لم يكن وصول فرسان المماليك إلى سدة السلطة، في كل من مصر والشام، في القرن الثالث عشر الميلادي، بالأمر اليسير أو بالطريق المعبد، وإنما اصطدم بمعارضة عنيفة وصل إلى حد الثورة عليهم.
وكانت أولى هذه الثورات هي ثورة القبائل العربية في مصر عام ١٢٥٣، للميلاد والتي قادها الشريف حصن الدين ثعلب.
ومن ناحية النسب، فهو حِصنُ الدين ثعلب، ابن الأمير الكبير نجمِ الدين علي، ابن الأمير الشريف فخر الدين إسماعيل، ابن حصن الدولة مجد العرب ثعلب بن يعقوب بن مسلم بن جعفر بن موسى، فهو شريف علوي وزعيم الجعافرة في تلك الآونة.
ويشير الدكتور أحمد مختار العبادي في كتابه “قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام” إلى أن القبائل العربية التي استوطنت أرض مصر امتهنت الزراعة لا سيما في الشرقية والصعيد وتحولت إلى شعب مستقر بدلا من حياة البداوة والتنقل وأطلق عليهم اسم “العرب المزارعة”.
ولعل هذا الدور الزراعي تحديدا، هو ما أدى إلى صدامات عديدة بينهم وبين المماليك، بسبب تعسفهم في تحديد أثمان المنتجات والتلاعب فيها، وسعي بعضهم لاحتكارها.
غير أن أسباب ثورة حصن الدين ثعلب لم تكن اقتصادية بحتة، وإنما كانت سياسية أيضا.. تهدف إلى “إلغاء حكم المماليك وإعادته إلى العرب الأحرار”.
ويذكر المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه “البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب” أن ثعلب قال: “نحن أصحاب البلاد” ومنع الأجناد من تناول الخراج، وصرح هو وأصحابه، بأننا أحق بالملك من المماليك”.
ويشير العبادي إلى أن السخط على المماليك؛ لم يقتصر على ثعلب وأنصاره من العربان وإنما تحول إلى حركة شعبية عامة وواسعة.
ويؤكد المقريزي أن العرب اجتمعت إلى الأمير حصن الدين الذي جعل من إحدى بلدات الفيوم قاعدة له وهم يومئذ في كثرة من المال والخيل والرجال” وأتوا من “أقصى الصعيد، وأطراف بلاد البحيرة والجيزة والفيوم، وحلفوا لهم كلهم، فبلغ عدد الفرسان اثنى عشر ألف فارس”.
واتصل الشريف حصن الدين بأحد أفراد البيت الأيوبي وهو الملك الناصر يوسف صاحب دمشق؛ ليعاونه في قتال السلطان المملوكي عز الدين أيبك إلا أنه لم يلق استجابة من هذا الأخير.
أدرك أيبك خطورة هذه الثورة على دولته الناشئة؛ فأرسل حملة لإخمادها ومن اللافت أنه اختار لقيادتها منافسه الأمير أقطاي.
وخرج أقطاي بالفعل من القاهرة في قوة قوامها خمسة آلاف فارس، وتلاقى الجيشان عند الشرقية ورغم بسالة العربان إلا أن المعركة انتهت لصالح المماليك الذين كانوا أكثر دراية بفنون القتال.
استطاع حصن الدين ثعلب أن ينجو من مصرع محقق في تلك المعركة وهنا تختلف روايات المؤرخين حول مصيره؛ ففي حين يورد المؤرخ المقريزي أن ثعلب راسل أيبك؛ طالبا منه الأمان لذاته فأجابه السلطان لذلك ووعده بإقطاعات له ولأصحابه فصدقه الشريف وتوجه إلى القاهرة إلا أن السلطان المملوكي غدر به وشنق أصحابه وأرسل ثعلب إلى الاسكندرية فحُبس فيها.
أما المؤرخ العُمري، فيؤكد أن أيبك ومن تلاه من السلاطين، لم يتمكنوا من القبض على ثعلب، وبقي يدير دولته المستقلة؛ حتى استدرجه الظاهر بيبرس، وقبض عليه بعد أن أمّنه ثم شنقه في الإسكندرية.
وبعيدا عن اختلافات المؤرخين حول مصير الأمير حصن الدين ثعلب، فإن الثابت أن إخفاق الهبة الشعبية التي قادها.. لم يوقف انتفاضات العربان؛ لا سيما في صعيد مصر ضد دولة المماليك حيث استمرت هذه الانتفاضات حتى نهاية دولتهم وأشار إليها المؤرخون باسم “فساد العربان”.