انتهت أمس فعاليات كأس الامم الإفريقية المقامة في الكاميرون، بفوز المنتخب السنغالي باللقب بعد أن حسم مباراته مع المنتخب المصري بركلات الترجيح بنتيجة (4-2) بذلك يكون المنتخب السنغالي قد عوَّض خسارته للكأس في نهائي البطولة الماضية التي أقيمت على أرض مصر، والتي كان قد خسرها أمام المنتخب الجزائري بنتيجة (0-1).
بطولة مثيرة للجدل شهدت العديد من المفاجآت أهمها بالطبع ما قدمه المنتخب المصري من أداء بطولي في الأدوار الإقصائية، بعد أن قدّم أداء غير مقنع بالمرة في الدور الأول، وكان تألق الحارس البديل “محمد أبو جبل” حدثا استثنائيا وبمثابة إعادة اكتشاف لحارس الزمالك البالغ من العمر (33) عاما.
استطاع المنتخب المصري بلوغ النهائي، وكان قاب قوسين أو أدني من لقبه الثامن؛ في ظل ظروف بالغة الصعوبة، تمثلت بداية في الأجواء المحبطة التي صاحبت الفريق إلى الكاميرون، بسبب عدم تقديمه لمستويات مقنعة في مشواره في تصفيات كأس العالم؛ رغم وصوله المرحلة النهائية التي سيواجه فيها المنتخب السنغالي مجددا في مباراتين في مارس المقبل. وعززت هزيمة المنتخب في مباراته الافتتاحية أمام المنتخب النيجيري من هذه الأجواء.. مع تفاؤل البعض بتحسن المستوى تدريجيا مع الدخول في أجواء البطولة.. في المباراتين التاليتين أمام غينيا بيساو والسودان ضعف الأمل في وصول المصريين بعيدا، رغم الفوز في المباراتين بنفس النتيجة (1-0) ولم يتفاءل كثيرون بلقاء “كوت ديفوار” في دور الـ16، بعد الأداء المذهل الذي قدّمه الأفيال في الدور الأول خاصة أمام الجزائر حامل اللقب الذي خسر بالثلاثة من الإيفواريين وأقصي من الدور الأول بعد أداء هزيل تسببت فيه الثقة الزائدة والغرور في رأي كثيرين.
وفي ظل أداء متراجع تشوبه الرهبة استطاع الحارس المصري “محمد الشناوي” إيقاف خطورة الأفيال، الاحتفاظ بشباكه نظيفة، فأعطى أداؤه المتميز الثقة للفريق، وخاصة خط الدفاع الذي كان قد فقد خدمات “الونش” و”حجازي” بداعي الإصابة، لكن الحارس الأفضل في الدور الأول يلحق بقطار المصابين قبيل نهاية الوقت الأصلي بخمس دقائق، ليظهر في الصورة للمرة الأولى الحارس “جابسكي” كما يحب أن يسمي نفسه.. وخلال بقية الوقت الأصلي والوقتين الإضافيين وركلات الترجيح يقدم الحارس البديل أداء بطوليا، منح الفريق الروح والأمل في بلوغ نصف النهائي ولعب مباريات البطولة كاملة، كما وعد “كارلوس كيروش”.
ثم كان الموعد في دور الثمانية مع المنتخب المغربي الشقيق، صاحب التفوق التاريخي على المنتخب المصري.. ورغم تقدم الأشقاء بهدف من ضربة جزاء صحيحة في بداية المباراة، إلا أن رفاق “مو” امتلكوا زمام اللعب؛ حتى استطاعوا تحقيق التعادل والوصول إلى الوقت الإضافي الذي ظهر خلاله تفوق المصريين من الناحية البدنية والخططية، وكانت إصابة المتألق “جابسكي” وخروجه في الوقت الإضافي كفيلة بتغيير سير المباراة؛ لكن المنتخب المصري كان قد أحكم سيطرته على اللقاء، وفرض شخصيته في ظل تراجع كبير في مستوى المغاربة، ما مكَّن أبناء النيل من الإجهاز على أصحاب “حكيمي” وبلوغ نصف النهائي بهدف الحسم بقدم “تريزجيه”.. برغم السوء البالغ لأداء الحكم السنغالي “ماجيتي نداي” الذي اختارته اللجنة المنظمة لإدارة المباراة، رغم أنه ينتمي للبلد الذي ستلتقيه مصر في المرحلة النهائية لتصفيات كأس العالم، ودخوله بذلك في دائرة الشبهات التي لم تبتعد عنها كثيرا اختيارات اللجنة المنظمة.
