حوار: عاطف محمد عبد المجيد
إبراهيم فرغلي كاتب صحفي مصري، عمل مُحررًا في أكثر من مطبوعة مصرية وعربية منها مجلة العربي الكويتية، العربي العلمي، جريدة روزاليوسف، وإصدارات مؤسسة الأهرام المصرية، إلى جانب صحف أخرى.
وهو أيضا روائي له العديد من الإصدارات منها: كهف الفراشات، ابتسامات القديسين، جنية في قارورة، أبناء الجبلاوي، معبد أنامل الحرير، بيت من زخرف، عشيقة ابن رشد، قارئة القطار التي فازت بجائزة نجيب محفوظ، إلى جانب إصداراته المتعددة لليافعين.
تُرجمتْ أعماله إلى لغات عديدة منها الإنجليزية والإيطالية والألمانية، وقد حصل على جوائز أدبية عديدة، يحب الكتابة ويُخلص لها، ما انعكس على إعلاء قيمة كتاباته وجعْلها تنال الصدى المناسب لها، سواء من قِبل جمهور القراء أو من النقاد.
* لديَّ فضول لأن أعرف ما الصعوبات التي واجهتك في تجربتك مع كتابك الأول.. شعورك بعد نشره، الصدى الذي حققه، رأي النقاد والقراء فيه؟
** الكتاب الأول تمثّلَ في مجموعة قصصية بعنوان “باتجاه المآقي”، صدر عن دار شرقيات في العام 1997. وتضمّنَ عشر قصص قصيرة، تراوح زمن كتابتها حوالي سبع أو ثماني سنوات، ونُشر الكثير منها في دوريات وصحف.
وقتها كنتُ مفتونا بكتب دار شرقيات، التي كانت قد بدأت النشر منذ مطلع التسعينات بأغلفة مميزة وكتب جيدة جدا، ومن حسن الحظ أن صاحب الدار (حسني سليمان) وافق على نشر الكتاب، على أن أسهم بجزء من تكلفة الطباعة، في مقابل عدد من النسخ، أظنهم حوالي 200 نسخة. وقد صدر بغلاف من تصميم المصمم المبدع الفنان الراحل محي الدين اللباد.
أعتقد أن القراء والنقاد استقبلوه بشكل جيد، تلقيتُ مثلًا تعليقات إيجابية من الكثير ممن قرأوا الكتاب، وكذلك من بعض الكتّاب مثل صنع الله إبراهيم، ومحي اللباد، وكتب عنه البعض عدة مقالات، أذكر من بينها مقالا رأيته بالصدفة في جريدة القدس للكاتب محمود الريماوي، وهو من المقالات التي أعتز بها جدا. كما كتب محمد سلماوي -في عدد من أعداد أهرام الجمعة- مقالا بعنوان “إبراهيم فرغلي”، كتب فيه إشادة بالكتاب بوصفه الكتاب الأول لكاتبه.
وهذا بعض ما تسعفني به الذاكرة عن هذا الكتاب.
* في السنوات الأخيرة، رأينا من يتحدثون عن وجود صراع ببن الأجناس الأدبية المختلفة..أنت مع الصراع أم مع التجاور؟
** لا أعتقد بوجود صراع بين الأجناس الأدبية. ربما لا أفهم المقصود حتى بذلك أيضا. أظن أن الأدب بشكل عام قماشة واسعة جدا، لأشكال وصيغ وأساليب، وهناك تيمات أدبية تتسع، للتعبير عنها في أكثر من جنس أدبي، وهذا في حد ذاته حوار وتجاور.
* ماذا تمثل لك الكتابة.. متعة أم شقاء؟
** الكتابة عمل شاق، ربما يكون من الممتع الحديث عنها، أو صياغة أفكار حولها، ولكنها في حد ذاتها عملية تقتضي الكثير من الوقت والبحث والإلهام والتفرغ والقراءة، وكثيرا ما قد تسمح الظروف بعنصر واحد من بين كل هذه العناصر، على حساب بقية العناصر الأخرى، وربما قد تصبح الكتابة أمرا ممتعا إذا توفرت لها كل هذه العناصر معا، وأولها الوقت أي التفرغ.
مواصفات النجومية
*هل تتوقع أن يصبح الكاتب ذات يوم نجما، كنجوم الفن والرياضة.. والسياسة أحيانا؟
**لا أعرف أهمية أن يصبح أو أن يكون الكاتب نجما في الحقيقة. أعتقد أن الكاتب يحتاج أن يكون إنسانا طبيعيّا، أن يكون قادرا على الإنصات للطبيعة البشرية، والتدقيق والملاحظة في الطبيعة، وتجويد كتابته. أن يكون نجما يعني أن يشارك في احتفالات ويلتف حوله جمهور مثلا؟ لا أعرف.
