“أكتوبر الأسود”.. هكذا علّق البعض على صفحات مواقع التواصل الصهيونية، على ما أبرزه الإعلام العبري من خسائر الجيش الصهيوني منذ مطلع شهر أكتوبر ٢٠٢٤.
فوفقا لإذاعة الجيش “الإسرائيلي” فإن 80 “إسرائيليا” قتلوا خلال شهر أكتوبر الجاري بينهم 64 قتيلا من الأجهزة الأمنية.
وأضافت الإذاعة المذكورة أن 33 مقاتلا سقطوا في جنوبي لبنان و19 مقاتلا في قطاع غزة منذ بداية أكتوبر الجاري.
وبذلك ووفقا للإعلام العبري؛ فإن أكتوبر ٢٠٢٤، يُعدُّ أحد أكثر الشهور دموية، منذ بداية معركة طوفان الأقصى في شهر أكتوبر أيضا من عام ٢٠٢٣.
يبدو أن شهر أكتوبر أصبح جرحا غائرا في الذاكرة الصهيونية، إذ لا يمثل ذكرى أليمة في تاريخ الكيان الصهيوني، وإنما في حاضره أيضا.
فإذا كانت الأجيال الأكبر سنا من الصهاينة، والتي تمثلها الحكومة الصهيونية الحالية؛ لازلت تتذكر وبمرارة شديدة، كيف أُخذ جيشها على حين غِرة لأول مرة، في تاريخ الصراع بين العرب والصهاينة، ظهيرة السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، بفضل هجوم مباغت مشترك من الجيشين المصري والسوري، على جبهتي قناة السويس وهضبة الجولان؛ فإن الأجيال الجديدة من الصهاينة رأت هجوما مماثلا رأي العين، في السابع من أكتوبر من عام ٢٠٢٣.
وترسم جريدة يديعوت أحرونوت العبرية، صورة حية لما حدث في ذلك اليوم المشهود فتقول: “بلغت تكلفة الجدار على حدود قطاع غزة 3.5 مليار شيكل، وتضمن جدارا بعمق عشرات الأمتار في الأرض، مزود بأجهزة استشعار متطورة، تكتشف أيضا الحفريات، واستمرت الأعمال دون توقف تقريبا، منذ عام 2018، حتى نهاية عام 2021، وفي بعض الأحيان كان يجري العمل، تحت إطلاق النار الحي على العمال، الذين كان عددهم حوالي 1200 شخص في ذروة المشروع، وفي النهاية بينما كانت الخشية لدى المؤسستين الأمنية والسياسية، في أن يتسلل مقاتلو حماس من تحت الأرض، فقد خرجت قوات النخبة التابعة للقسام من فوق الأرض ودمرت السياج العالي”.
وبعد عام كامل وفي الذكرى السنوية الأولى للمعركة المشار اليها أعلاه، لا يبدو أن الوضع قد اختلف كثيرا، بالنسبة للصهاينة في أكتوبر ٢٠٢٤.
ويختصر الجنرال السابق في جيش الاحتلال اسحاق بريك، الذي لقبته الصحافة العبرية بـ”نبي الغضب” لتحذيره من سيناريو مشابه، لما حدث في أكتوبر ٢٠٢٣، – المشهد بقوله “إننا بعيدون عن تحقيق النصر ومسلحو حماس ما زالوا بالأنفاق وأعدوا المؤن لعامين”.
وفي ظل اعتراف الجيش الصهيوني، بمقتل 777 ضابطا وجنديا على الجبهات كافة، منذ بداية الحرب -غالبيتهم العظمى في غزة- وإصابة 5206 ضابطا وجنديا، منذ اندلاع الحرب، جروح 767 منهم خطيرة؛ فإن هذه الخسائر -وفقا لتقرير لوكالة الأنباء الفرنسية- تؤثر على قدرة الجيش على إيجاد ما يكفي من الجنود لاستمرار المعركة.
ووفقا للتقرير.. فبعد مرور أكثر من عام على حرب غزة، أُنهكت قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه صعوبات في التجنيد، في حين أنه فتح جبهة جديدة مع لبنان.
هذا “الإنهاك” الذي يشير إليه التقرير؛ يبدو أنه وصل إلى المستويات العليا، في المؤسسة العسكرية الصهيونية؛ حيث صرح رئيس الأركان الصهيوني، بأنه “يتفهم الأثمان الباهظة التي يدفعها جنود الاحتياط ويجب إيجاد حلول”.
كما كشفت صحيفة هارتس العبرية، عن أن الأجهزة الأمنية، تعتقد أنه من الأفضل إبرام اتفاق لإنهاء الحرب، على جبهتي لبنان وغزة يتضمن صفقة تبادل.
وأوضحت أن هذه الأجهزة تعتقد أن بقاء الجيش لمدة أكبر في المناطق التي “سيطر عليها” تعرّضه لمزيد من الخسائر.
لقد مر عام من أكتوبر إلى أكتوبر، ولم تستطع كل جرائم جيش الاحتلال ومجازره بحق شعبي غزة ولبنان، أن تجعل الصهاينة يشعرون بالأمن، أو يستبعدون تكرار سيناريو السابع من أكتوبر.
وأظهر استطلاع لمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني، في أغسطس 2024، أن 41% من الجمهور قلقون جدا، على الوضع الاجتماعي في إسرائيل، بعد انتهاء الحرب، وأن 48% من الجمهور يشعرون بقلق أكبر تجاه التوترات الاجتماعية والسياسية الداخلية.
إن اكتوبر لا يزال ممتدا، رغم مرور أكثر من نصف قرن على العبور الأول عام 1973، والعبور الثاني عام ٢٠٢٣.