رؤى

جنين مرآة الحق.. وليست مرآة النصر

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عمان

حسين عبد الغني

خرجت جنين مرفوعة الرأس من معركة بين مخيم فقير ورابع أقوى جيش نوعي في العالم. معركة خطط لها جيش الاحتلال سنة كاملة واستخدم فيها الطائرات والمدرعات وكأنه ذاهب إلى حرب مع جيش قوة عظمى وليس ثلة من الفدائيين. خرجت جنين جريحة بعشرات الشهداء ومئات المصابين ولكن إسرائيل خرجت مطأطأة الرأس إذ اعترف خبراؤها العسكريون بأنها أخفقت في تحقيق هدفها بكسر شوكة المقاومة التي ردت وقتلت في عز المعركة اثنين وأصابت العديد من جنود الاحتلال.

لكن الكلام العربي الإنشائي عن انتصار كامل حققه الفلسطينيون بعد معركة جنين هو من قبيل الأمنيات مثله في ذلك مثل مهرجانات الخطابة التي يجيدها السياسيون لا المقاتلون.

ما تحقق في جنين هو صمود بدرجة نصر لكنه ليس نصرا فما زال أمام النصر طريق طويل لم يبدأه ولم ينخرط فيه سوى المقاومين، لكن معركة جنين وإن كانت بعيدة عن أن تكون مرآة لنصر شامل يقود إلى إنهاء آخر نظام ابارتهايد في العالم فإنها كانت بشجاعة وتضحيات المقاومين وسكان المخيم مرآة للحقيقة؛ حقيقة التسوية السياسية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حقيقة السلطة الفلسطينية، حقيقة المأزق الإسرائيلي، حقيقة «وحدة» الساحات.

جنين

1- حقيقة سقوط أوسلو وسقوط خيار التسوية:

مع اقتراب بلوغ ما سميت باتفاقيات أوسلو عامها الثلاثين (١٩٩٣) فإن معركة جنين إن كانت قد فعلت شيئا فهي أنها أطلقت رصاصة الرحمة وكتبت السطر الأخير في مسرحية هزلية سمحت لإسرائيل بزرع القدس والضفة بمئات المستوطنات بما يزيد عن نصف مليون مستوطن غاصب.

رسالة معركة جنين من الطرفين كانت واضحة: مسار التسوية السلمية ومسار المفاوضات العبثية للصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، وحل الدولتين مات وشبع موتا وعاد خيار السلاح سواء سلاح إرهاب الدولة من الجهة الإسرائيلية أو المقاومة المسلحة من الجهة الفلسطينية ليصبح الخيار الوحيد المطروح على التاريخ.

اليمين الإسرائيلي تعهد علنيا بقتل أي مسار يقود لدولة فلسطينية.. أي تعهَد علنيا بقتل اتفاقيات أوسلو التي كان يفترض أن تقود لإعلان دولة فلسطينية طبقا للقرارين الأمميين ٢٤٢ و٣٣٨.

على الناحية الفلسطينية استردت المقاومة المسلحة في الضفة المبادرة من السلطة الفلسطينية، ومن كل الأجيال القديمة للحركات الفلسطينية بأيديولوجياتها المتنازعة بعد أن فقدت أي ثقة في أوسلو والتسوية. وهي تعمل الآن لا وفقا للخطوط الحمراء التي يفرضها تنسيق أمني مريب بين المحتل وضحيته بل وفقا للاتجاه الغالب للشعب الفلسطيني الذي تؤكد استطلاعات الرأي أن نحو ٧٥٪ منه يؤيد مسار المقاومة سواء المسلحة أو المدنية وأن ما يقرب من هذه النسبة قد يئس وسحب تأييده لإمكانية حدوث «حل الدولتين».

جنين

2- نهاية عصر الاسترخاء ومأزق دولة الاحتلال:

سلطة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي في مأزق وجودي. فهذه الحكومة المتطرفة بنهجها العدواني جلبت لنفسها ما يمكن وصفه بنهاية عصر الاسترخاء العسكري النسبي على الجبهة الفلسطينية وجبهة الصراع العربي الإسرائيلي عموما. استرخاء مكنها منه التنسيق الأمني مع السلطة في رام الله والانقسام المرير بين حماس والسلطة. استرخاء مكن إسرائيل من أن تعتقد وتروج أن الصراع الفلسطيني /الإسرائيلي انتهى وأن صراعها والخطر الرئيسي على أمنها هي إيران.

استرخاء مكنها من اختراق الأمن القومي العربي وعمل اتفاقيات تطبيع علنية وغير علنية مع عدد من الدول العربية. الآن عاد الإسرائيليون للحديث عن الخطر الفلسطيني بل والخطر اللبناني من قبل حزب الله بل عن خطر حدوث توتر نادر على الجبهة السورية بعد أن سقط صاروخ سوري مضاد للطائرات تصدى لإحدى غاراتهم فسقط في الأراضي الإسرائيلية مسببا ذعرا بالغا وهو حدث مرشح للتكرار مادام انتهاك إسرائيل لأجواء سوريا متكررا.

منذ 10 سنين لم نسمع ما نسمعه الآن من الإسرائيليين عن ضرورة الالتفات إلى الجبهة الفلسطينية الداخلية وعن ضرورة وقف الحرب الأهلية بين اليمين الديني واليسار العلماني للتفرغ لما يسمونه كذبا «الإرهاب الفلسطيني » ومنذ سنوات عديدة لم نسمع أيضا عن ضرورة استعادة جيش الاحتلال لياقته التي افتقدها سنوات الاسترخاء النسبي منذ انتهاء حرب الـ ٢٠٠٦ الشهيرة في الجنوب اللبناني. وأكثر ما يقلق إسرائيل في هذا هو دعوة «وحدة الساحات» التي أصبحت دعوة معروفة وتعني مستويين المستوى الأول محلي ويعني وحدة الساحات الفلسطينية في الضفة وغزة وفلسطين الـ ٤٨. والمستوى الثاني إقليمي ويعني أن يقوم حزب الله بفتح الجبهة اللبنانية في حال قيام جيش الاحتلال بعملية يستفرد فيها بالفلسطينيين.

مخيم جنين
مخيم جنين

3- وحدة الساحات شعار غائب في معركة جنين:

باستثناء اللحظة النادرة في معركة سيف القدس ٢٠٢١ التي انضمت فيها حماس غزة إلى المعركة التي بدأت بعد اغتصاب منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح وانضمت فيها المدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر، فإن شعار وحدة الساحات لم يتحقق بعدها أبدا وظل مجرد شعار بل ان اعتداءات العامين الأخيرين على قطاع غزة والتي كانت تستهدف قادة حركة الجهاد الإسلامي وبنيتها التحتية العسكرية لم تقابل برد متكافئ من حركة حماس التي تسيطر على القطاع.

حركة حماس تتصرف في بعض الأحوال كسلطة وإدارة حاكمة للقطاع أكثر مما تتصرف كحركة مقاومة مسلحة.

ولقد واجهتها معركة جنين الأخيرة بحقيقة أنها تواجه مأزقا قريبا من مأزق السلطة الفلسطينية في تضاؤل تأثيرها على سير الأحداث في جنين وتدحرجت إلى مستوى هامشي لصالح مقاتلي المخيم وكتيبته المقاومة على الأرض التي تحملت مسؤولية القرارات الميدانية وتحملت أعباء تضحياته الثقيلة من شهداء ومصابين ومخطوفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock