رؤى

الإخوان وهتلر .. «حلم النازية المنتحرة»

كل من يعرف «الإخوان» وتعامل معهم أو قرأ عنهم وعن تاريخهم الذي لم يكتب بعد، لابد أن يتفق معي أنهم ملوك الخيارات الخاطئة، وأن شعورهم المرضي بالرضا عن ذواتهم وتصرفاتهم، وطبيعة إدراكهم لحقائق الكون والعالم، وقدرتهم على توظيف كل شيء لصالح فكرتهم ومشروعهم، هو أمر راسخ فى طبيعتهم وأخلاقهم.

يبدو أن الشعور بالقدرة على توظيف الآخرين مهما كانت مواهبهم وقدراتهم لم يقف لديهم عند المسلمين فقط، بل امتد هذا الطموح ليطال الألمان، تلك الأمة الصاعدة فى مطلع العشرينات مع نشأة الجماعة.

هذا الانسجام فى التصور بين عقيدة هتلر السياسية وعقيدة حسن البنا الدينية حول الإيمان بالقوة والتنظيم، فضلا عن الأهم وهو وقوع حسن البنا وجماعته فريسة للدعاية النازية الجبارة التى أوحت للبنا أنه من الممكن دعوة هتلر للإسلام مادام معجبا به الى هذا الحد، وبالتالي تظهير تلك القوة الألمانية الجبارة لحساب الإخوان ومشروعهم.

التقى هذا الشعور لدى حسن البنا بمساعي ألمانيا –وقتها- فى البحث عن زعامات عربية وإسلامية، تستطيع تعبئة أبناء المستعمرات الأنجليزية والفرنسية لخدمة مشروع ألمانيا الإمبراطوري الجديد، لقوة لم يكن لها ماض استعماري أو خبرة تمكنها من السيطرة على تلك المجتمعات وتسخيرها لخدمة مشروعها.

تكفلت الماكينة الإعلامية النازية بتعبيد الطريق أمام هتلر حتى صنعت شعبية تحدث عنها أحد أركان إدارة هتلر، وهو بيير شرومبف بيرون الذى كتب يقول عن ذلك فيما كشفت عنه الوئاثق السرية للنازية: “كانوا فى العالم الإسلامي ينسبون لهتلر قوة خارقة، وهم على قناعة بأن لديه جنيا يقول له كيف ومتى يجب أن يتصرف، كما أنهم يعتبرون هتلر المسيح المنتظر المرسل لمحاربة اليهود”.

كان الفشل العربي فى مواجهة اليهود، والاتكاء على الأساطير وأحاديث الملاحم وفتن آخر الزمان عيبا بنيويا فى الشخصية العربية، رسمت خرائطه بوضوح كتابات استشراقية ألمانية دعمتها دراسات استخباراتية، كانت تسعى لتوظيف المجتمعات العربية والإسلامية لخدمة المشروع الألماني نكاية فى الإنجليز والفرنسيين، الذىن استعمروا جل العالمين العربي والإسلامي، وكان تقدير تلك الأجهزة أنه يمكن الاستفادة من النبؤات الدينية لدعم مشروع النازية عبر هذا الربط.

انتهت تلك الدراسات إلى أن فكرة ربط هتلر بالمهدي المنتظر غير ممكنة، لأن المهدي يجب أن ينحدر من نسب نبوي شريف، وهتلر ليس مسلما، ولهذا برز مقترح بديل هو ربط صورة هتلر بالمسيح عيسى، لأن المسلمين يؤمنون بالقدوم الثانى للمسيح فى نفس فترة ظهور المهدي الذي سيقتل المسيخ الدجال برمحه.

بدت فكرة تقديم هتلر باعتباره المسيح المخلص مقبولة، لذلك لم يكن غريبا أن يقول هتلر لمساعده بورمان: “تذكر كلماتي يا بورمان فأنا أنوي أن أصبح متدينا جدا، وأن أصبح شخصية دينية، وسأصبح عما قريب حاكما عظيما للتتار، وقد بدأ العرب والمغاربة بذكر اسمى فى صلواتهم”.

