة والقهر والاكتئاب، الشعور بإني لوحدي أهلي مساندونيش خالص … بعد الطلاق حسيت إني عايشة لوحدي تماما، لا أهل ولا معارف ولا صحاب، فضلت مكتئبة فترة طويلة وكنت بعيط باستمرار».
الأزمة الكبرى التي رصدتها الدراسة تتمثل في تعرض النساء المطلقات للوقوع في براثن حالة «وصم الذات» إلى جانب فقدهن للكثير من وضعهن الاجتماعي وهو ما يؤثر إجمالا على صحتهن النفسية والجسدية الأمر الذي قد يمتد ليؤثر على قدرتهن على الإنجاز الجيد.
الدراسة في مجملها تعد من الدراسات القيمة للغاية كمحاولة لتجسيد النظرة النمطية القاسية التي يوجهها المجتمع المصري للنساء المطلقات غير أن ما يُعاب على تلك الدراسة كونها لم تقدم قراءة وافية وفق رؤية واضحة لسبل دعم النساء المطلقات وسبل مواجهة النساء المطلقات لتلك الوصمة المجتمعية سعيا نحو فتح أفق جديد يمكنهن من مواصلة حياتهن كأن تلجاء النساء المطلقات أنفسهن لتشكيل روابط ومجموعات نسائية مساندة لبعضها البعض على طريقة مجموعات المساندة التي دائب على تشكيلها بعض المتعافين من تعاطي المخدرات على سبيل المثال إلى جانب إمكانية تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا النساء ودفعها نحو بذل مزيد من الجهد في مجال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المطلقات.