في بداية القرن العشرين ارتبط العمانيون بالحركة الإصلاحيّة في مصر في شِقّها الدّينيّ، حيث “يرجعها بعض المؤرخين إلى وجود الحركات الإصلاحيّة في عهد محمّد عليّ باشا (ت 1849م)، وإرساله البعثات العلميّة إلى أوروبا، وبعضهم يرجع ذلك إلى حملة نابليون على مصر عام (1798-1801م)، ورغم فشل الحملة وقصر مدّتها؛ إلا أنّه كان لها الأثر العلميّ والاجتماعيّ في مصر، في حين يرى آخرون أنّ الدّراسات البحثيّة الاستشراقيّة، كان لها الدّور الأكبر في تحريك المياه الرّاكدة، ووضع لبنة البحث العلميّ الأكاديميّ القائم على المنهج العلميّ الشّكيّ في ذلك، ومع هذا يعتبر القرن العشرون انطلاقة في هذا الطّريق بداية من الإمام محمّد عبده (ت 1905م) وأستاذه جمال الدّين الأفغانيّ (ت 1879م) في مصر، وحركته الإصلاحيّة التّجديديّة”.
وارتباط العمانيين بالحركة الإصلاحيّة إمّا ارتباط مباشر تمثل في المراسلات المباشرة، فيذكر عليّ بن سالم الشّليّ في كتابه “الوجود الإباضيّ في مصر” أنّه “توجد مراسلات علميّة بين الإمام محمّد عبده والعلّامة نور الدّين السّالميّ”، والمسألة تحتاج إلى تحقيق أكبر، لكن يوجد ارتباط مباشر مع تلميذ محمّد عبده أي محمّد رشيد رضا (ت 1935م) من خلال مجلّة المنار، ومن خلال وجوده لفترة أسبوع في عمان – كما أوردنا في مقال سابق- ومن خلال المراسلات الشّخصيّة، فقد “ارتبط محمّد رشيد رضا.. بفيصل بن تركيّ، تيمور بن فيصل، يوسف الزّواويّ، الزّبير بن عليّ، والإمام محمّد بن عبد الله الخليليّ، بعلاقة قويّة ووطيدة ربطت بينهم”، ويذكر سلطان الشّيبانيّ أنّه يوجد “في أعداد سنة 1330هـ سؤالا عن الماسونيّة صادر من السّيد أحمد بن يوسف الزّواويّ، وفي أحد أعداد سنة 1347هـ أسئلة من مسقط وجّهها عبد الله بن عبد العزيز البلوشيّ، وأسئلة أخرى من محمّد بن سعيد غباش السّلفيّ العمانيّ، وفي المقابل نجد في أحد أعداد سنة 1331هـ انتقادا واستدراكا على المنار كتبه إباضيّ يبدو أنّه من أهل عمان لم يذكر اسمه”.
أمّا العمانيون في شرق أفريقيا فقد ارتبطوا بالحركة الإصلاحيّة في مصر ارتباطا مباشرا بشكل أكبر، مثل “الأمين بن عليّ المزروعيّ (ت 1947م) قاضي قضاة كينيا الذي عُرف باطّلاعه على مجلّة المنار”، “والشّيخ عليّ بن محسن البروانيّ وتأثره بأفكار كلّ من محمّد عبده، وجمال الدّين الأفغانيّ”.
وأمّا غير المباشر فعن طريق الحركة الإصلاحيّة البيوضيّة، نسبة إلى الشّيخ إبراهيم بيوض (ت 1981م)، ويرى المؤرخون الميزابيون أنّ الحركة الإصلاحيّة بمفهومها العامّ “كانت مع بزوغ شعاع النّهضة والإصلاح عند إباضيّة الجزائر في وادي ميزاب مع مطلع القرن الثّاني عشر الهجريّ، الثّامن عشر الميلاديّ، ومن أعماق الحياة الاجتماعيّة المترديّة التي مر بها وادي ميزاب أثناء هذه الفترة، ومن خضم الصّراع بين الحق والباطل، وبين التّجديد والجمود”، فيرجعها الأغلب إلى الشّيخ أبي زكريا يحيى الأفضليّ (ت 1202هـ/ 1788م)، ويرجعها آخرون إلى الشّيخ الشّيخ عمّي سعيد الجربيّ (ت 927هـ/ 1521م)، إلا أنّه من المتفق أنّ “للشّيخ محمّد عبده والشّيخ رشيد رضا من الأثر العميق في نفوس أهل الجزائر ما لم يكن لغيرهما من علماء الدّين المصلحين في المشرق، وقد سلك علماء الجزائر الذين قادوا نهضتها طريق الشّيخ محمّد عبده في الإصلاح الدّينيّ”.