انطلقت وسائط الإعلام النازي في الترويج لهذا التقارب بين الإسلام ومبادئ الاشتراكية القومية التي يبشر بها النازيون، وإبراز هذا التناغم بين العقيدتين. كان مما رددته الإذاعة الألمانية فى هذا السبيل قولها: “يعتبر التقيد بالنظام فى كل شيء مبدأ واضحا كل الوضوح من مبادىء الإشتراكية القومية، وعلى الرغم من أن النظام فى القرآن لم يذكر بشكل مباشر، إلا أن العديد من سوره وآياته مع ذلك تشير إلى النظام بالذات”.

كان احترام القوة والإيمان بها حاضرا فى رسائل الإذاعة التي قالت فى أحد برامجها إن الإسلام يقدس القوة ويعتبرها قوام كل شيء ذاكرين حديث النبى الكريم “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”.

كان إيمان هتلر وأركان إدارته بالقوة التعبوية الجبارة للإسلام شديدا، وكان إعجابهم بتلك القوة أهم دافع للسعى لتجنيد تلك الأمم لخدمة مشروعهم.

كان هتلر فى قراءته للتاريخ الإسلامى معجبا بالفتوحات والانتصارات، وكان أهم ما لفته تلك الروح القوية للمقاتل المسلم، وقدرة النبي على تحفيز جنوده الذى وصفهم مساعده هيملر رغم ذلك بالغباء والجبن، يقول: “كان النبى محمد يعرف أن أغلبية الناس جبناء وأغبياء للغاية، ولهذا وعد كل محارب يقاتل بشجاعة ويسقط فى المعركة، بنساء جميلات، ويمكنك أن تستخف بالأمر أو أن تسخر من ذلك ولكن النبى اعتمد فى ذلك على حكمة عميقة، فالدين يجب أن يتكلم لغة البشر”. نعم الدين يجب أن يتكلم لغة البشر، والسياسة أيضا كذلك، لذا جعل البنا السياسة دين والدين سياسة.

لقاء جمع بين هتلر ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني

لم يخف حسن البنا إعجابه بهتلر وموسيليني، وانعكس ذلك فى حرصه على استلهام منهجهم فى بناء جماعته وتشكيلاته، وبدا تدشين قسم الجوالة والنظام الخاص تأكيدا على هذا التأثر. وهذا أمر قد يبدو مفهوما بالنظر لما حققته الدعاية الألمانية فى تلك الفترة، لكن المدهش أن الأوهام حاصرت البنا وجماعته إلى حد الاقتناع بأنه بالإمكان استغلال تلك العاطفة الدينية المزعومة لدى هتلر، التي ربما تدفعه للإسلام وتظهير تلك الحماسة مع ما تملكه من قوة لتكون فى خدمة الإخوان، وهو تكرار لأمر وقع فيه الإخوان مرارا ووقعت فيه جماعات إسلامية حركية، تصورت استسلاما لأوهامها أنها أذكى من خصومها، حين تختار استراتيجية توظيف طاقات العدو لمصالحها دون أن تعي فى النهاية أنها كانت مجرد مطية لمن يعرف فنون التخطيط الاستراتيجى وبناء الخطط ويتعرف على عدوه جيدا قبل أن يبدأ النزال معه. لم تعرف الجماعة ذلك الأمر أبدا، حتى إنها مارست الدعاية فى زمان سابق لتسمي هتلر باسم “الحاج محمد هتلر” الذى دعاه البنا أو أمين الحسيني للإسلام فلبى النداء سرا، استعدادا لخوض معارك آخر الزمان، فى أسطورة ترقد إلى جوار أساطير أخرى صنعت أسطورة الإخوان، الذين حلموا بأستاذية هى فى النهاية لون من ألوان النازية المنتحرة.

أحمد بان

كاتب و باحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock