عرض وترجمة: أحمد بركات
لماذا دفع الإخلاء المرتقب لست عائلات فلسطينية في القدس الشرقية بالإسرائيليين والفلسطينيين إلى أتون صراع يبدو أنه يمتد نحو إشعال فتيل حرب أخرى؟
يرجع ذلك بالأساس إلى كلمة واحدة لا تزال تعد من المحرمات في المجتمع اليهودي الأمريكي، وهي “النكبة”.
لا تشير كلمة “النكبة” بالضرورة إلى أكثر من 700 ألف فلسطيني تم طردهم من ديارهم، أو اضطروا للفرار بأنفسهم وذويهم، في فترة تأسيس دولة إسرائيل فحسب، وإنما تثير أيضا صور عمليات الطرد المتعددة التي وقعت منذ ذلك الحين، وشملت – من بين أشياء أخرى ـ حوالي 300 ألف فلسطيني شردتهم إسرائيل عندما اجتاحت الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967، و250 ألف فلسطيني لم يتمكنوا من العودة إلى الضفة الغربية وغزة بعد أن ألغت إسرائيل حقوقهم في الإقامة بين عامي 1967 و1994، ومئات الفلسطينيين الذين هدمت إسرائيل بيوتهم في عام 2020 فقط. واليوم، تتسم عمليات إخلاء القدس الشرقية بقابليتها للاشتعال لأنها تتبع نمط الطرد القديم قدم إسرائيل ذاتها.
في أوساط الفلسطينيين، إذن، تعتبر “النكبة” كلمة مألوفة. أما بالنسبة لليهود ـ ومن بينهم كثير من اليهود الليبراليين في إسرائيل وأمريكا وغيرهما في جميع أنحاء العالم ـ فمن الصعب مناقشة كلمة “النكبة”، لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بقيام دولة إسرائيل، إذ أنه بدون الطرد الجماعي للفلسطينيين في عام 1948، لم يكن الزعماء الصهاينة ليتمكنوا من الحصول على الأرض، أو ليجمعوا فيها الأغلبية اليهودية التي كانت ضرورية لإقامة وطن قومي يهودي قابل للحياة.
ويتطلب الإقرار والبدء في معالجة مشكلة طرد الفلسطينيين، بالسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة، تخيل بلد من نوع مختلف، يعامل فيه الفلسطينيون كمواطنين كاملي الأهلية، وليس كتهديد ديموغرافي.
ولتجنب هذا الاعتبار، تصر الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها من اليهود الأمريكيين على أن يتخلى اللاجئون الفلسطينيون عن أملهم في العودة إلى وطنهم. لا شك أن هذا المطلب يثير قدرا كبيرا من السخرية، لأنه لا يوجد شعب في التاريخ البشري تعلق بإصرار بحلم العودة مثلما فعل اليهود.
ويندد القادة اليهود بحقيقة أن الفلسطينيين ينقلون هوياتهم كلاجئين إلى أبنائهم وأحفادهم، في حين أن اليهود نقلوا هوياتهم كلاجئين على مدى 2000 عام. وفي جميع الإجازات والقداسات، يقيم اليهود الحداد على طردهم، ويعبرون عن توقهم إلى العودة.
وورد في إعلان الاستقلال أنه “بعد أن تم طردهم بالقوة من أرضهم، ظل الشعب مؤمنا بالعودة طوال فترة الشتات”. وإذا كان التمسك بالإيمان بإمكانية تجاوز مرحلة المنفى والعودة إلى أرض الوطن مقدسا عند اليهود، فكيف يمكن إدانة الفلسطينيين على عمل الشيء نفسه؟
وبالإضافة إلى إخبار الفلسطينيين بأنهم لا يستطيعون العودة إلى ديارهم لأنهم ابتعدوا، أو أبعدوا منذ فترة طويلة، يؤكد القادة اليهود أن العودة غير عملية. لكن هذا أيضا مثير جدا للسخرية لأنه، كما أشارت المدافعة عن حقوق اللاجئين، لبنى شومالي: “إذا كان ثم دولة خبيرة في استقبال أعداد غفيرة من الأفراد وتوطينهم في مساحة صغيرة من الأرض، فلن تكون سوى إسرائيل”.
وفي ذروة الهجرة السوفيتية في أوائل التسعينيات، استقبلت إسرائيل حوالي 500 ألف مهاجر. وإذا شرع ملايين من يهود الشتات الانتقال إلى إسرائيل غدا، لن يقول القادة اليهود إن استقبالهم مستحيل على المستوى اللوجيستي. وسوف يساعدون إسرائيل على إنجاز ما أنجزته من قبل، وهو بناء كميات كبيرة من المساكن، وبسرعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيتر بينارت: كاتب رأي مهتم بالسياسة الخارجية، ورئيس تحرير دورية “Jewish Currents”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا