عرض وترجمة: أحمد بركات
بعد عشرين عاما من الحرب في أفغانستان، باتت الولايات المتحدة على وشك حزم أمتعتها والمغادرة، ولن تغادر بمفردها. فقد شهد العام الماضي، وتحديدا الأشهر الأخيرة، عنفا غير مسبوق في جميع أنحاء البلاد، وبخاصة في كابول.
فمنذ سبتمبر 2020، شهدت أفغانستان حوالي 200 عملية اغتيال، كما قال أحد مسؤولي الأمن الأفغان. وتم استهداف الصحفيين الذين تعرضوا لـ 132 حادث عنف في العام الماضي فقط، وفقا للجنة سلامة الصحفيين الأفغانية، أسفرت عن مقتل سبع صحفيين أفغان، وأصابة ثمانية عشر آخرين. كما شهدت البلاد هجمات إرهابية على المدنيين وقوات الأمن لا تقل سوءا عما كانت عليه منذ الغزو الأميركي في عام 2001.
أفقٌ قاتم
في العام الماضي فقط، لقي أكثر من 3000 مدني مصرعهم، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة. وازدادت خسائر المدنيين منذ بدء مفاوضات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية.
وبات السكان في كابول معتادين على الاستيقاظ على دوي الانفجارات، التي غالبا ما تصدر عن قنابل مغناطيسية لاصقة مثبتة في سيارات. ولم يعد بمقدورهم سوى محاولة معرفة أنماط الهجمات، وتجنب ساعات الذروة، أو، ببساطة، البقاء في المنازل وعدم مغادرتها إلا للضرورات.
حتى البقاء في المنزل بالنسبة إلى المصور جلالي، لم يعد خيارا مطروحا. فعندما ضرب هجوم صاروخي الحي الذي يقطنه في نهاية نوفمبر 2020، دفعه قرع طبول الاعتداءات وانعدام الأمن إلى حافة الهاوية.
“كان دوي الانفجارات قريبا من منزلي. أمسكت بأولادي وركضت إلى الطابق السفلي. منذ هذه اللحظة، أدركت أنه لم يعد هناك خط أمامي للمعركة، وأن أي مكان يمكن أن يصبح تهديدا مباشرا لحياة أسرتي”، كما قال جلالي.
وأضاف: “لقد أصبحت كابول أخطر مدينة في أفغانستان”. بعدها التحق جلالي بوظيفة جيدة، واقتنى منزلا بحديقة في تركيا. “لقد تركنا كل شيء خلفنا، وولينا وجوهنا شطر دولة أجنبية دون عمل، ولا لغة، ولا حتى أهل أو أصدقاء. لقد تحطمت روحي”.
https://www.youtube.com/watch?v=Ggoqb-xpEBI
على إثر ذلك، اضطر المئات من سكان كابول إلى مغادرة المدينة التي أصبحت أخطر بقاع أفغانستان على الإطلاق. كثيرون من الراحلين صحفيون وموظفون حكوميون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وعمال إغاثة، وغيرهم من المنتمين إلى الطبقة الوسطى التي استثمرت فيها الولايات المتحدة من طريق المنح الدراسية والتعليم على مدى العقدين الماضيين ليقوموا بدورهم في البعث الحضاري لبلادهم.
لقد كانوا ذات يوم يعيشون بأريحية في عاصمتهم حتى تحولت إلى خطر يهدد وجودهم. وفي الوقت الذي تستسلم فيه الولايات المتحدة، فإنها تغادر لإنقاذ حياة جنودها.
“هذه هي اللحظة الأكثر ظلمة منذ عام 2001″، كما وصفها شهرزاد أكبر، رئيس لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة، في إشارة إلى المستقبل المجهول، والهجمات الأخيرة المتصاعدة.
يأتي تصاعد العنف في الوقت الذي توقفت فيه محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية لأكثر من شهر، لكنها تعافت مرة أخرى الإثنين، مع اقتراب الموعد النهائي لسحب آخر 2500 جندي أميركي من البلاد في مايو، بموجب الاتفاق الذي وقعته إدارة ترمب.
حكاية أسرة افغانية
وفي الوقت الراهن، تسيطر طالبان على حوالي نصف أفغانستان. وفي حال تراجع الولايات المتحدة عن الانسحاب في مايو، يتوقع كثيرون تصاعد العنف، بما في ذلك ضد الأهداف الأجنبية. وقالت طالبان في بيان إلى حلف شمال الأطلسي إن “استمرار الاحتلال والحرب ليس في مصلحتكم ولا في مصلحة شعوبكم وشعبنا”.
لكن مغادرة الولايات المتحدة للأراضي الأفغانية لها أيضا مخاطرها. فالكثيرون في أفغانستان يخشون من أنه في حال سحب القوات الأمريكية قبل التوصل إلى اتفاق نهائي بين طالبان والحكومة، ربما يترتب عليه اجتياح عنيف أو سقوط البلاد في هوة صراعات أمراء الحرب. ويلوح مجددا تجدد شبح الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الفترة من 1992 إلى 1996، وهو ما يهدد بإفساد جميع وجوه التقدم التي تحققت في العقدين الأخيرين.
“كثيرون من الأفغانيين عادوا إلى البلاد بعد عام 2001، واستثمروا في العمل والحياة هناك. وكثيرون كان لديهم الوسائل للمغادرة بعد الانسحاب الأمريكي واسع النطاق في عام 2014، لكنهم قرروا البقاء والعمل على إصلاح الأوضاع”، كما قال زاد أكبر. وأضاف: “ما يفطر القلب الآن هو أن هؤلاء هم من يغادرون اليوم. إنها رسالة ودعوة إلى اليأس”.
وفي ظل تفشي الهجرة، قرر مسعود أحمد، البالغ من العمر 37 عاما، ومعه زوجته، براشنا الانتقال إلى الجارة باكستان. كان يريد الاستقرار في مكان آخر، كان ضيق ذات اليد وسهولة الحصول على تأشيرة سفر إلى باكستان هو ما دفع به للانتقال إليها.
كان أحمد يعمل ميكانيكيا للقوات الأمريكية منذ عقدين من الزمان، لكن تاشيرة الهجرة إلى الولايات المتحدة، الخاصة ببرنامج يساعد في إعادة توطين الأسر التي عملت إلى جانب القوات الأمريكية رُفضت من دون إبداء أسباب من قبل إدارة ترامب في العام الماضي.
وأوضحت براشنا أنه مضت شهور منذ آخر مرة تمكن فيها أطفالها من اللعب خارج جدران المنزل. “لقد اصبح المنزل سجنا لهم، ولكننا لا نريد لهم سوى الأفضل. ونخشى عليهم من تصاعد العنف”، كما قالت براشنا، مضيفة: “أريد أن يعيشوا طفولة طبيعية، وأن يكبروا في سلام، بعيدا عن ماكينة الحرب”.
“لقد خدمت الأمريكيين، لكنهم خذلوني”، كما قال مسعود وهو يقبع في شقته في كابول ويساوره قلق جارف بشأن التصديق على تأشيرة لا تشوبها شائبة من قبل مشرف أمريكي سابق، وينظر إلى صوره مع الجنود الأمريكيين.
ويضيف: “لا يكاد النوم يطرق لي جفن. لقد أصبح الهروب إلى باكستان هو خيارنا الأوحد. فأفغانستان لم تعد آمنة. وإذا عادت طالبان، فلن ييبقى لنا فيها مكان”.
*ستيفاني جلينسكي
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا