لم يكن عيد الفطر المبارك عام1393هـ والذي صادف يوم السادس والعشرين من أكتوبر عام 1973، من ذلك العام عيدا عاديا كما سبقه من الأعياد على مدار قرون.
وإنما كان عيدا احتفلت به مصر على دوي أصوات المدافع والقنابل على جبهة القناة، فقبل ذلك العيد بأسابيع كان جُند مصر قد عبروا أكبر مانع مائي، وحققوا معجزة عسكرية في السادس من أكتوبر الموافق للعاشر من شهر رمضان الفضيل.
وقبل نهاية شهر رمضان من تلك السنة ببضع أيام، سعى العدو الصهيوني لحفظ ماء وجهه عبر تسلل قسم من قواته غرب قناة السويس فيما عُرف باسم “ثغرة الدفرسوار” محاولا تحقيق أي إنجاز عسكري.
وحين أخفقت تلك القوات في التقدم شمالا نحو مدينة الاسماعيلية الباسلة، سعى العدو إلى اقتحام مدينة السويس جنوبا؛ لكنه يواجه بمقاومة شعبية باسلة في الرابع والعشرين من أكتوبر أحبطت مخططاته.
وحين حل عيد الفطر يوم ٢٦ أكتوبر، سعى العدو من جديد، كما يؤكد الكاتب الصحفي محمد الشافعي في كتابه “السويس مدينة الأبطال” إلى استغلال انشغال أهالي المدينة؛ وخاصة المقاومين منهم بصلاة العيد في الصباح الباكر، فواصلت قواته قصف المدينة وحاولت اقتحامها من جديد.
إلا أن ما لم يدركه العدو؛ هو أن الكمائن التي نصبها أبطال المقاومة الشعبية في المدينة لا تزال في مواقعها، وتصدى المقاومون للمحاولة الصهيونية للتقدم صبيحة العيد كما فعلوا من قبل في معركة ٢٤ أكتوبر.
هنا لجأ العدو إلى أحد أكثر الأساليب خسة ووضاعة؛ حيث قام بأسر عدد من عمال شركة البترول في المدينة؛ محاولا استخدامهم كدروع بشرية تيسر له مهمة دخول السويس.
إلا أن صمود المدينة أحبط هذه المحاولة أيضا، حيث أجمعت قيادات المقاومة الشعبية في السويس على منع أي تقدم للعدو وفتح النار على قواته، أيًا كان الثمن.
وفي صباح اليوم التالي، ٢٧ أكتوبر ثاني أيام عيد الفطر المبارك، قام العدو بمحاولتين جديدتين لدخول السويس، مستغلا كلا من مبنى الدورة اللاسلكية ومبنى نادي شركة النصر للبترول.
وكان ثمة تصور عند قادة العدو، أن المقاومة ستكون أقل حدة بسبب عيد الفطر، إلا أن العكس تماما هو ما حدث، حيث فوجئ العدو بأن شراسة المقاومة لم تقل عن يوم المعركة (٢٤ أكتوبر) وأن الكمائن لا تزال كما هي.
وشهدت السويس في ذلك اليوم؛ معركة عنيفة للغاية عند منطقة “الزيتية” تمكن فيها أبطال المقاومة الشعبية من وقف تقدم دبابات العدو، وتدمير اثنتين من آلياته، ما أجبر بقية الدبابات على الفرار.
وحين أخفقت هذه المحاولة، أتبعها العدو بمحاولة أخرى في الخامسة مساءا عن طريق محور الهويس، مستخدما بعض الأهالي كدروع بشرية من جديد، لكن المقاومة فوتت الفرصة على العدو مجددا، ودمرت أولى الدبابات في ذلك الرتل وولت بقية الدبابات هاربة.
ومع حلول مساء ذلك اليوم، أدرك العدو أنه قد أخفق في احتلال المدينة الباسلة، ولم يجد قادته بُدا من الموافقة على مقترحات كان قد قدمها وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر، تقضي بإرسال مراقبين دوليين إلى نقاط الاشتباك بين القوات المصرية والصهيونية لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين.
ومهد إخفاق العدو الطريق لمفاوضات بين الجيشين المصري والصهيوني، عُرفت لاحقا باسم مفاوضات الكيلو ١٠١ والتي انتهت برفع الحصار الصهيوني عن السويس، وتراجع القوات الصهيونية إلى شرق القناة وهو ما تم بحلول شهر يناير من عام ١٩٧٤.
صمدت السويس لمدة ١٠٠ يوم كاملة، ولم ينل الحصار من عزيمتها ولا من صمود أبنائها، وبقيت تلك المدينة مصداقا لقول شاعرها الكابتن أحمد غزالي :
“طالعة السويس طالعة ثابتة كما قمم الجبال
والعة السويس والعة مارد هيتحدى المحال”.