أصوات:
ربما كان التقرير الصادر اليوم عن منظمة العفو الدولية باعتبار إسرائيل دولة نظام فصل عنصري، هو أهم تطور ضد عنصرية الكيان الإسرائيلي منذ قرار الامم المتحدة التاريخي ١٩٧٥* بمساواة الصهيونية بالعنصرية، في أوج الصعود الدولي –قصير العمر للغاية–للعالم العربي بعد أو بسبب انتصار أكتوبر 1973، وهو القرار الذي ألغي لاحقا مع عودة مكانة العرب للتدهور بعد الدخول في عملية التسوية السياسية مع إسرائيل بضغوط أمريكية ساحقة وتخاذل عربي واضح.
هذا القرار لا يقل أهمية عن تزايد الإجماع الدولي علي أن نظام حكم البيض في جنوب افريقيا هو نظام فصل عنصري بغيض، وهو ما فتح الباب واسعا امام الزعيم الاستثنائي “مانديلا” للتفاوض وإنهاء نظام “أبارتهايد” وهو يفتح الباب واسعا أمام المد العالمي الذي أبرزته معركة “سيف القدس” العام الماضي من تعاطف شعبي دولي شمل كل الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة واخترق أحزابا كبري كالحزب الديمقراطي الحاكم الآن في واشنطن بجناح يساري معادي لعنصرية إسرائيل ومنسقا مع حركة الأمريكيين من أصل إفريقي.. المعروفة باسم “حياة السود مهمة” Black Lives Matter ومحققا اختراقا مهما حتي في الأجيال الجديدة من اليهود الغربيين الذين شعروا بالعار للممارسات العنصرية لإسرائيل ضد الفلسطينيين سواء في ما وراء الخط الاخضر أو الأراضي المحتلة من فلسطين التاريخية بعد حرب ١٩٦٧.
هذا التطور يضع إسرائيل في مصاف المسار التاريخي المحتوم الذي لقيه نظام جنوب إفريقيا العنصري السابق، وهو أنه لا يستطيع نظام قائم علي العنصرية، وأحادية القومية أن يعيش في عالم أصبحت فيه ثقافة حقوق الإنسان طرفا فاعلا في السياسة الدولية. ولهذا هي تخشاه فكل المطالبات القديمة بدولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع علي أرض فلسطين التاريخية؛ هو نفي تام ليهودية الدولة أو للفكرة الصهيونية برمتها وهو تهديد وجودي ستقاومه إسرائيل والقوي المهيمنة ولكنه لن يستطيع مقاومة حركة التاريخ والمصير المحتوم. فإسرائيل كما هي الآن، وكما يريدها يمينها المتطرف لا مستقبل لها.
———————————————————————————————————-
الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة قاسٍ وجريمة ضد الإنسانية
قالت منظمة العفو الدولية اليوم في تقرير** لها إنه ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. ويبيّن التحقيق بالتفصيل كيف أن إسرائيل تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما تملك السيطرة على حقوقه. وهذا يشمل الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى.
يوثق التقرير الشامل بعنوان نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. ويتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلا عنصريا وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري).
وتدعو منظمة العفو الدولية المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تناشد جميع الدول بممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة.
يكشف التقرير النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل. وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج. وقد تبين لنا أن سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري. ومن واجب المجتمع الدولي التصرف.
وقالت “أنياس كالامار” الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “ما من مبرر ممكن لنظام بُني على القمع العنصري المُمَأسس والمطوّل لملايين الناس. ولا مكان للفصل العنصري في عالمنا، والدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ. والحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتحميها من المساءلة في الأمم المتحدة تساند نظام فصل عنصري، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني. وينبغي على المجتمع الدولي أن يواجه واقع الفصل العنصري في إسرائيل، وأن يتبع السبل العديدة المؤدية إلى العدالة، والتي من المعيب أنها لم تُستكشف بعد”
وتستند النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية إلى كم متنامٍ من العمل الذي قامت به المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية التي طبّقت على نحو متزايد إطار الفصل العنصري على الوضع في إسرائيل و/أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد أظهر البحث الواسع والتحليل القانوني اللذان أجرتهما منظمة العفو الدولية بالتشاور مع خبراء من خارجها أن إسرائيل تُطبّق نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين من خلال قوانين وسياسات وممارسات تضمن إدامة معاملتها العنصرية القاسية لهم.