حيث ترتبط الحركة الإصلاحيّة بالشّيخ بيوض الّذي انتهج منهجا مؤسّسيّا حركيّا، “ففي 21 مايو 1925م أسّس معهد الحياة للتّعليم الثّانويّ، مركّزا على الثّقافة الإسلاميّة، والعلوم العربيّة المعاصرة”، “وفي سنة 1931م شارك في تأسّيس جمعيّة العلماء المسلمين، وصياغة قانونها الأساسيّ”، “وأسّس عام 1937م جمعيّة الحياة بالقرارة؛ لأجل النّهضة الإصلاحيّة بالجنوب”، وتأثر العمانيون بهذه الحركة والتي تأثرت بالإصلاح المصريّ، عن طريق العلاقات السّياسيّة بين الشّيخ بيوض والإمام غالب بن عليّ الهنانئّ (ت 2009م) خصوصا، وعن طريق المراسلات العلمائيّة، ولانتشار كتب وفتاوى وأفكار هذه الحركة رأسيّا في عُمان، والسّبب الأكبر في نظري عن طريق الجانب التّعليميّ، فقد بعث الشّيخ بيوض تلميذه ناصر بن محمّد المرموريّ (ت 2011م) “بطلب من الإمام غالب ليكون مشرفا للشّئون الدّينيّة والثّقافيّة في مدرسة الإمام في القاهرة”، وفي زيارة الإمام غالب لمدينة القرارة، حيث “رأى ما عليه التّعليم في وادي ميزاب؛ رغب أن ينال بعض الطّلبة العمانيين شيئا من تلك التّربية الفريدة من نوعها، فكلّم الإمام الشّيخ بيوض، وطلب منه الموافقة في استقبال بعض الطّلبة العمانيين، فرحب الشّيخ بيوض، وقال: نحن على أتمّ الاستعداد، فهم أبناؤنا، وهذا شرف لنا، أن نساهم بتعليم بعض الطّلبة، لعلّ الله أن يجعل منهم رجالا وقدوة بالعلم والتّربية، عندما يتزودون بسلاح العلم”، “وفي عام 1966م بعث الإمام ستة عشر طالبا برئاسة الشّيخ يحيى بن سفيان بن محمّد الرّاشديّ”، “ثمّ بعث خمسة عشر طالبا برئاسة الشّيخ محمّد بن ناصر بن راشد الرّياميّ”، “وكان من اهتمام الشّيخ بيوض بالطّلبة العمانيين حيث بمجرد وصولهم إلى القرارة؛ فتح صندوقا للتّبرع باسم الطّلبة العمانيين في القرارة”، ثمّ بعد 1970، انتشر الفكر الإصلاحيّ بصورة أكبر في عمان، كما هاجر العديد من الإصلاحيين الجزائريين إلى عمان لطلب العلم أو التّدريس أو الإمامة.
والمدرسة الّتي أسّسها الإمام غالب في القاهرة بدأت من خلال استئجار “الحكومة المصريّة فيلّا في الزّمالك في شارع أبي الفدا على كورنيش النّيل، وحوّلت الفيلّا إلى مدرسة باسم: مدرسة إمامة عمان، وتكفلت الحكومة المصريّة بمصاريف الإيجار والكهرباء والماء، وفضلا عن أربع أساتذة مصريين، وكتب مدرسيّة، وكان ذلك في حدود سنة 1960، والأساتذة الكرام هم: الأستاذ عزمي ناظر المدرسة وأستاذ [كلّ] العلوم.. وابنه الأستاذ ممدوح أستاذ اللّغة الإنجليزيّة، والأستاذ الصّاويّ أستاذ اللّغة العربيّة، والأستاذ سمير أستاذ الرّياضيّات.. والشّيخ النّاصر المرموريّ أستاذ التّربية الإسلاميّة منتدبا من قبل أهل الميزاب في الجزائر”.
“ثمّ انتقلت [مدرسة إمامة عمان] إلى شارع محمّد مظهر في الزّمالك أيضا، وكانت بمساحة أكبر، وكانت تستوعب تسعة صفوف، منها صف واحد للبنات، وكنّ خمس بنات، واستمر وجود المدرسة إلى سنة 1968، حيث كان يهجرها كلّ الطّلبة بعد سنة واحدة أو سنتين دراسيين، وينضمون إلى مدارس أخرى أكثر احترافيّة”، “وكان الممثل الفكاهيّ المصريّ إسماعيل يس يسكن في شارع محمّد مظهر في شقّة مطلة على المدرسة، فكان من وقت لآخر يخرج إلى شرفة شقته ويتحف الطّلاب بما عنده من الحركات الفكاهيّة”.
