بقلم: عمرو حسين، كاتب صحفي
نقلًا عن موقع عروبة
أثبتت الأحداث الجارية في غزّة أنّ المقاومة الفلسطينية تمكّنت عبر صمودها وتصديها للعدو الصهيوني من إحياء الفكرة العربية بعد سنوات من تراجعها، لا على مستوى الخطاب الرسمي العربي فحسب وإنما أيضًا على مستوى الشارع العربي الذي انشغل بأزمات داخلية في كل قُطر بل ودخل بعض هذه الأقطار في أتون حروب أهلية دامية غاب معها – بشكل شبه تام في بعض الأحيان – البُعد العربي الأوسع والأشمل.
لكن معركة “طوفان الأقصى” أثبتت أنّ الفكرة العربية وإن تراجعت فإنها لا تزال حاضرة، بشكل فطري في أذهان شعوب أمّتنا. والفكرة العربية؛ هنا ليست ايديولوجية معقّدة أو مركّبة أو حنينًا إلى عصر ماضٍ، وإنما ببساطة شديدة تلك الفكرة التي تقول في جوهرها إنّ الشعوب الواقعة ما بين البحرين شرقًا وموريتانيا غربًا هي شعوب تربطها رابطة خاصة وأنّ مصيرها مشترك وليس بمعزل عن بعضها البعض.
ولعلي لا أبالغ إن قلتُ إنّ الروح التي أوجدتها معركة “طوفان الأقصى” في الشارع العربي هي سبيله لتجاوز الانقسامات المذهبية والحزبية التي وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي على مدار السنوات العشر الماضية، فالعروبة تتجاوز كلا الأمرين وتجمع الأمّة على حلم مشترك وضد عدو مشترك.
وهذا ما تجلّى في مشهد لتظاهرة حاشدة انطلقت في الضفة الغربية، إذ تصدّرها قس مسيحي فلسطيني، يهتف لمقاومة تصف ذاتها بأنها “إسلامية”، فالمتظاهرون لم يهتموا في كثير أو قليل بالهوية الدينية أو المذهبية لمن يدافع عن قضيّتهم، فدين المقاومة واحد وإن اختلفت المذاهب.
ومن الملاحظ هنا أيضًا أنّ الكثير من الأحزاب القومية واليسارية في المنطقة العربية تبدو وكأنها تجاوزت – ولو إلى حين- خلافها الأيديولوجي التاريخي مع الفصائل الإسلامية التي تحمل السلاح اليوم بوجه العدوان الصهيوني، بل إنّ مثقفًا عربيًا يساريًا معروفًا لم يجد حرجًا في أن يستخدم في حوار أجري معه على إحدى القنوات الإخبارية العربية تعبير “مقاتلينا” للإشارة إلى مقاتلي المقاومة الفلسطينية في غزّة، في تجاوز واضح للحزبية الضيقة والمقيتة في آن واحد.
إنّ صمود المقاومة على أرض فلسطين العربية، واستمرار تضامن الشارع العربي معها، من شأنه لا أن يحيي الفكرة العربية فحسب، بل أن يكرّس هذه الفكرة كحقيقة واقعة مجسّدة.. حقيقة سعى أعداء الأمّة وناهبوها على مدار نصف قرن وأكثر إلى طمسها واستبدالها بالقُطرية المحدودة.