مازال صندوق النقد الدولي ينتظر ويترقب تنفيذ الحكومة المصرية لعدد من الإصلاحات واسعة النطاق التي كانت الحكومة قد تعهدت بها قبل، قبل إجراء المراجعة الأولى لبرنامج الإنقاذ المقدرة قيمته بثلاثة مليارات دولار والذي أقر في ديسمبر2022.
تأخر الاستجابة لمطالبات الصندوق المتعلقة بتحرير سعر صرف الجنيه، وتأثير ذلك على ارتفاع معدلات التضخم، وأسعار الفائدة.. كذلك ما يتعلق بصفقات خصخصة أصول الدولة – أثّر بشكل واضح على التصنيف الائتماني لمصر حسب وكالة “ستاندرد أند بورز” التي عدّلت النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقرة إلى سلبية، كما صنّفت الدين المصري طويل الأجل بالعملات الأجنبية عند (B).. في حين منحت وكالة “فيتش” الديون المصرية طويلة الأجل بالعملات الأجنبية تصنيف (+B)، مع نظرة مستقبلية سلبية.. بينما صنّفت وكالة “موديز” الدين المصري بالعملات الأجنبية عند (B3)، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
كان الأسبوع الماضي قد شهد ارتفاعا قياسيا لعلاوة المخاطر التي يطالب بها المستثمرون لحيازة السندات الدولارية المصرية؛ إذ قفزت لـ 1258 نقطة فوق سندات الخزانة الأميركية بحسب مؤشر بنك “جيه بي مورجان”.. فيما أشار خبراء ” جولدمان ساكس” إلى أن المخاوف الائتمانية تلك تزيد من نقاط الضعف الخارجية بالنسبة للاقتصاد المصري على المدى القصير.
في واشنطن التي تشهد اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي – صرّح محافظ البنك المركزي المصري أن رفع سعر الفائدة ليس الأداة الوحيدة.. ويستهدف المركزي نسبة تضخم تقدر بـ 7٪ زيادة أو نقصان نقطتين مئويتين بحلول الربع الرابع من العام المقبل. وكانت النسبة السنوية قد بلغت 32.7٪ في مارس، وهي الأسرع منذ 2016.
وأضاف محافظ المركزي “تخفيف مشكلات العرض وزيادة المنافسة سيؤدي أيضًا إلى خفض التضخم بشكل أكثر صحة وأسرع.. ونحن نعمل بجد لزيادة آليات التحويل، ونقوم بالعديد من الأشياء التي من شأنها أن تسمح لنا بالحصول على أسعار فائدة أكثر فاعلية”.
وأشار إلى أن السوق يحتاج إلى رؤية حقيقية ويحتاج إلى رؤية طريق للمضي قدمًا لبعض الوقت، وخطة لمدة عامين وثلاثة أعوام.. إذ لا يمكن استعادة الثقة وإدارة التوقعات إلا إذا توفرت الخطة الكاملة.. وهو ما يعمل عليه مع الحكومة حسبما أشار.
وكان المركزي قد حرر سعر صرف الجنيه المصري ثلاث مرات منذ مارس 2022، حتى يناير الماضي، ما أدى إلى انخفاض قيمته مقابل الدولار بنحو 25% خلال الشهرين الأخيرين، وبأكثر من 95% منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في مارس الماضي، ليُتداول حاليا عند حدود 30.60 جنيه لكل دولار.. في حين اتجهت العقود الآجلة غير القابلة للتسليم على العملة المصرية إلى تسجيل أكبر انخفاض منذ آخر تخفيض لقيمة العملة في يناير الماضي، مع تراجع العقود لأجل 12 شهراً بنحو 5% تقريباً إلى 42.9 جنيه مصري مقابل الدولار الخميس الماضي.. وقد صرّحت الخبيرة الاقتصادية علياء مبيض بـ “إن هذه المستويات السعرية للعقود الآجلة للجنيه غير دقيقة، لاسيما وأن السعر الفعلي الحقيقي حاليا هو أضعف من عام 2016، وذلك على الرغم من الارتفاع في تحويلات المصريين من الخارج بجانب حصيلة الصادرات وعائدات السياحة.. وأضافت أن جزءا لا يستهان به من هذه التدفقات لا يصل إلى النظام المصرفي الرسمي، بالتالي لابد من العمل على إدخال تبك التدفقات إلى التعاملات الرسمية.
وقد انعكست حالة عدم الاطمئنان تلك على أسعار الذهب في السوق المصرية؛ حيث سجل أعلى مستوى له على الإطلاق.. ليصل جرام الذهب عيار 21 وهو الأكثر تداولا في السوق المصرية، إلى 2440 جنيها. كما ارتفع سعر الجرام عيار 18 ليسجل 2091 جنيها. وقفز سعر الذهب عيار 24 ليسجل 2790 جنيها. ووصل سعر الجنيه الذهب إلى 19520 جنيها.
وقد كشفت الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية في مصر، عن رصد زيادات غير مبررة في الأسعار بالأسواق المحلية. واعتبرت أن الزيادات الأخيرة، غير مبررة نظرا لثبات سعر الصرف والثبات النسبي في حركة الطلب المحلي مقارنة مع حجم العرض الحالي.
ونصحت الشعبة، المستهلكين بالتروي في حركة الشراء لحين استقرار الأسعار بالأسواق وتناسبها مع السعر العالمي ومتغيرات السوق المحلية وعدم اعتبار الزيادة الحالية مؤشرا لزيادة مستقبلية في الأسعار قد تدفع البعض لزيادة مشترياتهم من الذهب.. بحسب تقرير نشره موقع العربية.
وما تزال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية بشأن مواجهة الازمة المتفاقمة – غير كافية، ويبدو أنها تحتاج إلى رؤى وأفكار جديدة وربما تحول جذري في السياسات المتبعة، فالإعزاء المستمر لأسباب الأزمة إلى العوامل الخارجية وحدها؛ لن يجدي كثيرا في ظل تزايد التحديات الداخلية وتفاقم الأعباء على الطبقات الفقيرة التي صارت تواجه صعوبات جمّة في توفير احتياجاتها من السلع الأساسية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في أولويات المرحلة القادمة، وإرجاء الإنفاق على المشروعات التي لا تحقق عائدا على المدى القصير.. والاتجاه بقوة نحو المشروعات التي تراعي الجوانب الاجتماعية إلى جانب العائد السريع.. وهو ما يحتاج إلى مرونة وواقعية ونظرة أكثر عمقا إلى الداخل، ربما بما يخالف توقعات ومتطلبات الخارج متمثلا في الكيانات والمؤسسات الدولية المانحة والدائنة على حد سواء.