رؤى

مصالح أمريكا ودوافعها.. ونفط كردستان العراق!

كشفت وكالة رويترز في تقرير لها، أمس الجمعة، عن أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تُمارس ضغوطا مُكثَّفةً على الحكومة العراقية؛ لاستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق عبر تركيا؛ مُهدِّدةً بفرض عقوبات مُشابهة لتلك المفروضة على إيران، إذا لم تستجب بغداد للمطالب الأمريكية.

وفي ما يبدو.. تهدف واشنطن من هذا الإجراء إلى تعويض النقص المحتمل من النفط في الصادرات الإيرانية، بعدما تعهّدت بتقليص تدفقات النفط الإيراني إلى “الصفر” ضمن سياسة “الضغوط القصوى” التي تنتهجها ضد طهران.

المصالح الأمريكية

تقرير رويترز عن الضغوط الأمريكية على الحكومة العراقية لاستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق، يُسلِّط الضوء على قضايا معقدة تتعلق بمصالح الولايات المتحدة في منطقة استراتيجية غنية بالنفط. وتأتي هذه الضغوط في سياق العلاقات الجيوسياسية المتشابكة في المنطقة، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية، من خلال تعزيز استقرار إقليم كردستان وضمان تدفق النفط عبر طرق آمنة.

وبهذا الشكل تتعدد المصالح الأمريكية، في تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر تركيا.. على أكثر من جانب:

فمن جانب، تعمل الولايات المتحدة على تأمين إمدادات النفط؛ إذ تُعدُّ إمدادات النفط أحد العوامل الرئيسة التي تهم الولايات المتحدة في المنطقة. إقليم كردستان العراق يمتلك احتياطيَّات ضخمة من النفط، تُقدر بمئات الملايين من البراميل، ويُعدُّ مصدرا مُهمّا للطاقة يمكنه توفير إمدادات مستقرة للأسواق العالمية، خاصةً في ظل التوترات المتزايدة في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

النفط العراقي بشكل عام، والكردستاني بشكل خاص، يسهم في تأمين استقرار الأسعار العالمية، ما يحافظ على مصالح الولايات المتحدة والشركاء الدوليين لها، خاصةً في أوروبا.

إلى جانب ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليل الاعتماد على النفط القادم من مناطق أكثر اضطرابا، مثل الخليج العربي، خاصةً في ظل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران. لذلك فإن إقليم كردستان يُعتبر منطقة بديلة أكثر استقرارا لتدفق النفط إلى الأسواق العالمية، ما يسهم في ضمان توازن السوق النفطي.

من جانب آخر، الاهتمام بدعم الحلفاء الاستراتيجيين؛ فإقليم كردستان يُعتبر حليفا مُهمّا للولايات المتحدة في العراق والمنطقة بشكل عام. الدعم الأمريكي للإقليم ليس فقط اقتصاديا، بل يتجاوز ذلك إلى دعم عسكري وسياسي. من خلال تعزيز قدرة الإقليم على تصدير النفط، فإن الولايات المتحدة تُسهم في تقوية مركزه الاقتصادي، ما يجعله أكثر قدرة على الاستمرار بوصفه كيانا مستقرا، ومستقلا إلى حد ما عن الحكومة المركزية في بغداد.

هذا الاستقرار يخدم المصالح الأمريكية في العراق ككل، حيث يؤدي إلى توازن القوى بين الأقاليم العراقية، ويحدُّ من خطر تصاعد النفوذ الإيراني داخل الحكومة المركزية.

من جانب أخير، العمل الأمريكي على مواجهة النفوذ الإيراني؛ حيث إن إحدى الدوافع الرئيسة للولايات المتحدة في العراق.. هي مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد. إيران تُعد واحدة من أكبر المتحكمين في السياسات العراقية، خاصةً من خلال دعم الفصائل الشيعية المسلحة. لذلك، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز نفوذها في العراق، من خلال دعم إقليم كردستان بوصفه قوةً موازنةً للنفوذ الإيراني في البلاد. من خلال استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان، فإن الولايات المتحدة تُساهم في تقليل الاعتماد العراقي على النفط الإيراني؛ وبالتالي، تضعف قدرة طهران على التأثير على الاقتصاد العراقي.

دوافع وأهداف

إلى جانب المصالح الجيوسياسية، تسعى الولايات المتحدة إلى حماية استثمارات شركاتها النفطية في إقليم كردستان. شركات أمريكية كبرى مثل “إكسون موبيل”، و”شيفرون”، لديها استثمارات ضخمة في قطاع النفط الكردي، وأي تعطل في تصدير النفط يؤثر مباشرة على أرباح هذه الشركات، وعلى مكانة الولايات المتحدة كمستثمر رئيس في هذا القطاع. لذلك، من الطبيعي أن تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطا لضمان استمرار تدفق النفط، ما يعود بالفائدة على شركاتها، ويُسهم في تحقيق استقرار اقتصادي في الإقليم.

أضف إلى ذلك، إن تصدير النفط عبر تركيا يتيح لإقليم كردستان تقليل الاعتماد على الحكومة المركزية في بغداد، التي غالبا ما تكون عقبة أمام تصدير النفط بسبب الخلافات السياسية حول تقاسم العائدات والسلطة. الولايات المتحدة تدرك أن الاعتماد الكلي على بغداد لتصدير النفط قد يضعف موقف إقليم كردستان، ويؤدي إلى تقليل قدرته على التفاوض على المستوى الدولي. لذلك، فإن واشنطن ترى في تصدير النفط عبر تركيا وسيلة لتجاوز تلك العقبات، وتوفير مصدر دخل مستقل نسبيا للإقليم، ما يُعزّز من قدرته على الصمود في وجه الضغوط الداخلية والخارجية.

هذا، فضلا عن أن تصدير النفط الكردي عبر تركيا، يمنح الولايات المتحدة تأثيرا أكبر على مسارات تدفقات الطاقة العالمية. تركيا تعد ممرا استراتيجيا لنقل النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا، واستفادة الولايات المتحدة من هذه القناة تعني أن واشنطن يمكنها التأثير في قرارات استراتيجية تخص توزيع الطاقة، سواء من حيث الضغط على الدول المستوردة أو التأثير على الأسواق العالمية. هذا التأثير يُعزّز من مكانة الولايات المتحدة بوصفها لاعبا رئيسا في صناعة الطاقة العالمية، ويُمكِّنها من تعزيز سياساتها في مختلف القضايا الدولية.

في هذا الإطار.. فإن تقرير رويترز حول الضغوط الأمريكية لاستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان، يكشف عن العديد من المصالح والدوافع الأمريكية، التي تتجاوز البعد الاقتصادي لتشمل أبعادا جيوسياسية واستراتيجية واسعة؛ من حماية الاستثمارات الأمريكية في قطاع النفط، إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، وصولا إلى تحقيق استقرار اقتصادي لإقليم كردستان وتقليل الاعتماد الأوروبي على النفط الروسي.. هذه الدوافع، تمثل جزءا من استراتيجية أمريكية شاملة تهدف إلى الحفاظ على مصالحها في العراق والمنطقة ككل.

هذا، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذا الدعم إلى تأمين إمدادات الطاقة، حماية استثماراتها، تحقيق التوازن السياسي في العراق، تقليص النفوذ الإيراني، ومواجهة المنافسة الروسية في سوق الطاقة العالمي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock