مع تواصل الصراع العسكري في السودان، بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، ترتفع أسهم المخاوف في ليبيا من انزلاق البلاد نحو مستنقع الاشتباكات الإقليمية، لاسيما أن ليبيا تتقاسم الحدود مع السودان من الجهة الجنوبية الشرقية لها. ونظرا لما تتسم به هذه الحدود المشتركة من هشاشة أمنية، فإن ما يحدث بالسودان، بصرف النظر عن نتائجه النهائية، سينعكس على الأوضاع في منطقة الجنوب الليبي، بشكل يؤدي إلى مشكلات أمنية؛ من منظور أن عناصر الفريق “الخاسر” بهذا الصراع، سوف يجدون في جنوب ليبيا ملاذًا آمنًا.
هذه المخاوف، عَبّر عنها طاهر السني مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، في كلمته أمام مجلس الأمن، الثلاثاء 25 أبريل 2023، عندما أكد أن “الأوضاع في السودان سيكون لها التأثير المباشر والسلبي، ليس على السودان وحده، ولكن أيضا على ليبيا ودول الجوار، وبالأخص الجنوب الليبي”.
تأثيرات سلبية
واللافت، أن المخاوف من تداعيات الصراع العسكري في السودان، كما عَبّر عنها المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة، تُثير التساؤل حول التأثيرات السلبية التي يمكن أن تطال الجنوب الليبي، جراء هذا الصراع؛ بل، ومدى تأثير الصراع على الداخل الليبي عمومًا، المنشغل منذ سنوات بإيجاد مخرج لأزمة النزاع على السلطة؛ خاصة أن البلدين، ليبيا والسودان، كانا قد تضررا من الحرب التي دارت في إقليم دارفور، عام 2003؛ إذ برزت حينذاك حركات تمرد سودانية، واتخذت من جنوب ليبيا وحدودها، فضلا عن تشاد، مواقع لشن هجمات ضد النظام في الخرطوم.
من هنا، فإن أهم التأثيرات السلبية للصراع العسكري الحاصل في السودان، على الجنوب الليبي.. يبدو كما يلي:
أولًا: انتشار قوات “الجنجويد” في منطقة الجنوب الليبي؛ إذ، في حال تراجعت قوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني، يمكن أن تضطر مجموعات منها إلى الانتقال إلى إقليم دارفور، ومنها إلى الجنوب الليبي؛ حيث تتوافر الحاضنة الشعبية لقوات حميدتي، تلك التي تتمثل في عددٍ من المرتزقة السودانيين، “الجنجويد”، الذين كانوا قد شاركوا قبل سنوات مع قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، في “معركة الكرامة” 4 أبريل 2019، التي شنها حفتر على العاصمة طرابلس.
في هذه الحال، سوف تضطر مجموعات الدعم السريع، الالتحاق بعرقيتها من الجنجويد، المتحالفة أصلا مع قوات فاغنر الروسية؛ وهنا يمكن أن يتحول الجنوب الليبي إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية، والصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لتوافره على أكبر ثروة نفطية في ليبيا.
ثانيًا: تنامي الصراع القبلي على حدود ليبيا الجنوبية؛ فمع وجود عناصر من المرتزقة السودانيين، الجنجويد، في جنوب ليبيا، واحتمال انضمام بعض قوات حميدتي إليهم، فإن ذلك سوف يفتح الباب واسعا لتنامي الصراع القبلي على حدود ليبيا الجنوبية، خاصة الحدود الليبية التشادية، التي تبلغ 382 كيلو متر، حيث التناقض القبلي بين المكون العربي والمكون الأفريقي. إذ، لن يكون سهلا على مكون “الزغاوة” التسليم للمكون العربي “الجنجويد” بل، وقد يكون تحالف قبيلة “القرعان” مع عرب تشاد، إيذانًا بفتح الجبهة الليبية التشادية على مصراعيها، وسيكون تأثيرها الأمني والعسكري والاقتصادي سلبيًا في منطقة الحدود الجنوبية الليبية.
ويبدو أن الجنوب الليبي هو الخيار الممكن، بالنسبة إلى بعض المجموعات من قوات الدعم السريع؛ ويعود ذلك إلى أن هذه المجموعات، في حال اختيارها اللجوء إلى دارفور، سيكون هناك التصادم الحتمي مع الحركات المسلحة الدارفورية، المتمثلة في: تحرير السودان، تحرير السودان – المجلس الانتقالي، العدل والمساواة، تجمع قوى تحرير السودان، والتحالف السوداني؛ وهي الحركات التي كانت قد وقعت مع الحكومة السودانية اتفاق سلام، في 3 أكتوبر 2020؛ وفي الوقت نفسه، هي على النقيض من قوات الدعم السريع أو الجنجويد.