وتطبّق السلطات الإسرائيلية تدابير متعددة لحرمان الفلسطينيين عمداً من حقوقهم وحرياتهم الأساسية، بما في ذلك قيود قاسية على حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستثمار الضئيل المزمن القائم على التمييز في المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، وحرمان اللاجئين من حق العودة. كما يوثّق التقرير النقل القسري، والاعتقال الإداري، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروعة في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد رأت المنظمة أن هذه الأفعال تشكل جزءا من هجوم ممنهج وواسع النطاق موجه ضد الشعب الفلسطيني، وتعد بنية دائمة لنظام قمعي. لذا فهي تشكل جريمة الفصل العنصري المرتكبة ضد الإنسانية.
وذكر التقرير استخدام السلطات الإسرائيلية أفعالا محظورة للحفاظ على الوضع الراهن. كما حدث في 2018، عندما بدأ الفلسطينيون في غزة بتنظيم تظاهرات أسبوعية على طول الحدود مع إسرائيل منادين بحق عودة اللاجئين ووضع حد للحصار. وحتى قبل أن تبدأ التظاهرات، حذّر كبار المسؤولين الإسرائيليين من أن الفلسطينيين الذين يقتربون من الجدار سوف يُردون بالرصاص. وبحلول نهاية عام 2019، كانت القوات الإسرائيلية قد قتلت 214 مدنياً من ضمنهم 46 طفلاً.
وقد دعت المنظمة مجلس الامن الدولي إلى فرض حظر شامل على توريد السلاح إلى إسرائيل، ليشمل الحظر كافة أنواع الأسلحة والذخائر، علاوة على معدات إنفاذ القانون، نظراً للقتل غير المشروع لآلاف المدنيين الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية. ويتعين على مجلس الأمن أيضاً فرض عقوبات تستهدف أشخاصاً محددين، مثل تجميد أصول المسؤولين الإسرائيليين الأكثر ضلوعاً في ارتكاب جريمة الفصل العنصري.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل قد انتهجت –منذ قيامها– سياسة تكوين أغلبية ديموغرافية يهودية ثم الحفاظ عليها، لتعظيم سيطرتها على الأراضي والموارد لمنفعة الإسرائيليين اليهود. وفي 1967، وسّعت هذه السياسة لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. واليوم تستمر إدارة كافة الأراضي التي تخضع لسيطرة إسرائيل بما يفيد الإسرائيليين اليهود على حساب الفلسطينيين، فيما يستمر إقصاء اللاجئين الفلسطينيين.
وقد أقرت المنظمة برغبة إسرائيل في ان تكون وطنا لليهود، مؤكدة على أن التسمية ذاتها لا تشير إلى نية بالقمع والهيمنة.
كما أدان التقرير الخطط الرسمية لـ “تهويد” مناطق في إسرائيل والضفة الغربية، ومن ضمنها القدس الشرقية، وهو ما يظل يُعرّض آلاف الفلسطينيين لخطر النقل القسري، واعتبار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الفلسطينيين تهديداً ديموغرافياً.
وقد بينت بحوث منظمة العفو الدولية أن جميع الفلسطينيين يتعرضون للنظام الجامع نفسه. وتسعى إسرائيل في معاملتها للفلسطينيين في كل المناطق إلى تحقيق الهدف ذاته: منح امتيازات للإسرائيليين اليهود في توزيع الأراضي والموارد، وتقليص وجود الفلسطينيين ووصولهم إلى الأراضي إلى أدنى حد.
وأكدت المنظمة أن السلطات الإسرائيلية تعامل الفلسطينيين كجماعة عرقية دونية يُحددها وضعهم العربي غير اليهودي. ويترسخ هذا التمييز العنصري في القوانين التي تؤثر في الفلسطينيين في كل أنحاء إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويوثّق التقرير كيف يُمنع الفلسطينيون فعلياً من الاستئجار في 80 بالمئة من أراضي دولة إسرائيل نتيجةً لعمليات الاستيلاء العنصرية على الأراضي، ولوجود شبكة من القوانين التمييزية المجحفة بشأن توزيع الأراضي وتخطيطها وترسيمها.
ويُعدّ الوضع في منطقة النقب بجنوب إسرائيل مثالاً رئيسياً على كيفية إقصاء سياسات التخطيط والبناء الإسرائيلية للفلسطينيين عمداً. ومنذ عام 1948، تعتمد السلطات الإسرائيلية سياسات مختلفة لـ “تهويد” النقب، بما في ذلك اعتبار مساحات واسعة محميات طبيعية أو مواقع إطلاق نار عسكرية، ووضع أهداف لزيادة عدد السكان اليهود. وترتبت على ذلك عواقب مُدمّرة لعشرات الآلاف من البدو الفلسطينيين المقيمين في المنطقة.
ويتفاقم هذا الوضع جراء التوزيع القائم على التمييز المجحف الصارخ لموارد الدولة: ومن الأمثلة الحديثة أن السلطات المحلية الفلسطينية لم تمنح سوى %1.7 من مخصصات التعافي من كورونا التي أعدتها الحكومة.
