في العام 1950 نشر الدكتور عبد الفتاح صبحي وحيدة كتابه الخطير “في أصول المسألة المصرية”. صدر الكتاب من مطبعة مصر ووزعته مكتبة الأنجلو المصرية، ثم أصدرت مكتبة مدبولي منه طبعة ثانية في مطلع الثمانينيات، وأصدرت الهيئة العامة للكتاب طبعة جديدة عام 2015 ضمن سلسلة العلوم الاجتماعية.
يقول أنور عبد الملك في تصديره للكتاب في طبعته الأخيرة: إن الكتاب ومؤلفه لا يزالان يحتلان مكانة هامشية من الرأي العام، فشباب مصر وكبار مثقفيها وساستها المرموقين لا يعرفون الكتاب ويستغربون إذا قيل لهم إنه كتاب مركزي ومؤلفه مفكر رائد.
أنور عبد الملك
ويلفت أنور عبد الملك إلي أن الدكتور وحيدة، المولود عام 1912، أصدر الكتاب بعد أن حاز الدكتوراه من جامعة روما وعمل بعدها في سكرتارية اتحاد الصناعات المصرية وسرعان ما تولى منصب الأمين العام بقرار من إسماعيل صدقي باشا رئيس اتحاد الصناعات وقتئذ.
يذكر أنور عبد الملك أن شهدي عطية، القيادي اليساري المعروف، كلفه بالاتصال بالرجل بعد قراءته للكتاب، رغم أن مؤلفه يمثل اتحاد الصناعات المصرية الذي يعبر عن تيار رأسمالي يميني، وهنا قابله بعمارة الإيموبيليا وتلاقت وجهات نظر الفريقين، حيث بدا د. وحيدة منتميا إلي فئة التكنوقراط رواد تصنيع مصر في تلك الفترة. يضيف أنور عبد الملك: استمرت لقاءاتنا حتي عام 1954 وظل الرجل مستمرا في موقعه باتحاد الصناعات المصرية رغم قدوم نظام حكم جديد ائتمنه علي مركز الرأسمالية الصناعية في البلاد. وإبان الاستعداد لمعركة السويس لدفع العدوان الثلاثي عن البلاد ذاع خبر مفزع، عن قتل مؤلف الكتاب وهو يهم بالخروج من منزله مطعونا بسكين فراش كان يعمل في مكتبه.
شهدي عطية
يهتم مؤلف الكتاب بالمسألة الاجتماعية الاقتصادية وتحولاتها في مصر منذ ما قبل الفتح العربي لمصر مرورا به وبالدول التي تعاقبت علي حكم البلاد وكيف أثر ذلك علي الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد في أطوارها المختلفة. ويخلص المؤلف إلى أن أصل مشاكل مصر وأساس ما أطلق عليه الكتاب “المسألة المصرية” هو المسألة الاقتصادية الاجتماعية، التي لو تحسنت وتم النفاذ لحل آثارها وعمقها في بنية المجتمع لكانت قادت البلاد إلي تغيير هائل منع تعرضها للاحتلال وتداول حكمها من قبل قوى أجنبية، كما كان سيمنع تعرضها للاستعمار الغربي من بعد ذلك حين طرقت الحملة الفرنسية أبواب البلاد عام 1798م.
يتعرض الكتاب لفترة حكم محمد علي منذ عام 1805 وحتي الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، مؤكدا أن الشعب المصري لديه القدرة علي أن يبدع ويعبر عن وجوده حين تتاح له الفرصة، ويدلل علي ذلك بمشاركة الجنود المصريين في جيش محمد علي واستغلال إبراهيم ابنه لنزعة المصرية لدي الجنود المصريين.
ويكشف الكتاب عن صعود نزعة مصرية مفارقة للدولة العثمانية وللقيادات التركية والشركسية التي كانت تسيطر علي الجيش، ويري أن حركة عرابي في جزء منها هي شعور بهوية مصرية في مواجهة الاستحواذ والسيطرة للقيادات غير المصرية في الجيش. كما يعتبر أن صعود المؤسسات النيابية وظهور طبقة مثقفين مصريين وسياسيين مصريين دعمها الخديوي إسماعيل كجزء من محاولته مواجهة الدولة العثمانية لكنها استقلت عنه وأصبحت تعبر عن بزوغ مصري أصيل عبر عن نفسه بعد ذلك في قادة سياسيين ظهروا بعد الاحتلال البريطاني للبلاد مثل أحمد عرابي في الجيش والشيخ محمد عبده في الأزهر ومصطفي كامل في السياسة، لتبلع تلك الموجة اكتمالها مع ظهور سعد زغلول والوفد وثورة 1919 ثم الاستقلال عن الدولة العثمانية وإصدار دستور 1923.
إسماعيل صدقي باشا
وينبه مؤلف الكتاب في مواضع متفرقة منه إلي أن تقليد الغرب ونقل مؤسساته الدستورية وطرائقه في أنماط استثمار الأموال والمؤسسات القائمة عليه وطرائقه في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا يكفي وحده، إنما يحتاج إلي النفاذ إلي عمق التكوين الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لمصر وفهم طبيعة هذا التكوين. ويوضح أن مصر تتميز بتكوين زراعي بالأساس أغلب نخبه من متعلمين وسياسيين ومبدعين جاءت من الريف، مع تكوين ديني يصل الناس بالسماء أكثر من ارتباطهم بالأرض. ويخلص المؤلف إلى أن مصر هي مجتمع في حال تحول وتنازع بين نزعات منبهرة بالغرب تريد نقل حياته ونظمه كما هي، وأخرى أحاطت بها تقاليد المجتمع الشرقي حتي أغرقتها، ومن ثم فإن الوعي هو أن نأخذ من الحضارة الغربية ما يلائمنا كمصريين ومن ثقافتنا الشرقية ما يصلح حالنا.
المسألة المصرية سؤال طرحه المؤلف في كتابه الوحيد، ولا تزال المسألة المصرية مطروحة علينا كمصريين حتي اليوم باعتبارها مسألة تخصنا نحن أهل مصر، وحسم الإجابة بأيدينا نحن وليس بأيد غريبة أو خارجية.