تكاد تجمع مصادر التاريخ الرسمي على رواية محددة لأحداث معركة المنصورة التي دارت رحاها في فبراير من عام 1250، للميلاد على أرض تلك المدينة المصرية الباسلة.
وملخص الرواية هي أن القوات الأيوبية بقيادة مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب؛ هي التي استطاعت تحقيق النصر على جيش ملك فرنسا لويس التاسع وأسر هذا الأخير وحبسه في دار ابن لقمان في المدينة.
إلا أن الغائب من متن الرواية الرسمية هو الدور الشعبي في تلك المعركة٫ ذلك الدور الذي يشير إليه الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه “تاريخ مصر الإسلامية” حين يؤكد أن فرقة مملوكية بقيادة “ركن الدين بيبرس” صمدت لفرقة فرسان فرنسية بقيادة فارس يدعى “آرتوا” حتى تمكنوا من ردهم عن قصر السلطنة في المنصورة.
وهنا “أقام الأهالي المتاريس في الطرقات، واشتبك الفريقان في قتال عنيف في شوارع المدينة وأزقتها، واتخذ السكان حصونا من منازلهم يلقون من نوافذها بالقذائف والحجارة على الفرنسيين وانتهت المعركة بالقضاء على فرقة الفرسان”.
هذا الدور الشعبي في مقاومة الغزاة لم تحفظه كتب مؤرخي السلطة المنشغلين بدور الحكام والسلاطين ولكن حفظتها سير الأولياء وأصحاب المقامات من رموز التصوف الإسلامي مثل السيد أحمد البدوي.
إذ يشير الكاتب أسعد الخطيب في كتابه “البطولة والفداء عند الصوفية” أنه “بوصول السيد البدوي إلى مصر قادما من المغرب تلقاه الظاهر بيبرس بعسكره وأكرمه وعظّمه”.
ويؤكد الدكتور جودة أبو اليزيد المهدي في كتابه “حقيقة القطب النبوي السيد أحمد البدوي “إنَّ مساهمة السيد البدوي تمثلت “…في تعبئة الرأي العام للجهاد الإسلامي ضد الصليبيين” وينقل عن مريدي السيد البدوي ومحبيه قصة يعدُّونها من كراماته وملخصها أن سيدة جاءت إلى السيد البدوي تبكي بشدة لأن ابنها أسره الصليبيون، فطمأنها ثم هاجم معسكرات الصليبيين وعاد بالأسرى من المسلمين فهلل المريدون وكبروا وهتفوا “الله الله يا بدوي جاب الأسرى”. وهي الجملة التي باتت من التراث واستخدمت في عدة اعمال فنية.
وتؤكد سيرة القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي مشاركته في معركة المنصورة، حيث ذكر الفقيه المصري ابن دقيق العيد
“حضرت بالمنصورة مع الشيخ أبي الحسن وما رأيت أعرف بالله منه”.
ويذكر الدكتور محمد رجائي الطحلاوى في كتابه “أبا الحسن الشاذلي رحلة الاغتراب من زغوان إلى عيذاب “إنَّ أبا الحسن الشاذلي من أبرز القادة الروحيين الذين أسهموا في معركة المنصورة؛ وذلك على الرغم من تقدم سنه ورغم أنّه فقد بصره؛ حيث غادر الإسكندرية.. حيث كان يُعلّم تلاميذه الى المنصورة، وانضم إليه خلق كثير من علماء الأمة في مقدمتهم العز بن عبد السلام المُلقب بسلطان العلماء ومضوا يحثون الناس على المشاركة في المعركة ويبشرونهم بنيل إحدى الحُسنيين : النصر أو الشهادة.
ويضيف شيخ الأزهر الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود في كتاب “المدرسة الشاذلية” أن هؤلاء العلماء “كان مجرد سيرهم في الحواري والشوارع تذكيرا بالنصر أو الجنة وكان حفزا للهمم، وتثبيتا للإيمان وتأكيدا لصورة الجهاد الإسلامي التي قادها في عصور الإسلام الأولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون رضوان الله عليهم”.
وكان من الطبيعي أن يؤتي هذا الدور المعنوي أثره، فكانت المقاومة الباسلة لأهل المدينة التي أسفرت عن مقتل سبعة آلاف جندي من جيش الغزاة وأسر أكثر من عشرين ألف جنديا.
لم تجد الرواية الشعبية، بخلاف الرواية الرسمية، من ينصفها ويبرزها اللهم إلا بعض الأعمال الفنية مثل المسلسل التلفزيوني “ملاعيب شيحه” المقتبس عن عمل إذاعي لرائد الفن الشعبي زكريا الحجاوي، حيث أبرز السيناريو الذي صاغه الكاتب مصطفى إبراهيم أبطال معركة المنصورة لا من المماليك بل من الفلاحين المصريين البسطاء بقيادة البطل الشعبي شيحه (أشرف عبد الباقي) صاحب القدرة المدهشة على التنكر والتخفي.