ممدوح حجاب، نقلا عن صفحته الشخصية على فيس بوك
بعث الثقافة المصرية من مرقدها.. سلاح الدولة الحاسم لتجفيف منابع إرهاب السلاح والعقيدة وقيم التخلف ومداواة أمراض المجتمع.. السلوكية والأخلاقية، حيث يبرز الدور المحوري بالغ الأهمية لبناء إنسانٍ متمسكٍ بقيم التقدم والحق والخير والجمال.. ورحم الله مشروع ثورة 23 يوليو الناصرية الثقافي الشامل، ومهندسه القدير الثائر الراحل الكبير الدكتور ثروت عكاشه.. مؤسس أكاديمية الفنون بكلياتها السبع، أوركسترا القاهرة السيمفوني، فرقة الباليه المصرية، متحف الرائد محمود مختار، مسرح القاهرة للعرائس، المؤسسة العامة للسينما.. إنتاج أهم كلاسيكيات السينما المصرية “الحرام” “المومياء” “البوسطجي” “القاهرة 30” “الزوجة الثانية” “المستحيل” “الأرض” “أرض النفاق” “غروب وشروق”…
إنشاء الهيئة المصرية العامة للكتاب، تأسيس معرض القاهرة الدولي للكتاب.. إصدار غزير رمزي السعر متنوع راقٍ من المؤلفات العربية، ومشروع الـ (1000) كتاب للترجمة، العصر الذهبي للمسرح المصري.. “سكة السلامة” “المحروسة” “عائلة الدوغري” “مأساة الحلاج” “معروف الإسكافي” “الفرافير” “الفتي مهران” “السلطان الحائر”…
إنشاء قصور الثقافة الجماهيرية بأنحاء مصر، ملحمة إنقاذ معبدي “أبو سمبل” وآثار النوبة، مشروع الصوت والضوء بالأهرام والكرنك، إنشاء قاعة سيد درويش للموسيقي بالهرم، إنشاء دار الكتب “الجديدة” علي نيل القاهرة، إنشاء متحف النسجيات المرسمة بحلوان، إنشاء القبة السماوية للعروض الفلكية، تأسيس السيرك القومي، إضافة إلي إصدار مجلتي الأطفال “ميكي” و”سمير”.
إنشاء التليفزيون العربي وتوزيع “أجهزة التليفزيون” بجميع أنحاء مصر، تأسيس إذاعة “صوت العرب” البرنامج الثاني/الثقافي، البرنامج الموسيقي، إذاعة القرآن الكريم… فيا لها من صناعة ثقافية ثقيلة؛ لبناء وتشييد العقل والوجدان المصري وصقل الشخصية المصرية، لتعود “ثانيةً” مساهمةً في الحضارة الإنسانية، تؤمن بمفاهيم الحق والخير والجمال…
وللأسف الشديد وفي أول وزارة شكّلها السادات عقب وفاة الرئيس عبد الناصر؛ استبعد الساداتُ الدكتور ثروت عكاشة من وزارة الثقافة! وبحلول 1974، (عام النكبة) أطلقت إشارة البدء لهدم المشروع الثقافي الوطني النهضوي الناصري للبناء الثقافي!
ملحوظة هامة أوردها السيد أنيس منصور -المعروف بعداءه لعبد الناصر- بعموده اليومي بالأهرام منذ سنوات، هي أن عبد الناصر كان يراجع مع رؤساء دور النشر الحكومية، الخطوط العامة لميزانيات تلك الدور، كما حدث مع المرحوم الدكتور السيد أبو النجا، حين كان يرأس دار المعارف.. حين لاحظ ناصر، ارتفاع أرباح دار المعارف، فاستوضح الأمر بقلق خشية أن تكون تلك الارباح المحققة، نتيجة ارتفاع سعر بيع الكتب؛ ما يجعلها في غير متناول الناس! ولكن د. أبو النجا أوضح له أن الارباح بسبب حصيلة الإعلانات، وليست بسبب ارتفاع أسعار الكتب! إلي هذا الحد كان الحرص علي أن يصل الكتاب (رسول المعرفة) إلي كل مصري، بسعر زهيد.
والآن.. يبرز سؤال هام أين مشروع الدولة الثقافي؟! فلا ملمح واحد، يكاد يبين! رغم أننا في عنفوان مواجهة بالسلاح والدم مع إرهابيين قتلة –غالبتهم من الشباب المغرر به– ولكن للأسف.. نحن نقاتل الإرهابيين بضراوة، ولا نحارب “فكر” الإرهاب! فضلا عن سطوة الإرهاب العقائدي الوهابي الظلامي، علي العقل الجمعي المصري منذ عام النكبة الشاملة 1974، لذلك فتفريخ الإرهابيين متصل ومستمر، لأننا لم نرد ونفند فكرهم الدموي الأعمى، ولم نهيِّئ ونطرح ثقافة مستنيرة وفنون راقية وإعلام هادف رصين، نبني بهم أجيالا مستقيمة الفكر، مستنيرة العقل!
ثم.. ألا يشكو المجتمع من أمراض اجتماعية خطيرة، تعوق التقدم والنهضة: إهمال وغش وفساد وفوضى وعدم نظافة ولا مبالاة وسوء سلوك وكلام سليط قبيح! لكل ذلك.. بات بعثُ دور الدولة الثقافي أمرا استراتيجيا حيويا بالغ الأهمية.. رحم الله الشهيدة الطاهرة.