بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري
نقلًا عن موقع 360
تمت الإشارة إلى حقيقة أن السعودية هي الهدف الأول أو الفريسة الرئيسية المستهدفة من فخ زيارة “بايدن” القريبة للمنطقة كما تمت الإشارة إلى حقيقة أن السعودية تستطيع -إذا امتلكت إرادة سياسية حازمة- أن ترد الصاع صاعين لسياسة التعالي الأمريكية في العامين الأخيرين وأن تجني منها ما يتفق مع مصالحها، وهو قليل وهين وتتجنب ما يضر هذه المصالح وهو كثير وجسيم.. لماذا؟
1- السعودية هي الدولة العربية الأكثر تأثيرًا في المنطقة مع تراجع دور مصر الإقليمي نتيجة لمعاهدة السلام مع إسرائيل ومع احتياج القاهرة المستمر للمساعدة المالية من الخليج لمواجهة أزمات دورية مزمنة تعاني منها بسبب انتهاجها سياسات انفتاح اقتصادية ريعية منذ نحو نصف قرن.
2- السعودية هي الدولة الأغنى عربيًا والعضو العربي الوحيد في نادي مجموعة العشرين الكبار اقتصاديًا، بسبب فوائضها النفطية واستثماراتها السيادية والخاصة، وقد تمرست سياستها الخارجية عبر هذه الوفرة المستمرة منذ 8 عقود منتظمة بسلاح مساعدات خارجية -منحًا ومنعًا- صنع لها ولاء نخب محلية وخلق لها دوائر نفوذ مؤثرة في العديد من البلدان العربية والأفريقية والإسلامية.
3- محمد بن سلمان هو الحاكم الوحيد في تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة الذي تجرأ على شن عملية انفتاح اجتماعي -وليس سياسيًا- أنهى به السطوة المذهلة للوهابية المتشددة على النظام السياسي والحياة الاجتماعية والثقافية. وهو أهم تغيير تاريخي في بنية الحكم في المملكة منذ عهد الملك فيصل الذي كان قد كرس شراكة الحكم بين الحكام “آل سعود” وشيوخ المذهب الوهابي “آل الشيخ” وحوّل المملكة إلى حاضنة وقاعدة الإسلام السياسي في العالم، توظيفًا له في إطار الحرب الكونية على الشيوعية والاتحاد السوفييتي التي قادتها الولايات المتحدة وكانت الرياض ذراعها الروحي والمادي الرئيسي. ويعني هذا أن القائد السياسي السعودي بوسعه عمليًا وإذا أراد المغامرة اتخاذ قرارات كبرى مفارقة للتقاليد السياسية الموروثة.
ويعني هذا أيضًا أنه -إذا توافرت الإرادة- فإن صانع القرار السعودي وسياسته الخارجية قد تحررا من عبء دور عانت منه السعودية نفسها، عندما ارتد عليها وعلى دول المنطقة خنجرًا في ظهرها في صورة الإرهاب القاعدي والداعشي.. إلخ.
4- المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها السعودية تاريخيًا عبر اتفاقي “روزفلت/عبدالعزيز” و”نيكسون/ فيصل” في تكريس النفوذ الأمريكي على المنطقة ووضعها تحت الخيمة الأمريكية يجعلها هي المنوط بها أن تخفف أو تتحرر ولو جزئيًا من هذا النفوذ، على الأقل تواكبًا مع حقائق العالم الجديدة وهي أن أمريكا التي لم يعد بوسعها الاستمرار كسيد وحيد متسلط على العالم تبقي هذا السيد في منطقة واحدة هي المنطقة العربية.
ومن الناحية الواقعية يوجد في يد لاعب الورق السعودي كروتًا عديدة هذه مجرد أمثلة عليها:
1- أن تعلن السعودية قبيل زيارة بايدن قبول اليوان الصيني عملة دولية لتسعير البترول بجانب الدولار وقبوله كعملة لصفقات النفط الخليجية.
2- من شأن هذا الموقف التأثير على هيمنة الدولار على المدى الطويل، إذ إن جزءا كبيرا من قوة الدولار مرتبط بتسعير النفط والغاز به عالميًا، كما أن حركة التجارة العالمية مرتبطة بالدولار، ودخول منافس للدولار مثل اليوان الصيني يعني تراجع لمكانة الدولار كعملة الاحتياطي الدولية، والتي شهدت بالفعل تراجعًا من حوالي 70% إلى حوالي 60% في العقدين الماضيين ومازالت تسجل تراجعًا تدريجيًا.
3- هذا الموقف يماثل في خطورته تفاهم “نيكسون – فيصل” 1973 بقصر تسعير النفط على الدولار، لكن في الاتجاه العكسي الذي يضمن بشكل أفضل بما لا يقارن مصالح الدول المنتجة للنفط ويعكس التغير في هيكل الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية وانتقال الارتكاز الاستراتيجي العالمي إلى آسيا والقوى الصاعدة مثل الصين والهند على حساب القوى الغربية التقليدية.. إلخ.
4- بيد السعودية أن تعلن صراحة أن العهد الذي كانت فيه دول الخليج في حاجة إلى ضوء أخضر من مندوب الإمبراطورية البريطانية في الهند والخليج قبل لقاء “روزفلت – عبدالعزيز” أو من ساكن البيت الأبيض بعد هذا اللقاء، قد ولى بدون رجعة وأن مسألة وراثة العرش في السعودية وباقي دول المنطقة هي مسألة داخلية بامتياز.
5- بيد السعودية أن تعلن أن حدها الأدنى هو خطة السلام العربية، وهي خطة سعودية بالأساس تبنتها الجامعة العربية وأنها لن تطبع مع إسرائيل قبل نشوء دولة فلسطينية على حدود 1967 بما فيها القدس الشريف، وأن تحالفًا أمنيًا أو “ناتو عربي/ إسرائيلي” هو خيار مدمر للمنطقة، إذ قد تؤدي اعتداءات إسرائيلية متوقعة على إيران تحت مظلة هذا الناتو الإقليمي المزمع متشجعة بعمقه العربي، إلى ردود فعل إيرانية وإقليمية خطيرة في صورة حروب في لبنان أو سوريا أو العراق وإلى سقوط الهدنة وعودة الحرب في اليمن إلى الاشتعال مجددًا، وهي حروب سيكتوي بها العرب أكثر مما سيكتوي بها الإيرانيون أو الإسرائيليون.
أفكك وأبسط هنا ما أراه منظومة قدرات وموارد سعودية للتعامل مع زيارة بايدن وتأثيرها في مسار المنطقة، أما القدرة على توظيف هذه الموارد في أدوات سياسة خارجية فعّالة ومتنوعة فهي مسألة أخرى، تستلزم وجود قيادة لديها الإرادة لنقل السعودية إلى مستوى جديد تمامًا من الحضور على الساحة الإقليمية والدولية، وهو أمر لا يحدث بدون قرار مستقل وله ثمنه في صنع السياسة الخارجية، بعيدًا عن نفوذ أي قوة دولية.