كان يوسف إدريس نجما، وكان نجيب محفوظ نجما، وكان طه حسين نجما، وكذلك كان توفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس أيضا. وكانوا يمتلكون مواصفات النجومية بالتأكيد. لكن الزمن اختلف، لأن نجومية هؤلاء الكتاب تحققت في زمن كانت منظومة القيم في المجتمع مستقرة، وكان إنتاج المعنى مسألة لها أهمية وتقدير، اليوم يمكن أن يكون أي مطرب شعبي -لم يقرأ في حياته سطرا- نجمًا، وأن يكون أي تافه يرطن على قناة يوتيوب أو فتاة تقدم أي محتوى نجما، فما معنى نجومية الكاتب أساسا في أجواء كهذه؟
*هل تُرجمتْ أعمالك إلى لغات أخرى؟ وماذا أضافت إليك هذه الترجمات؟
**ترجمت ابتسامات القديسين للإنجليزية، وفصول عديدة منها للألمانية، والإيطالية، وترجمت بعض القصص للغات مختلفة. ولا أعتقد أن الترجمة أضافت لي شئيا، ربما باستثناء تقدير بعض القراء ممن قرأوا النص في الترجمة. أظن أن القارئ العربي يحتاج لأن يقرأ جيدا في ثقافته أولا، وأن يكون ما يكتبه موضعا للنقاش والقراءة وإعادة القراءة.
أظنني أهتم حاليا بأن يصل كتابي للمواطنين من القراء في الأقاليم، وكذلك في أرجاء العالم العربي.
*يُعتبر الشعراء الشعرَ أرقى أنواع الكتابة.. أنت بصفتك روائي ما رأيك في هذا؟
**مؤكد أن إنتاج الجملة “الشعرية” عملية إبداعية راقية، خصوصا إذا كان مبدعها شاعرا حقيقيّا، بمعنى قدرته على توليف الحالة الشعرية في نصه. وأظن أن العالم العربي بشكل عام ينظر للشعر بإكبار، وللشاعر بإعجاب. ولعل المأزق الذي يعاني منه الشعر هو التراوح بين الذائقة الشعرية التقليدية، التي لا تزال تتأمل القصيدة العمودية والشعر التقليدي الكلاسيكي؛ بوصفه النمط الوحيد الممكن للشعر- وبين الذائقة الجديدة التي أزاحت المفهوم التقليدي للشعرية عن القالب الموسيقي والإيقاع الرتيب لصالح “شعرية” المعنى، وشعرية الحالة. وبالتالي اقتراح الصيغ الجديدة التي بدأت بالتفعيلة ثم انتقلت للشعر الحر وقصيدة النثر.
وكل ما هو إبداع حقيقي في هذا كله مؤكد يحظى أو يليق به أن يوصف بالرقي.
تجارب كثيرة
*هناك من يرى أن من يكتب في أكثر من نوع إبداعي، لا يستطيع أن يتقن كل ما يكتبه، كما أن البعض يرى ذلك هروبا من نوع إلى آخر.. هل توافق على وجهة النظر هذه؟
**ممكن.. ولكني أيضا أعتقد أن لكل قاعدة استثناءً. وبشكل عام يمكن للشعراء كتابة النثر والسرد الروائي، وبعضهم يقدمون نصوصا سردية جيدة، لكن من الصعب على الكاتب الروائي أن يكتب الشعر مثلا. وهناك تجارب كثيرة من شعراء لكتابة رواية، وأيضا أذكر مثلا محاولات للكاتب الكبير الراحل إدوار الخراط، في كتابة الشعر.. وأظن أن الوصف الذي أشرت إليه يكون حقيقيّا لدى بعض الشعراء الذين قد لا تكون إمكاناتهم في إبداع قصيدة أو الشعر لافتة، ثم يكتبون السرد.
*لو لم تكن روائيّا، ماذا كنت تتمنى أن تكون؟
**أحب فن السرد، ولكن ربما تمنيت أحيانا أن أمارس الفن التشكيلي.
*فازت مؤخرا روايتك قارئة القطار، بجائزة أدبية رفيعة، فهل تؤثر الجوائز الأدبية في مسيرة الكاتب؟ وهل يؤثر عدم الحصول عليها سلبا عليه؟
**بشكل عام المفترض أن الجوائز لا تؤثر على الكاتب. لكن الآن هناك قرّاء مثلا لا يلتفتون إلا إلى الروايات الحائزة على جوائز، وأيضا هناك تكريس للكُتّاب الحائزين على جوائز. هذا مناخ جديد أفرزته ظواهر جديدة. ولعلها أثّرت أيضا بشكل ما على المناخ العام للأدب. لكن الكاتب الحقيقي صاحب المشروع الذي تعد الكتابة بالنسبة إليه تجربة خاصة ومغامرة مستمرة، لا تؤثر فيها الجوائز.
أظن أن دور الناشر في تسويق الكتب التي ينشرها لها دور مهم جدا في أن يحقق للكتاب مسيرة حياة تليق به، قبل وبعد الجوائز.
