في ظل التغييرات المستمرة التي تشهدها الجزائر على المستوى السياسي والاقتصادي، كان التغيير الوزاري الذي حدث الاثنين 18 نوفمبر الجاري – خطوة متوقعة.
رغم ذلك فإنه يحمل في طياته دوافع وتوقعات تثير الكثير من التساؤلات، حول مستقبله وأثره على الساحة الداخلية والخارجية. هذا التغيير الوزاري يعكس محاولات الحكومة الجزائرية للتكيف مع التحديات الراهنة، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، إلى جانب إعادة تشكيل هيكل الدولة بما يتناسب مع التطورات الإقليمية والدولية.
ويعكس تجديد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الثقة بالوزير الأول (رئيس مجلس الوزراء)، نذير عرباوي، الرغبة الجزائرية في تعزيز دورها الإقليمي، ولعب دور أكبر خارج حدودها؛ خاصة أن عرباوي له علاقات دولية واسعة وقوية.
هناك -في ما يبدو- عدد من العوامل الدافعة إلى إجراء التعديل الوزاري في الجزائر، بعد حوالي شهرين من فوز الرئيس تبون بولاية ثانية، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر الماضي، وتصدرها تبون بنسبة “84.3%”.
من جانب، هناك التحديات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر؛ حيث تعيش الجزائر فترة اقتصادية حرجة، في ظل الضغوط العالمية الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الأساسية والتضخم العالمي. هذا الوضع دفع الرئيس تبون إلى اتخاذ إجراءات لتعزيز إدارة الاقتصاد الوطني وتطويره، خاصة أن الإصلاحات الاقتصادية كانت من بين الأولويات المعلنة للحكومة الجزائرية، وكان من الضروري إدخال وجوه جديدة في الحكومة لإعطاء زخم جديد لهذه الإصلاحات، خاصة في قطاعات حيوية كالنفط والغاز، والقطاع المصرفي، والزراعة.
إذ، يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على صادرات الطاقة، لكن التذبذبات في السوق العالمي للنفط والغاز أثرت على الإيرادات التي تُغذي الموازنة الجزائرية؛ هذا فضلا عن أن التوترات الاجتماعية المتصاعدة، نتيجة البطالة وانخفاض القدرة الشرائية، دفعت الحكومة إلى البحث عن حلول سريعة، وتعيين وزراء ذوي خبرة في إدارة الأزمات.
من جانب آخر، هناك الضغوط الاجتماعية والسياسية؛ من منظور ما يشهده المجتمع الجزائري من حراك متزايد نحو المطالبة بالإصلاحات السياسية والاجتماعية. هذه الضغوط لم تهدأ منذ انطلاق الحراك الشعبي في عام 2019، بل باتت تتجدد مع كل أزمة اقتصادية أو سياسية داخلية. ومن ثم، فالإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الرئيس تبون، مثل تعديل الدستور وتطوير النظام الانتخابي، لم تحقق بعد التطلعات التي كانت متوقعة من قِبَل جزء كبير من الجزائريين، ما جعل الحكومة تشعر بضرورة تغيير بعض الأسماء؛ لتقديم حلول ملموسة وتخفيف حدة التوتر.
هذا، بالإضافة إلى الإصلاح الإداري وضرورته؛ إذ من الدوافع الرئيسة وراء التغيير الوزاري الأخير أيضا- الإصلاح الإداري؛ خاصة أن الرئيس تبون كان قد أشار في عدة مناسبات إلى ضرورة تحسين كفاءة الإدارة العامة، ومحاربة البيروقراطية التي تُعتبر عائقا أمام التنمية. وفي ما يبدو، فإن هذا الهدف يتطلب ضخ دماء جديدة في الحكومة؛ دماء جديدة تمتلك رؤية واضحة وقدرة على تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى، مثل البنية التحتية، الرقمنة، وتطوير القطاعات الإنتاجية.
من جانب ثالث، هناك ضرورة التجديد السياسي والاستجابة لتطلعات الشباب الجزائري؛ وهو ما يتأكد عبر توجه الرئيس تبون إلى تعيين وزراء جدد من الجيل الجديد، بما يعكس التزام الحكومة بالاستجابة لتطلعات الأجيال الصاعدة من الجزائريين؛ إذ تُشكل الشريحة الشبابية جزءا كبيرا من المجتمع الجزائري، وإشراكها في مراكز صنع القرار بات أمرا ضروريا لتعزيز الثقة بين الشعب والحكومة.