وفي عهد السّلطان قابوس (ت 2020م) “تمّ تكريم [الأستاذ عزمي] من قبل حكومة سلطنة عمان في الثّمانينيّات، ومنح وساما سلطانيّا نظير خدماته وجهوده في خدمة الطّلبة العمانيين، كأستاذ في مدرسة إمامة عمان، ثمّ بعد ذلك كإداريّ في سفارة عمان في القاهرة”.
ومن الحركة الإصلاحيّة في مصر ولدت حركة الإخوان المسلمون على يدي حسن البنّا (ت 1949م) في 22 مارس 1928م، تحولت من حركة دعويّة إصلاحيّة إلى حركة سياسيّة تنظيميّة، معلنة العمل من أجل عودة الخلافة الإسلاميّة، بعد سقوط الدّولة العثمانيّة، وأنّ الإسلام دين ودولة، وأنّ دستور الدّولة القرآن، ولم تلق الحركة رواجا حينها في عمان عكس الحركة القوميّة واليساريّة في مصر، إلّا أنّ فكرها السّياسيّ في الشّورى المطلقة خلافا للقرشيّة في الجملة؛ تجانس مع الفكر الإباضيّ، كذلك بعد سقوط الحركات اليساريّة، وصعود حركات الإسلام السّياسيّ لقت كتب الإخوان رواجا كبيرا في الخليج وعمان، كما أنّ بعضهم في النّصف الثّانيّ من القرن العشرين انضمّ سياسيّا وتنظيميّا إلى الإخوان المسلمون وتطوّر ذلك إلى أحداث 1994م، لكنّها فشلت وفكّكت في الجملة.
كما ارتبط العمانيون بدرجات متفاوتة بالأزهر الشّريف، وتخرّج فيه رموز أكاديميّة كسعيد بن عبد العزيز بن عبد الرّحمن العليان (ت 2012م)، ومبارك بن سيف الهاشميّ (ت 2013م)، ومحمّد بن عبد الله بن عبد الرّحمن العليان (ت 2019م)، والمقرئ حسن الفارسيّ (ت 2021م)، وصالح بن أحمد الصّوافيّ (ت 2022م)، كما وفد من الأزهر رموز لها تأثير في الخطاب الدّينيّ العمانيّ المعاصر، مثل أبي الحسن محمّد شحاتة (ت 2006م)، وعبد الرّحمن البدريّ (ت 2019م).
كذلك استدعى الإمام غالب بن عليّ الهنائيّ للمدرسة في القاهرة “محاضرين من علماء ومشايخ الأزهر الشّريف، منهم الشّيخ محمّد الغزاليّ، والشّيخ حسن الباقوريّ، والشّيخ محمّد أبو زهرة، والدّكتور أحمد الشّرباصيّ، وغيرهم كثير”، وكان الطّلبة يحضرون أيضا “محاضرة السّيّد سابق الأسبوعيّة”، وجملة هؤلاء من المدرسة الإصلاحيّة.
مراجع المقالة:
مقالة التّواصل الجزائريّ العمانيّ من خلال الحركة الإصلاحيّة البيوضيّة؛ بدر العبريّ، نشر مجلّة الحياة، الجزائر – غرداية.
الوجود الإباضيّ في مصر؛ عليّ الشّليّ، ط مكتبة خزائن الآثار، عُمان – بركاء.
قبسات من أنوار البدر الزّاهر؛ سلطان الشّيبانيّ، ط الأجيال، عُمان.
العمانيون وأثرهم الثّقافيّ والفكريّ في شرق أفريفيا: 1870 – 1970م؛ هدى الزّدجاليّ، ط الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء…
معالم النّهضة الإصلاحيّة عند إباضيّة الجزائر؛ قاسم الشّيخ بالحاج ط جمعيّة التّراث، القرارة – غرداية/ الجزائر.
مشايخي كما عرفتهم؛ محمّد صالح ناصر، ط دار ناصر للنّشر والتّوزيع، الجزائر/ الجزائر.
مختصر السّيرة الذّاتيّة؛ ناصر الزّيديّ، مرقون.
العمانيون في بوروندي: رومونجيّة نموذجا؛ سلطان الشّرجيّ ط مكتبة بيروت، عُمان – مسقط.