كاد “ماجيتي نداي” يتسبب في إفساد المباراة بقراراته المتضاربة، وعدم سيطرته على اللاعبين؛ ليتحول الملعب لحالة من الفوضى أكثر من مرة.. وتسجل بعض لقطات المباراة مشاهد هزلية لـ “نداي” وهو يحاول فض الاشتباك بين اللاعبين بصورة غير قانونية وصلت لحد الضرب! كما سجلت الكاميرا مشهدا كوميديا آخر لـ “نداي” حين توجه لإنذار “النني” الذي كان “حجازي” قد بدأ معه مشاجرة وهمية؛ لينشغل الحكم بفض الاشتباك بين الزميلين، وينسى إنذار “النني” في وجود “السولية” الذي لم يتمالك نفسه من الضحك بسبب سذاجة الحكم.
ثم كان اللقاء التالي مع الكاميرون أصحاب الأرض والدولة المضيفة التي لم تخض مباراة صعبة حتى بلغت هذا الدور.. اتسمت أجواء المباراة بالتوتر بسبب وصف رئيس الاتحاد الكاميروني “صامويل إيتو” للمباراة بـ “الحرب” كما كان لاختيار الحكم الجامبي “بكاري جساما” أسوأ الأثر في نفوس المصريين، لما عرف عنه من عدم التوفيق في إدارة مباريات المنتخب المصري، رغم كونه كان حكم مباراة التأهل لكأس العالم 2018، ما دفع المسئولين المصريين إلى تقديم اعتراض على اختيار هذا الحكم لإدارة المباراة.
لم يكذب “جساما” توقعات المصريين؛ فجاءت إدارته للمباراة بالغة السوء؛ وتعددت قراراته العكسية، فبينما كانت كل الكرات المشتركة تحتسب لأصحاب الأرض، كانت هجمات المصريين القليلة تجهض بإيقاف اللعب المتكرر لأسباب لا يراها إلا السيد “بكاري” الذي لم يكن من السهل عليه إعلان فوز الفريق المصري بركلات الترجيح، فتردد للحظات رغم أن النتيجة كانت (3-1).
رغم كل تلك الصعوبات والعقبات والظروف غير المواتية فرض الفريق المصري صاحب التاريخ العريق في تلك البطولة شخصيته، وأطاح بأقوى فرق البطولة، ليجد نفسه في النهاية في مواجهة أسود التيرانجا، أصدقاء “ساديو ماني” نجم ليفربول، ومعه أحسن حراس العالم “مندي” و”سار” و”خاليدو كوليبالي” وعدد من نجوم أهم الأندية الأوروبية.. لم يكن السنغاليون قد قدموا أداء مقنعا في الدور الاول، واكتفوا بهدف وحيد حقق لهم الفوز على زيمبابوي في اللقاء الأول، ثم تعادليين سلبيين مع غينيا ومالاوي، ليحجز الفريق صدارة المجموعة بخمس نقاط فقط، ليلاقي “كاب دي فيردي” في دور الـ16، ويفوز دون كبير عناء بهدفين دون مقابل.. لتبدأ بعد ذلك الآلة السنغالية في الدوران لتلتهم غينيا الاستوائية وبوركينا فاسو على التوالي بنفس النتيجة (3-1). فكان الوصول المريح للمباراة النهائية دون لعب أية أشواط إضافية، بينما لعب الفريق المصري أشواطا إضافية في كل الأدوار الإقصائية، وحسم مواجهتين بركلات الترجيح.
