رؤى

روسيا لن تدع أوكرانيا تمر دون قتال (1)

موسكو تهدد بالحرب لمنع كييف من الانجراف مع تيار الغرب

عرض وترجمة: أحمد بركات

تشي النُّذر بأنَّ روسيا قد تشنُّ هجوما عسكريا ضد أوكرانيا مطلع الشتاء، بعد أن قامت بحشد قواتها على طول حدودها مع أوكرانيا على مدى الأشهر الماضية، ما قد يمثل تقدمة لعملية عسكرية تستهدف حلحلة الجمود السياسي في أوكرانيا لصالح روسيا.

وبرغم أنَّ الرئيس الروسي قد يجد نفسه مضطرا مرة ثانية لخوض غمار دبلوماسية قسرية، إلا أنَّ موسكو قد لا تكون مخادعة هذه المرة. ففي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، ربما يتجدد الصراع على نطاق أوسع بكثير.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يخاطر بوتين بمواجهة اضطرابات جيوسياسية واقتصادية من خلال إعادة إشعال فتيل المواجهة العسكرية مع أوكرانيا؟

إجمالا، يمتلك بوتين سببا وجيها للاستثمار في الوضع الإقليمي الراهن. فقد ضمَّت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، ليحقق بذلك واحدة من أكبر عمليات الاستيلاء على الأراضي في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية. ولم تثبت العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا جرَّاء هذا الغزو أي تأثير، وحافظ الوضع الاقتصادي الروسي على استقراره.

بوتين
بوتين

إلى جانب ذلك تسيطر روسيا بقبضة من حديد على سوق الطاقة الأوربية، حيث تتجه الأمور إلى تفعيل خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي سيفاقم اعتماد ألمانيا على الغاز الطبيعي الروسي، برغم ما يواجهه من عقبات القانونية. في غضون ذلك، تخوض الولايات المتحدة وروسيا محادثات حول الاستقرار الاستراتيجي، حيث التقى “بوتين” نظيره الأميركي في يونيو الماضي كجزء من محاولات لإقامة علاقة مستقرة بين البلدين.

ومع ذلك، تسير كل من روسيا وأوكرانيا، من وراء الستار، صوب تجدد هذا الصراع الذي لم يتم حسمه، والذي قد يعيد رسم خريطة أوربا مرة أخرى، ويقضي على جهود واشنطن في تحقيق الاستقرار في علاقتها مع موسكو.

فعام بعد عام تفقد موسكو نفوذها السياسي في أوكرانيا. وفي العام الماضي أخذت حكومة كييف موقفا قويا من المطالب الروسية، ما يشير إلا أنَّها لن تتنازل من أجل العمل مع بوتين. ومع دعم الدول الأوربية الذي لا يتوقف للموقف الأوكراني، وسَّعت كييف نطاق تعاونها الأمني مع الأوروبيين والأميركيين.

ومع تزايد ثقة موسكو على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ربما أقنع تحول اهتمام واشنطن ومواردها صوب منافستها مع الصين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بأن أوكرانيا الآن تمثل قضية هامشية للولايات المتحدة. في الوقت نفسه، أشار القادة الروس إلى أنَّهم سئموا الدبلوماسية، ووجدوا أنَّ الاندماج المتزايد من قبل أوكرانيا مع الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي (الناتو) أمرا لا يمكن التسامح بحقه. ومن ثم، فقد بات المسرح الآن مُعدا لموسكو لإعادة موازنة المعادلة عن طريق استخدام القوة، ما لم تتمكن موسكو وواشنطن وكييف من التوصل إلى حل سلمي.

رغم ذلك، لا يوحي موقف القوة الروسية بأنَّ الحرب صارت وشيكة. ومن المحتمل جدا أنَّه لم يتم اتخاذ قرار سياسي بتدشين عملية عسكرية. ومع ذلك، فإنَّ النشاط العسكري الروسي في الأشهر الأخيرة يخرج تماما عن نطاق المألوف في أمور التدريب المعتادة، حيث تم نشر وحدات كانت متمركزة على بعد آلاف الأميال في المنطقة العسكرية الغربية المتاخمة لأوكرانيا.