الاعتزاز بالزمن
*جائزة نوبل تداعب أحلام الكثير من الكتاب في كل بلدان العالم.. هل تمنيتها ذات يوم؟ وفي رأيك ما طرق حصول الكاتب عليها؟
**هي جائزة مهمة ولعلها حلم للكثير من الكتاب بالفعل. لكن لا أعتقد أنها يمكن حقًّا أن تشغل الكاتب ليحصل عليها. لا أعرف. ربما يناسب هذا السؤال، توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.
* ما الأعمال التي تعتز بها، بشكل خاص، من بين كل أعمالك؟
**أعتز بالزمن الذي قضيته في كتابة كل عمل من الأعمال. روايتي الأولى كهف الفراشات، لا تزال الذاكرة تحتفظ بالجو العام للكتابة. بالشخصيات ونمو الفكرة. أعتز بتجربة نمو الفكرة والشخصيات في أبناء الجبلاوي، كما لو أنها كانت مبارزة بين أفكاري، وشيطان كتابة يتحداني. أحب حالة الترقب في طريق شخصيات قارئة القطار، أعتز بكل أعمالي بالتأكيد، لأنني أُوليت كلا منها الوقت والاهتمام، لا أظنني استغرقت أقل من أربع سنوات بين أي عملين.
*في السنوات الأخيرة تحوّل الكثير من الشعراء إلى كتابة الرواية.. هل سنرى قريبا تحوّل الروائيين إلى كتابة الشعر؟
**أظن أن أغلب الكتاب في جيلنا على الأقل بدأوا بالشعر، فمن وجد نفسه في الشعر أكمل، وأما من وجد أن موهبته في الشعر لن تجعل منه شاعرا- اتجه إلى السرد أو توقف.
بالتالي أعتقد أن العكس غير صحيح، لا أعتقد أن يتجه روائي من السرد للشعر.. صعب.
*يظل الكاتب طوال حياته في رحلة معاناة، فهل فكّرت ذات يوم في اعتزال الكتابة، خاصة ونحن صرنا نقرأ بين فترة وأخرى عن كتاب أعلنوا اعتزالهم الكتابة؟
**الكاتب يفكر في كل شيء. هذا جزء من وجود الكاتب، أن يفكر حتى في اعتزال الكتابة، ولكنه لا يعتزل!
*ما الدور الواجب على المبدع في أوقات الأزمات التي تجتاح البشر والأوطان؟
**المبدع دوره في الأزمات، وفي غير الأزمات يرتبط بالوعي. الوعي الفني هو دوره الأكبر، وخلق الوعي دوره الأبدي، ووفق الظروف العامة؛ ينبغي أن يضع الفنان أو المبدع أولياته.
هموم النوع الفني
*ماذا تقول عن أولئك الذين يكتبون وكأنهم يعيشون في أبراج عاجية منفصلين عن هموم الناس ومشكلاتهم؟
**لا أعتقد أن الكاتب منفصل، ولو انفصل عن هموم الناس؛ فلا شك أنه سيكون متصلا بهموم النوع الفني نفسه، وهذا أمر لا يقل أهمية أبدا عن الاهتمام بهموم الناس.
القيم الجمالية في الفن والأسلوب والتجريب، هذه أمور أساسية جدا للعمل الفني وتاريخ الفنون والإبداع.
*يرى البعض أن قصص الحب هي التي تفجّر آبار الإبداع لدى الكتاب.. ما رأيك؟ وما الذي يُحْدثه الحب في حياة المبدع؟
**ربما في عمر المراهقة والشباب، لو المقصود قصص الحب الغرامية. لكن أعتقد أن الإلهام والإبداع يرتبطان بشروط كثيرة أخرى، مثل القراءة والمعرفة والاطلاع على التجارب الأدبية والفنون المختلفة والاحتكاك بالبشر والتعرف على الخبرات البشرية بشكل عام. أعتقد أن الحب ربما يكون له دور في الكتابة عن قصة حب مثلا. لكن أعتقد أن الكاتب يحتاج للاستقرار النفسي اللازم؛ لكي يوجد لنفسه المزاج المناسب للكتابة وعليه أن يتدبر كيفية تحقيق ذلك.
* أريدك أن تلخص تجربتك في الحياة والكتابة في جملة واحدة.
** “وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى”.
* هل كونك مبدعا يجعلك تفخر بذلك؟
** أفتخر بأنني صنعتُ أو حققت أي شيء، بدون شلة وبدون نفاق ويسعدني أن يرى البعض في ما أنجزه إبداعا.
*على الكاتب أن يكون مثقفا ومطلعا على شتى العلوم والمعارف.. ما المجالات التي تحب أن تقرأ فيها؟
**بالإضافة للأدب، الفلسفة، العلوم وخصوصا التناول الفلسفي، التاريخ، الفكر، النقد وتاريخ الأدب، التراث العربي، تاريخ الفن والعمارة، والرحلات.