ويشكل نزع الملكية من الفلسطينيين وتهجيرهم من منازلهم ركناً مهماً جداً في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي؛ فمنذ قيام دولة إسرائيل، فرضت عمليات استيلاء جماعية وقاسية على الأراضي ضد الفلسطينيين، وتواصل تطبيق عشرات القوانين والسياسات لإرغام الفلسطينيين على العيش في معازل صغيرة. ومنذ عام 1948، تهدم إسرائيل مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين وغيرها من الممتلكات في كافة المناطق الخاضعة لولايتها القضائية وسيطرتها الفعلية.
وكما في النقب، يعيش الفلسطينيون في القدس الشرقية والمنطقة (ج) في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وترفض السلطات منح تراخيص بناء للفلسطينيين في هذه المناطق، ما يرغمهم على إنشاء مبانٍ غير قانونية تتعرض للهدم مرة تلو الأخرى.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يزيد التوسّع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية الوضع سوءاً. وما زال إنشاء هذه المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة سياسة حكومية منذ عام 1967. وتغطي المستوطنات اليوم نسبة %10 من مساحة أراضي الضفة الغربية، وجرت مصادرة %38 من أراضي الفلسطينيين في القدس الشرقية بين عامَيْ 1967 و2017.
وغالباً ما تستهدف منظمات المستوطنين المدعومة بالكامل من الحكومة الإسرائيلية الأحياءَ الفلسطينية في القدس الشرقية، بهدف تهجير الأسر الفلسطينية وتسليم منازلها للمستوطنين. ومن جملة هذه الأحياء حي الشيخ جرّاح الذي يشهد تظاهرات متكرّرة منذ مايو/أيار 2021، فيما تخوض الأسر صراعاً للحفاظ على منازلها في ظل التهديد بإقدام المستوطنين على رفع دعوى قضائية ضدها.
وتفرض السلطات الإسرائيلية منذ منتصف التسعينيات قيوداً صارمة على نحو متزايد على تنقل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتسيطر شبكة من نقاط التفتيش العسكرية وحواجز الطرق والأسيجة وغيرها من المنشآت على تنقل الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتُقيّد سفرهم إلى إسرائيل أو الخارج.
وأشارت المنظمة إلى العمل المستمر من جانب قوات الاحتلال في تمديد جدار الفصل العنصري الذي تجاوز طوله الـ 700 كيلومتر، وما يشكله هذا الجدار من معاناة دائمة للفلسطينيين، وأشار التقرير كذلك إلى الوضع المأساوي لقرابة مليوني إنسان في قطاع غزة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل.
وأوضحت المنظمة أن المبررات الإسرائيلية تتهاوى أمام الطريقة التي تنفذ بها إسرائيل سياساتها، وهي ” طريقة غير متناسبة وتمييزية فاضحة لا تتقيد بالقانون الدولي. وثمة سياسات أخرى عارية تماماً من أيّ أساس قانوني معقول في مجال الأمن، وقد صيغت بوضوح بنيّة القمع والهيمنة”.
وتقدم منظمة العفو الدولية توصيات محددة عديدة لكيفية تفكيك السلطات الإسرائيلية لنظام الفصل العنصري، وكذلك أركان التمييز، والشرذمة، والقمع التي تديمه.
كما تدعو المنظمة إلى وضع حد للممارسة الوحشية المتمثلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري كخطوة أولى. وينبغي على إسرائيل منح جميع الفلسطينيين المقيمين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقا متساوية بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. كما ينبغي عليها الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين والمنحدرين عنهم بالعودة إلى ديارهم التي كانت فيما مضى تعيش فيها عائلاتهم، وتقديم تعويضات كاملة إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية.
ويقتضي حجم وخطورة الانتهاكات التي وثّقتها منظمة العفو الدولية في تقريرها إجراء تغيير هائل في مقاربة المجتمع الدولي لأزمة حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما دعت المنظمة جميع الدول لممارسة الولاية القضائية الشاملة على الأشخاص الذين يُشتبه على نحو معقول في ارتكابهم جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. أما الدول الأطراف في اتفاقية الفصل العنصري، فمن واجبها القيام بذلك.
هوامش
* قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379، الذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975 بتصويت 72 دولة بنعم مقابل 35 بلا (وامتناع 32 عضوًا عن التصويت) يحدد القرار «أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيدولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين.[1] وكثيرًا ما يستشهد بهذا القرار في المناقشات المتعلقة بالصهيونية والعنصرية. ألغي هذا القرار بموجب القرار 46/86 يوم 16 ديسمبر 1991.