الجيش الروسي
الجيش الروسي

كما أرسلت جيوش من القوقاز وحدات تابعة لها إلى شبه جزيرة القرم، فيما لا يمكن اعتباره أنشطة تدريبية روتينية، وإنَّما استعداد لعمل عسكري محتمل. وإضافة إلى ذلك، يبدو أن العديد من الوحدات تتحرك ليلا لتجنب المراقبة، بعكس ما كانت عليه عمليات الحشد في مارس وأبريل.

ومن ثم يصبح نشوب حرب أوسع نطاقا؛ هو السيناريو الأقرب والأكثر منطقية. وإذا حدث ذلك، فإنَّ اختيار “بوتين” لتوسيع دائرة الصراع المحتدم لن يكون متسرعا، إذ أنَّ إرث أزمة أوكرانيا 2014، يميل بدرجة أكبر إلى التصعيد منه إلى التجميد والتحول إلى سلام غير مستقر.

ماذا تغير، إذن، على مدى العام الماضي؟

أولا، لم تتمخض الاستراتيجية الروسية في اوكرانيا عن حل سياسي يمكن أن تقبل به موسكو. فبعد حملة 2018، التي أشارت إلى بعض الانفتاح على الحوار، قضى تحوَّل الرئيس “فولوديمير زيلينسكي” عن السعي للتوصل إلى حل وسط مع روسيا قبل عام واحد، على أي أمل في أن تتمكن موسكو من تحقيق أهدافها عبر المشاركة الدبلوماسية.

كما أنَّ موسكو لن تجد مفرا من العقوبات التي فرضها الغرب، ولم تحقق المحادثات بين روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا، من أجل حل الصراع في شرق أوكرانيا، أي تقدم. ومع تعثر هذه الجهود السياسية والدبلوماسية، فإنَّ موسكو تعرف أنَّ الجهود السابقة لاستخدام القوة قد آتت أكلها.

على الجانب الآخر، تعمل أوكرانيا على توسيع نطاق شراكتها مع الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ودول حلف شمال الأطلسي الأخرى. في هذا السياق، حصلت كييف على مساعدات عسكرية في شكل أسلحة فتاكة من واشنطن، فيما يتولى حلف شمال الأطلسي تدربب الجيش الأوكراني.

الجيش الأوكراني
الجيش الأوكراني

لا شك أنَّ هذه العلاقة تمثِّل شوكة في حلق موسكو، ومن ثم فقد انتقلت ببطء من مجرد اعتبار عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي “خطا أحمر” إلى معارضة التعاون الأوكراني المتزايد في مجال الدفاع مع خصومها الغربيين. فمن وجهة نظر الكرملين، إذا تحولت أوكرانيا إلى أداة في خدمة الولايات المتحدة ضد روسيا، وتوافرت للجيش الروسي القدرة على عمل شيء حيال ذلك، فإنَّ استخدام القوة يصبح عندئذ خيارا قابلا للتطبيق.

في الوقت نفسه، تبدو إدارة “زيلينسكي” ضعيفة أيضا، وغير قادرة على حشد دعم شعبي، حيث فشل “زيلينسكي” في عمل أي شيء لمحاصرة الفساد، أو لفصل أوكرانيا عن تقليدها الراسخ في الرضوخ لحكم “الأوليغاركية” حتى أن معدلات الموافقة التي حصل عليها بلغت، في أكتوبر 2021، وفقا لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، 24.7%، ما دفع بالمسؤولين الروس إلى أن يعربوا بجلاء عن عدم حاجتهم للتفاوض معه، وقضوا هذا العام بالكامل في محاولات لنزع الشرعية عن إدارته.

وفي حال استغنت موسكو عن مجرد ادعاء العمل الدبلوماسي فيما يتعلق بأوكرانيا، فإنَّ هذا يشير إلى تزايد احتمالية استخدام القوة أكثر من أي وقت مضى.

(يُتبع)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock