كثر الحديث أخيرا عن المد اليميني الشعبوي في حكومات العالم، ولا يبدو هناك من هو أجدر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لتوصيف هذه الظاهرة.
دونالد ترامب اتخذ جملة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددا” شعارا لحملته الانتخابية قبل عام ونصف العام، وتصدر وعوده خلالها إقامة جدار عازل مع المكسيك لمنع المهاجرين من دخول أراضي بلاده، وبالفعل بدأ تنفيذ الجدار في أكتوبر من العام الماضي.
ترامب يعاين نموذج الجدار قبل الشروع في بنائه
الجدار لم يكن من بنات أفكار ترامب، فقد سبقه فيكتور أوربان بجدار أخر على الحدود مع صربيا منذ 2015 لمنع دخول اللاجئين الفارين إلى أوربا مع تعاظم أزمات الشرق الأوسط وفرار العديد إلى “جنة أوربا”.
بررت المجر حينها الجدار، بأنه ليس سوى وسيلة لتنظيم دخول اللاجئين طبقا لقوانين الإتحاد الاوربي، لكن الواقع شهد منعا كاملا لهم من دخول البلاد، وشهد العام نفسه 2015 اشتباكات لاقت انتقادات عالمية، ففي يوم واحد سقط أكثر من 200 جريح على الحدود بعد التعامل العنيف معهم من قبل الشرطة المجرية.
إحدى العائلات اللاجئة على الحدود المجرية.. والغاز المسيل للدموع لتفريق اللاجئين
في أبريل الماضي أعلن وزير العدل الأمريكي، جيف سينشز، عن ما أطلق عليه “سياسة عدم التسامح” مع قضية المهاجرين، وجدية إدارة ترامب في حبس كل عابري الحدود من غير الحاملين لوثائق الهجرة. وطبقا لبي بي سي، فأنه يتعذر في القانون الأمريكي، حبس الأطفال الصغار مع أسرهم ومن ثم يتم فصلهم وإيداعهم في منشآت منفصلة.
ويقول مسؤولو الهجرة في الولايات المتحدة إن 2342 طفلا فصلوا عن 2206 أشخاص من الآباء والأمهات، في الفترة الواقعة بين 5 مايو و9 يونيو.
وطبقا للمصدر السابق، يتم احتجازالأطفال أول الأمر في منشآت الجمارك وحماية الحدود داخل أماكن مسورة، لمدة ثلاثة أيام، ثم يتم نقلهم إلى مخيم من ضمن 100 مخيم مخصص في 17 ولاية للأطفال.
فيديو للأطفال داخل الأقفاص الحديدية
ومع انتشار الصور والفيديوهات المروعة، وصلت الانتقادات المضادة لقرار ترامب، إلى ذروتها حتى أن زوجته، ميلانا ترامب، قالت “أنا ضد فصل الأطفال عن أهاليهم الذين أوقفوا بسبب دخول الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية”، لكن ترامب حاول في البداية، الحصول على مكاسب من تلك الانتقادات، فوجه حديثه إلى الكونجرس، مطالبا إياه، بسرعة إقرار ميزانية تكفي للانتهاء من الجدار الحدودي الذي يتوقع أن تقارب تكلفته نحو ملياري دولار.
ظل ترامب يواجه الضغوط الخارجية والداخلية، لإصدار قرار بمنع الفصل متعللا بأنه “لا يمكنه عمل ذلك من خلال أمر تنفيذي”، ومصرا على أن الكونغرس هو وحده الذي يستطيع علاج المشكلة بتمرير تشريع إصلاحي لقوانين الهجرة، قبل يتراجع عن لاحقا ويضطر تحت ضغوط الرأي العام إلى إصدار قرار يقضي بالحفاظ على الأسر معا داخل مخيمات للمهاجرين، لكن مع عدم نفاذه بأثر رجعي، ما يعني بقاء الأسر التي تم فصلها بالفعل كما هي.
قبل يوم واحد من تراجع ترامب، اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وطبقًا لفرانس 24، وصفت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، المجلس بأنه “منظمة منافقة وأنانية وتستهزأ بحقوق الإنسان”، وجاء القرار بناء على إتهام ترامب، لمجلس حقوق الإنسان بأنه ينتهج “الانحياز المعادي لإسرائيل وشن حملة ممنهجة ضدها”.
نيكي هايلي
على جانب متصل، وافق البرلمان المجري، الخميس الماضي أيضا، على عدد من القوانين تحت مسمى “أوقفوا سورس” تجرم المنظمات التي تساعد المهاجرين جنائيا، وتتوعد بملاحقة أي شخص يساعد أخر دخل المجر بشكل غير شرعي، وهي القوانين التي كان أوربان قد تعهد بها قبل انتخابه لولاية جديدة في أبريل الماضي، ووصفت الأمم المتحدة القانون بأنه إعتداء على حقوق الإنسان.
الانتقادات الموجه لترامب لم تكن فقط على الصعيد الرسمي أو الحقوقي، لكنها شملت حملة توقيعات على موقع الحملات الشهير “آفاز”، فقد تبرع ما يقترب من 30 ألف شخص، بمبالغ تتراوح بين 5 و 15 يورو، من أجل تمثيل الأطفال والعائلات قانونيا أمام المحاكم الأمريكية. وقالت الحملة في بيانها: موجة الاحتجاج الشعبي العارمة دفعت ترامب إلى التراجع عن قرار فصل الأطفال عن ذويهم، الذي جرى تنفيذه في إطار سياسة “عدم التسامح المطلق” مع المهاجرين غير الشرعيين، لكن مصير الأطفال الذين جرى فصلهم عن عائلاتهم من قبل لا يزال مجهولاً، بعد أن تم احتجاز هؤلاء الأطفال في أقفاص معرضة للإضاءة طوال ٢٤ ساعة، دون أن يجيبهم أو يطمئنهم أحد، حيث يمنع على العاملين في مراكز الاحتجاز لمس أو احتضان الأطفال من أجل تهدئتهم، ومعظمهم لا تملك عائلاتهم محامين يعملون على إخراجهم.