بقلم: عبد الفتاح الجبالي
نقلًا عن صحيفة “الأهرام”
——
ان إعفاء المكافآت الممنوحة لأعضاء البرلمان من ضريبة الدخل يأتى أساسا لرغبة المشرع فى الفصل بين السلطات.. جاء ذلك التصريح على لسان وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أثناء مناقشة مشروع لائحة مجلس الشيوخ. بل وتساءلت إحدى العضوات، وهى أيضا عضوة بلجنة الخطة والموازنة، عما إذا كان الخضوع لضريبة الدخل يعنى المساس بإستقلال المجلس وخضوعه للسلطة التنفيذية أم لا؟. وهنا يصبح التساؤل هل الفصل بين السلطات يعنى عدم الخضوع للضريبة؟.
الدستور المصرى أوضح أن السلطات تكمن فىالسلطة التشريعية ممثلة فى مجلس النواب، والسلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية والحكومة بإعتبارها الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، وأخيرا السلطة القضائية ممثلة فى القضاء والنيابة العامة ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا والهيئات القضائية الأخرى.
فإذا ما أخذنا بالمنهج السابق فيصبح من حق هؤلاء جميعا،بإستثناء السلطة التنفيذية، الإعفاء من الضرائب. وهو غير دقيق على الإطلاق ويخل بمبدأ العدالة الضريبية التى هى أساس الضرائب وغيرها من تكاليف المالية العامة كما نصت على ذلك الفقرة الأولى من الدستور المصري في المادة 38، والتى تشير وبحق الى أن العدالة هى جوهر النظام الضريبي في المجتمع. وهكذا ينبغى أن تكون العدالة الضريبية مضموناً لمحتوى النظام الضريبي وغاية يتوخاها ويتعيّن تبعاً لذلك أن يكون العدل من منظور إجتماعى مهيمناً عليها، بمختلف صورها محدداً الشروط الموضوعية لإقتضائها، كما أشارت وبحق المحكمة الدستورية في أحد أحكامها الأخيرة.
والعدالة هى تساوى عبء الضريبة على جميع دافعي الضرائب وبحسب طاقة الفرد على الدفع. ويدور الحديث عن نوعين من العدالة، العدالة الرأسية بما يعنى دفع الضرائب بناءً على قدرة الفرد، فهى تفترض أن الأشخاص ذوى الظروف المتمايزة في القدرة على الدفع يجب أن يدفعوا مقادير مختلفة من الضرائب، والعدالة الأفقية وتفترض أن الأفراد ذوى المقدار المتساوي من القدرة على الدفع يتحملون أعباء ضريبية متساوية أي المعاملة المتساوية لذوى الظروف الإقتصادية. ولهذا فاذا كان مجلس النواب قد قام بإلغاء هذا الإعفاء فى مشروع لائحة الشيوخ فينبغى أيضا وبنفس المنهج إلغاء الفقرة الاولى من المادة 428 فى لائحته الداخلية. ويرتبط بهذه المسألة المادة (103) من الدستور، والتى نصت على تفرغ عضو المجلس لمهام العضوية، ونظرا لعدم الإلتزام بهذا النص، فإن البعض يحصل على رواتب أومكافآت من جهة عمله الأصلية، بالإضافة الى مكأفاة المجلس.
وهنا يصبح التساؤل هو هل ستطبق المادة 11 من قانون الضرائب على مكافآت الأعضاء، وحينها يتم خصم 10% مقطوعة دون تخفيض لمواجهة التكاليف، ودون إجراء أى خصم آخر بما فى ذلك الشريحة التى لايستحق عليها ضريبة، أم ستعامل على انها مصدر الدخل الأساسى وهنا تصبح الإشكالية فى الأموال التى يحصل عليها العضو من عمله خارج المجلس؟.وفى هذا السياق تثار مشكلة أخرى تتعلق بالحد الأقصى، فمن حيث الشكل أشار مجلس النواب الى الحد الأقصى للأجور، بينما القانون رقم 63 لسنة 2014 يتحدث عن الحد الأقصى للدخول، وشتان الفارق بينهما. وكان الأجدى بالمجلس مراعاة هذه التفرقة فى الصياغة.
