على خلاف بعض الآراء التي ذهبت إلى احتمالية تخفيض سعر الفائدة – أبقت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي في اجتماعها الأول لهذا العام – أمس الخميس- على أسعار الفائدة دون تغيير عند أعلى مستوى لها.
أرجع من رجّحوا الإبقاء على سعر الفائدة، الأمر إلى تزايد الضغوط التضخمية الموسمية مع اقتراب شهر رمضان؛ بالإضافة إلى ضغوط أخرى محتملة بسبب ما يُعرف بالإجراءات الحمائية التي أقرها ترامب.
ووفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ فإن معدل التضخم في مدن مصر كان قد تراجع -بشكل طفيف- خلال يناير المنقضي، حيث بلغ 24% على أساس سنوي أقل عن آخر شهور السنة الماضية 0.1% بينما سجّل معدل التضخم في أسعار الغذاء في يناير 20.8% مقارنةً بـ20.3% في ديسمبر.
كان المركزي قد رفع أسعار الفائدة في فبراير ومارس 2024، بمجموع 800 نقطة أساس؛ ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب.. ويُعد الإبقاء على أسعار الفائدة أمس الخميس، هو الإبقاء السابع على التوالي.
بعد الاجتماع، صدر بيان البنك الذي أشار فيه إلى “ارتفاع المخاطر الصعودية المحيطة بالتضخم مقارنة بالاجتماع السابق؛ نتيجة تزايد عدم اليقين بشأن الآفاق العالمية والإقليمية، فيما يتعلق بتأثير السياسات التجارية الحمائية والتوترات الجيوسياسية”.
وتوقّع المركزي هبوط معدلات التضخم “بوتيرة أبطأ” بتأثير إجراءات ضبط المالية.. كما أوضح البيان أن “الإبقاء على أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي دون تغيير يُعد مناسبا في الوقت الحالي للحفاظ على السياسة النقدية التقييدية، وضمان تحقيق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم”.
وبالتالي، توقع المركزي أن “تقترب معدلات التضخم الشهرية من مستوياتها التاريخية على المدى المتوسط، ما يشير إلى تحسن توقعات التضخم”.
كان ترامب قد لوّح بإمكانية وقف المساعدات الأمريكية لمصر؛ ما لم تقبل بتوطين الفلسطينيين لديها، وهو ما رفضته الإدارة المصرية بشكل قاطع؛ كما أُرْجِئَت زيارة الرئيس المصري إلى واشنطن لأجل غير مسمى.. وتمثّل مصر رقما صعبا في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، فهي أكبر دول المنطقة من حيث عدد السكان – حوالي 110 مليون نسمة- بالإضافة إلى نحو من تسعة ملايين من دول الجوار التي تعاني من الصراعات الداخلية، بما يُمثِّل حوالي 8.7% من إجمالي السكان، حسب بيانات حكومية وتقديرات أولية.
وتنفذ مصر برنامجا للإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وقد بلغت ديونها الخارجية 152.9 مليار دولار بنهاية السنة المالية الماضية مقابل 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023.. بعد أن سددت الحكومة خلال العام الأخير 38.7 مليار دولار.
وتسعى مصر لتقليص اعتمادها على الديون في الفترة القادمة حسب تصريح لوزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الإثنين الماضي.. كما أكدت المشاط على التزام مصر بعدم تجاوز إصدارات الدين الدولية 4 مليارات دولار خلال السنة المالية 2024-2025.
وتسعى الحكومة في الفترة الحالية إلى حشد الموارد المحلية، وخلق البيئة المناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، كما تسعى – من خلال المفاوضات مع صندوق النقد- لإطالة أمد استحقاق الديون. وتبلغ الفجوة التمويلية التي تواجهها القاهرة خلال السنة المالية الحالية، نحوا من 10 مليارات دولار.
وكان مسئولون سابقون وحاليون، قد أكدوا -في تصريحات صحفية- على أن سياسات التوسع في الاستدانة؛ باتت قليلة الجدوى، وعلى الحكومة المصرية البحث عن بدائل أكثر نجاعة؛ مع استمرار الضغط على الصندوق لتحسين ظروف أداء أقساط وخدمة الدين، وكانت المديرة التنفيذية للصندوق قد صرّحت عقب تصريحات ترامب، أن الصندوق ماض في مساعدته لمصر، “وأن التقدم الذي تنجزه الحكومة المصرية، فيما يخص الإصلاحات المطلوبة من الصندوق، يساهم في تعزيز مركز البلاد المالي”. وأضافت أنها ليست معنية بـ “المسائل السياسية”.
وكانت غورغييفا قد صرّحت في أكتوبر الماضي، أن تعديل الصندوق للرسوم الأساسية والإضافية للبرامج والقروض سيوفر على مصر مبلغا إجماليا يبلغ 800 مليون دولار حتى 2030.
لا شك أن المتغيرات الأخيرة على المستوى الدولي، تجعل من الاعتماد على المؤسسات المالية العالمية أمرا محفوفا بالعديد من المخاطر، وأن البديل لن يكون سوى تنمية حقيقية في الصناعة والزراعة في المقام الأول، والاستفادة القصوى من المواد الخام.. وعدم تصديرها في حالتها الأولية، والاعتماد على مواردنا وخفض الانفاق على ما يمكن إرجاؤه ووقفه على يمكن إلغاؤه.. وإعادة ترتيب أولوياتنا بما يدعم الطبقات الأكثر تضررا من عواقب وتبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي.. الذي لم يرَ المصريون ثماره حتى الآن.