ورغم غياب القيادة الفنية للسيد “كيروش” الذي تابع المباراة من المدرجات بسبب طرده في مباراة الكاميرون، ورغم الإصرار السنغالي على امتلاك زمام المباراة والمبادرة بالهجوم الذي أسفر عن ضربة جزاء في الدقائق الخمس الأولى، سددها “مانيه” بكل قوة، إلا أن الجبل العملاق أبعدها إلى خارج الملعب.. لتهدأ ثائرة الأسود، وينالهم بعض الإحباط بعد ضياع فرصة التقدم – إلا أن المنتخب المصري قدم مباراة كبيرة واستطاع فرض كلمته في كثير من أوقات المباراة التي سارت متكافئة برغم الهجوم الضاري للمنتخب السنغالي، واعتماد المصريين على المرتدات، إلا أن التنظيم الدفاعي المصري وتألق “الونش” و”عبد المنعم” ومن خلفهما البطل “جابسكي” حال دون اهتزاز الشباك المصرية؛ ليصل الفريقان إلى الوقت الإضافي الذي شهد بعض الهجمات من جانب لاعبي الفريقين الذين نال منهم الإجهاد وظهر على معظمهم؛ ليطلق الحكم الجنوب إفريقي صافرته معلنا الاحتكام إلى ركلات الترجيح التي انتهت لصالح السنغاليين بعد أن رد القائم كرة “عبد المنعم” وتصدي “مندي” لكرة “مهند لاشين” السهلة، ليطلق “ساديو” الطلقة الاخيرة معلنا فوز بلاده باللقب الغالي.
ورغم خسارة الفريق المصري للقب الذي يرى كثيرون أنه كان مستحقا، إلا أن مكاسب المنتخب من هذه البطولة كبيرة، منها اكتشاف عناصر أكثر من ممتازة تمثل مستقبل الكرة المصرية، مثل: محمد عبد المنعم، وعمر كمال عبد الواحد، وفتوح، والونش، وغيرهم.. وهم من أفرزتهم البطولة المحلية، ولا شك أن هؤلاء وعلى رأسهم الشناوي وأبو جبل قد قدموا مستويات تفوق بكثير ما قدمه محترفو الخارج بمن فيهم “صلاح” وهو مؤشر هام يفرض ضرورة الاهتمام بالبطولة المحلية، وتهيئة الأجواء لعودة الحياة الطبيعية للملاعب بوجود الجماهير، ومنح الثقة كذلك للمدربين الوطنين، بعد المستوى المحير للمنتخب قبل البطولة، والأداء شديد التحفظ الذي اصطبغت به خطط السيد “كيروش” الذي لم يكن ليحقق شيئا دون هذا الأداء البطولي لرفاق أبو جبل.
ملاحظات حول البطولة
من الممكن أن نقول أن الكاميرون قد نجحت في تنظيم البطولة رغم ضعف الإمكانات، إلا أن علامات استفهام كثيرة أحاطت بسلوك وأداء اللجنة المنظمة فيما يخص مسحات “كورونا” قبيل المباريات، وما حدث مع منتخب جزر القمر تحديدا، واضطراره للعب مباراة الكاميرون بمدافع في مركز حارس المرمى، كما كان تحيز بعض الحكام واضحا جدا لصالح أصحاب الأرض بصورة مبالغ فيها.. كما كانت المجاملات طابعا أساسيا في حفل الختام الذي شهد حصول “مندي” على جائزة أحسن حارس، في حين أن “جابسكي” الذي تصدى لخمس ضربات من نقطة الجزاء، ونفذ تصديات مذهلة منذ مشاركته الأولى في دور الـ 16، كان هو الأحق بالجائزة بلا أدنى شك.
كان من اللافت أيضا، تراجع أداء الفرق العربية –باستثناء الفريق المصري– ما ينذر بصعوبة التأهل لكأس العالم، ويوجب سرعة التحرك لعلاج الاخطاء وتدعيم الصفوف.
مازالت القارة السمراء تعاني من تحامل الاتحاد الدولي وعنصرية الأوروبيين ما يستلزم التكاتف، وأخذ مواقف أكثر صرامة أمام أي تجاوز، واللعب بورقة اللاعبين الأفارقة الذين يمثلون القوام الرئيسي لأكبر الفرق الأوربية وليس العكس.