أما من حيث الموضوع فإنه يوجد عدة مستويات للحد الأقصى أولها ما يتعلق بالقانون رقم 63 لسنة 2014 وهو 42 ألف جنيه وثانيهما يتعلق بقانون ربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020/2021 رقم 85 لسنة 2020 المادة الثالثة عشرة والتى أشارت الى أن صافى الحد الأقصى للدخول يساوى خمسة وثلاثين مثل الحد الادنى للدرجة السادسة فى بداية التعيين والذى يتقرر بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء، والذى تقرر بـ 2000 جنيه، أى أن صافى الحد الأقصى أصبح سبعين ألفا فأيهما سيطبق على الأعضاء!! بل والأهم من كل ماسبق التفرقة التى تمت فى المعاملة بين رئيس مجلس النواب ووكيليه الذين يحصلون على مكافات لاتزيد على الحد الاقصى للاجور( وفقا للمادة 428 من لائحة النواب الصادرة بالقانون رقم 1 لسنة 2016)، بينما رئيس مجلس الشيوخ سيحصل على مجموع ما يتقاضاه رئيس الوزراء، وهو مايعادل صافيه الحد الاقصى للأجور! وبعبارة أخرى فالأول سيحصل على الإجمالى دون خصم الضريبة بينما الثانى سيحصل على الإجمالى بعد خصم الضريبة، فهل يجوز الإختلاف رئيسى الشيوخ والنواب على مكافأة أعلى من رئيس مجلس الوزراء رغم تشابه المهام؟. أما فما يتعلق بالفصل بين السلطات، فقد تكفل الدستور والقانون بذلك بمنح بعض الجهات موازنة البند الواحد، أى تعطى لها اعتمادات إجمالية يتم التصرف فيها دون التقيد بتقسيمات الأبواب المنصوص عليها فى الموازنة لضمان عدم تغول السلطة التنفيذية عليها، ومراعاة الفصل بين السلطات مع الأخذ بالحسبان انها ليست موازنات مستقلة، ولكنها توضع بندا واحدا في الموازنة،ووفقا لموازنات كبند واحد، وهو مايحقق للجهات الممنوحة لها الإستقلالية فى إنشاء الدرجات وشغل هياكلها التنظيمية وشئونها المختلفة وذلك مثل المحكمة الدستورية العليا .
إن الجهات التي نص عليها الدستور كموازنة بند واحد هي القوات المسلحة لإعتبارات الأمن القومي والمحكمة الدستورية العليا فقط دون غيرهما من الجهات بينما نص قانون الموازنة العامة رقم 53 لسنة 1973 والمعدل بالقانون رقم 87 لسنة 2005 في مادته العاشرة على أن تكون موازنة الهيئات القضائية والجهات المعاونة لها، من الموازنات ذات البند الواحد، بالإضافة الي كل من مجلسي الشعب والشورى (اللذين اصبحا النواب والشيوخ) والقوات المسلحة والجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز المدعى الاشتراكي (قبل إلغائه ايضا). وهو ما يتطلب إعادة النظر في هذه المادة والإكتفاء بما نص عليه الدستور، أما باقي الجهات فيجب إعادتها الي التقسيم التقليدي وإلغاء حصولها على موازنة البند الواحد لضمان تلافي السلبيات السابقة لكل ما سبق يصبح من الضرورى إعادة النظر فى مجمل هذه القوانين بغية جعلها متسقة مع الهدف منها، وربطها جميعا بقانون الحد الاقصى للدخول مع إدخال التعديلات اللازمة عليه، فضلا عن ضرورة إسراع مجلس النواب بتعديل لائحته وإلغاء الإعفاء المتمتع به مكآفات الأعضاء.