تحوطا من الهبوط المتسارع في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار في السوق الموازية- واصل المستثمرون المصريون تعاملاتهم على نحوٍ غير مسبوق في البورصة المصرية التي اخترق مؤشرها الرئيس مستوى الـ 23ألف نقطة لأول مرة في تاريخه.. وسط توقعات شبه مؤكدة بتحرير قريب لسعر الصرف.
القيمة السوقية للأسهم ارتفعت بدورها إلى حوالي 116 مليار جنيه خلال معاملات الأسبوع المنقضي؛ لتصل إلى 1.589 تريليون جنيه.. بعد تركز معظم عمليات الشراء على الأسهم القيادية.
كانت الحكومة المصرية قد لجأت إلى تخفيض الجنيه ثلاث مرات منذ فبراير الماضي؛ ليصل في السوق الرسمية إلى 30.95جنيها للدولار، بينما وصلت قيمة الدولار حتى أمس في السوق الموازية إلى حوالي 48 جنيها، ما يعني أن الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي قد تجاوزت الـ 55%.. ما يشير إلى قُرب حدوث ارتفاعات في معدلات التضخم لم تشهدها البلاد من قبل.. كان معدل التضخم على أساس سنوي قد بلغ 38% خلال سبتمبر الماضي حسب تقرير رسمي.
ومع تصاعد وتيرة الأحداث في المنطقة، ودخول العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة أسبوعه الرابع، وتعاظم الدور المنوط بمصر القيام به دوليا وإقليميا- عزز بنك City Group نظرته التفاؤلية لسندات مصر الدولارية؛ وقد أرجع محللوه ذلك إلى عدة أسباب منها ما تمثله الدول المصرية من ثِقل في معادلة الصراع الدائر؛ وما يمثله ذلك من أهمية “جيوسياسية” لكافة الأطراف؛ وهو ما يجعل العالم حريصا كل الحرص على عدم انهيار مصر اقتصاديا.. وهو ما حدا بالبنك إلى تعزيز وزن مصر في محفظته النموذجية.. وحسب مؤشرات بلومبرغ- فقد تمتعت سندات مصر الدولارية بأفضل أداء في الشرق الأوسط منذ بداية الحرب.
كانت علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بالسندات المصرية قد تقلصت بنحو 128 نقطة أساس الأربعاء الماضي؛ لتصل إلى 1209، وكانت قد وصلت إلى ارتفاعها القياسي في مايو الماضي حيث بلغت 1486 نقطة أساس.
لكن مصر لم تبدِ استعدادا للتجاوب بشأن الحلول التي اقترحتها الولايات المتحدة والكيان الغاصب حول الترحيل المؤقت لسكان القطاع إلى سيناء لحين الانتهاء من العمليات العسكرية.. وهو ما سيؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي المصري، خاصة وأن مصر تسعى لزيادة قرضها الأخير من الصندوق إلى نحو خمسة مليارات بزيادة ملياري دولار، عما تم الاتفاق عليه في ديسمبر الماضي وفق ما عُرف ببرنامج الإنقاذ.
يتزامن ذلك مع اقتراب البنك المركزي المصري من الحصول على ودائع جديدة من السعودية والإمارات، تقدر بحوالي خمسة مليارات دولار.. كما تسعى الحكومة لقرض بقيمة نصف مليار دولار بدعم مباشر من مؤسسة “ضمان”.
بالإضافة إلى التداعيات الخطرة للوضع المتأزم على حدودها الشرقية، واستمرار الاقتتال السوداني جنوبا، وتردي الأوضاع في ليبيا بسبب الصراع على السلطة، مع تصاعد الأزمة الاقتصادية – تحتاج مصر إلى دعم عاجل على المستويات كافة؛ لما تمثله من ثقل استراتيجي لا تسطيع أي دولة في الإقليم تعويضه.. لذلك يُرجّح محللون أن يمارس المساهمون الرئيسيون في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة وأوروبا، ضغوطا على صندوق النقد؛ لتخفيف متطلباته والمضي قدما في البرنامج رغم بطء وتيرة الإصلاحات في القاهرة.
إن ما توجهه مصر من تحديات، تفرض عليها التعامل بوضوح وحسم مع المواقف المختلفة.. وهي قادرة على تجاوز الصعوبات التي تفرضها خطورة الأوضاع الراهنة؛ محافظة على مكانتها، رقما صعبا في معادلة القوى؛ مع تسليم كافة الأطراف- حتى الأطراف التي سعت للتقليل من أهمية دور مصر لحساب أدوار أكبر لها- بأن ما تتصدى له مصر من أعباء ومسئوليات إقليمية على مدى سنوات، لا يستطيع غيرها تحمّله لأشهر قليلة؛ فليس في مصلحة أحد – حتى الكيان الغاصب نفسه- إفشال مصر أو إضعاف دورها في الوقت الراهن؛ لانعكاس ذلك بالسلب على الجميع.