ثم هناك من جانب أخير، ما يتطلب مواجهة التحديات الإقليمية والدولية؛ فعلى الصعيد الخارجي، تلعب الجزائر دورا متزايد الأهمية في القضايا الإقليمية، سواء كان ذلك في ليبيا، الساحل الأفريقي، أو حتى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بل إن التوترات في منطقة الساحل، والصراع المستمر في ليبيا، يفرض كل منهما على الجزائر أن تظل لاعبا دبلوماسيا نشطا للحفاظ على استقرار حدودها الجنوبية. لذلك كان لابد من إعادة تنظيم الفريق الحكومي لمواجهة هذه التحديات الخارجية بفعالية أكبر.
إذن.. ماذا عن توقعات المستقبل بالنسبة لهذا التغيير الوزاري؟
من جهة، يُمكن توقع استمرار تعزيز الإصلاحات الاقتصادية؛ فمع التعيينات الجديدة في الوزارات الاقتصادية، يتوقع أن تركز الحكومة بشكل أكبر على تسريع الإصلاحات الاقتصادية، خاصة تلك التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على صادرات النفط والغاز. فالبرامج التي تهدف إلى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ستتلقى دفعا أكبر، وكذلك مشاريع البنية التحتية الكبرى.
أضف إلى ذلك، أن التغيير الوزاري قد يعزز جهود مكافحة الفساد، وهو من الملفات الرئيسة التي أعلن الرئيس تبون عن التزامه بها. ومن المتوقع أن تعزز الشفافية في التعاملات الحكومية وتحسين الأداء الإداري، وذلك عبر تقوية الرقابة وتحسين نظم التقييم للمشاريع الحكومية.
من جهة أُخرى، يُمكن توقع محاولة الحكومة في تخفيف التوترات الاجتماعية والسياسية؛ حيث ستكون الحكومة الجديدة أمام اختبار صعب يتعلق بمدى قدرتها على الاستجابة لمطالب الشارع الجزائري؛ ومن ثم، قد تعمل الحكومة على تقديم برامج اجتماعية أكثر فعالية، لتقليص معدلات البطالة وتحسين الظروف المعيشية. ومن المتوقع أن تزيد الحكومة من جهودها لفتح قنوات حوار جديدة مع المعارضة والمجتمع المدني، في محاولة لتخفيف الاحتقان السياسي.
أضف إلى ذلك، أنه مع تعيين وجوه شابة في بعض المناصب الحكومية، فمن المتوقع أن تتبنى الحكومة برامج تدعم الابتكار وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى تحسين بيئة ريادة الأعمال للشباب الجزائري. إذ، قد تلجأ الحكومة الجديدة إلى تشجيع الاقتصاد الرقمي وتوسيع الخدمات الإلكترونية، في القطاعات الحكومية، لتحسين الكفاءة وتقديم خدمات أفضل للمواطنين، وذلك محاولة لاجتذاب ثقة الجزائريين في أداء الحكومة الجديدة.
ومن جهة أخيرة، من المتوقع استمرار التركيز على الدور الإقليمي للجزائر؛ إذ على الصعيد الدولي، يتوقع أن تستمر الجزائر في لعب دور محوري في حل النزاعات الإقليمية، مع الحفاظ على سياستها الخارجية المتوازنة إلى حد ما. وقد تشهد الفترة المقبلة تكثيف جهود الوساطة الجزائرية في النزاعات المجاورة، خاصة في ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي. بالإضافة إلى ذلك، قد تعمل الحكومة الجديدة على تعزيز علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية لضمان استقرار الحدود وتحقيق الأمن القومي، الذي يواجه تهديدات متزايدة خاصة من جهة الجنوب.
وهكذا..
يبدو أن التغيير الوزاري الأخير في الجزائر، يُمثل خطوة مهمة نحو تجديد الهيكل الحكومي، بما يتناسب مع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد. وكما يبدو، ستكون الحكومة الجديدة أمام مهمة صعبة تتعلق بتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، التي تطالب بها شرائح واسعة من الجزائريين؛ وفي الوقت نفسه، الحفاظ على الاستقرار السياسي في ظل التوترات الإقليمية، المحيطة بالدولة الجزائرية.