ثالثًا: تمدد نشاط الجماعات الإرهابية في جنوب ليبيا؛ حيث يمكن للعناصر المتطرفة والإرهابية، أن تسعى إلى استغلال الاضطرابات الأمنية الكبيرة في السودان، والوضع الأمني الهش في الجنوب الليبي، من أجل تنفيذ عمليات تستهدف عدة دول في الإقليم. ورغم أن السنوات الأخيرة، كانت قد شهدت تراجعًا بصورة ما في النشاطات الإرهابية في السودان؛ إلا أن الوضع الحالي، الذي قد يُنذر بحرب أهلية، يمكن أن يوجِد ظروفًا تُعيد السودان ليُشكل مركزا لانطلاق تهديدات إرهابية عبر الحدود، خاصة حدوده مع ليبيا.
أضف إلى ذلك، أنه في حال تواصلت الحرب بين طرفي النزاع، كما هو متوقع عبر دلالات حالة إجلاء الرعايا الأجانب، القائمة على قدم وساق من السودان، فإن الأوضاع المعيشية للشعب السوداني سوف تتدهور، ما سيتسبب في موجة هجرة ونزوح كبيرة، تستهدف دول الجوار، تلك التي بدأت مؤشراتها تلوح بوضوح. وهنا سوف تتحمل منطقة الجنوب الليبي العبء الأكبر، نظرًا إلى تأخرها في تأمين حدودها مقارنة بمصر أو تشاد. ومع موجات الهجرة والنزوح هذه، يتمدد نشاط الجماعات الإرهابية، بانتقالها عبر الحدود السودانية مع دول الجوار.
رابعًا: تراجع جهود سحب المقاتلين الأجانب من الجنوب؛ إذ كان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، عبد الله باتيلي، قد أجرى زيارة للسودان وتشاد والنيجر، مطلع أبريل 2023، ركزت على تجديد الالتزام المشترك إزاء جهود سحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من جنوب ليبيا. إلا أن اندلاع الصراع العسكري، سينسف سحب المقاتلين السودانيين، الذين يتخذون من الجنوب الليبي مستقرًا لهم، لمعارضة النظام عسكريًا، شأنهم في ذلك شأن المعارضة التشادية؛ وهو الأمر الذي سيطيل من مدة استقرارهم بالمنطقة، التي لا تتحمل وجود مسلحين قد يعرضون العملية الانتخابية المرتقبة في ليبيا للتخريب.
والملاحظ، أن جزءًا كبيرًا من المقاتلين والمرتزقة السودانيين، الذين كانت هناك محاولات لإعادتهم، في إطار مفاوضات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، والبعثة الأممية، هم من المنتمين لقوات الجنجويد، التي تنتمي بالأساس إلى قوات الدعم السريع. والملاحظ، أيضًا، أن هؤلاء المقاتلين والمرتزقة من الجنجويد السودانيين، كان لهم دور نشط مع طرفي الصراع الداخلي الذي ساهم في تقسيم ليبيا، بعد عام 2011؛ بما يعني أن تمركزهم في جنوب ليبيا، يُؤثر سلبًا على المنطقة، وعلى الداخل الليبي عمومًا.
فرضية محتملة
في هذا السياق، يُمكن القول بأن الصراع العسكري الذي تفجر في السودان، الجار الجنوبي الشرقي لليبيا، سوف يؤدي إلى عدد من التداعيات والتأثيرات السلبية على الجنوب الليبي؛ سواء عبر اتخاذ مقاتلي المجموعات المتمردة أراضي ليبيا قواعد خلفية لتعزيز صفوفهم، أو من خلال تدفق أفواج النازحين الفارين من نيران الاشتباكات، ومعهم المتطرفون والعناصر الإرهابية باتجاه المدن الليبية.
فإذا أضفنا إلى ذلك، احتمال أن ينضم المقاتلون السودانيون والتشاديون في ليبيا، إلى صفوف قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، وذلك في حال إذا ما جرى تجنيدهم للمشاركة في الصراع؛ فإن الوضع سوف يزداد اشتعالًا، ليس في السودان وحسب، ولكن في دارفور وفي الجنوب الليبي أيضًا. وهي “فرضية محتملة”، خاصة أن قوات حميدتي لديها الإمكانات المالية لذلك؛ فضلًا عن أن هناك تشابها من ناحية العرق، على غرار قبيلتي الفور والزغاوة.