رؤى

القاعدة بعد الربيع العربي.. عِقدٌ من التمدد والخسائر والتطور (2)

الربيع العربي يسرع وتيرة إضفاء الصبغة المحلية على القاعدة

فاجأت المظاهرات التي اندلعت ضد الأنظمة الحاكمة في جميع ربوع العالم العربي، في بداية عام 2011، قادة تنظيم القاعدة، وأظهرت عدم استعدادهم للتعاطي مع الانهيار المفاجئ والسريع للأنظمة العربية، ولم يكن للتنظيم أي دور في هذه المظاهرات الشعبية، ولا في صياغة المطالب الشعبية بعد ذلك.

وسارع قادة التنظيم للتعاطي والتواجد في قلب الحدث، خاصة بعد أن فقد التنظيم قائده الكاريزمي ومؤسسه، أسامة بن لادن، في مايو 2011. ونجح الربيع العربي في تحقيق ما فشل فيه التنظيم طوال الوقت، وهو حشد المسلمين السُنة ضد الأنظمة العربية.

رغم ذلك، أتاحت حالة عدم الاستقرار التي غشيت المنطقة في أعقاب الثورات للقاعدة فرص “تحويل” سرديتها ومنح الأولوية لبناء علاقات محلية للمضي قدما بأهدافها العملياتية في العالم الإسلامي.

لقد قوضت الثورات السلمية في تونس ومصر الفرضية المركزية لتنظيم القاعدة، والتي تقوم على أن الإطاحة بالأنظمة يعتمد ابتداء على إضعاف الولايات المتحدة، ثم عبر العنف فقط.

ثورة 25 يناير
ثورة 25 يناير

ففي عام 2007، قال نائب قائد تنظيم القاعدة آنذاك، أيمن الظواهري إنه “مهما كان شكلها، ومنهجها، ووسائلها، تبقى القوة عنصرا رئيسا في التغيير”. وكتب أنور العولقي لاحقا عن الربيع العربي: ” عندما جاء من تونس، لم يره أحد يحدث في مصر”. وأشار السيناتور الراحل جون ماكين، بعد الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك إلى أن “الثورة المصرية تعتبردليلا دامغا على نبذ الشعب المصري للقاعدة التي تعتقد أن الطريق الوحيد للتغيير يمر عبر العنف”.

وما زاد الطين بلة بالنسبة للتنظيم هو انقياد الانتفاضات الشعبية لقيم القومية والديمقراطية. علاوة على ذلك، اختار السلفيون، الذين كانوا حلفاء محتملين للقاعدة قبل اندلاع الربيع العربي، المشاركة في الحكومات اللاحقة، ما دفع بالقاعدة إلى هوامش المجتمع، حيث لم يكن التنظيم هو كاتب السيناريو أو الموجه للأحداث في الأيام الأولى من اندلاع الثورات.

وأدى مقتل أسامة بن لادن، وما تمخض عنه من تكثيف الاستهداف الأميركي الناجح لكبار قادة التنظيم إلى تفاقم المشكلات التي يعاني منها القاعدة. فمع موت بن لادن، فقد التنظيم حكماءه على المسرح العالمي. وما كان يفتقده خليفته أيمن الظواهري من كاريزما؛ عوَّضه من خلال كلمات الهجاء اللاذعة.

لقد كانت سلطة الظواهري تنبع بالأساس من تاريخه الطويل كمجاهد، ومن عقودٍ من العلاقات الحاسمة والمهمة، وليس من قدرته على القيادة والإلهام. وما أضاف إلى أزمات القاعدة هو نجاح الولايات المتحدة وشركائها في التخلص من خمسة، على أقل تقدير، من رموز التنظيم في غضون شهور من الهجوم الذي أودى بحياة مؤسسه.

أيمن الظواهري
أيمن الظواهري

ففي باكستان قتلت الغارات بالطائرات المُسَيَّرة الأميركية “إلياس كشميري” عضو اللجنة العسكرية بالتنظيم في يوليو، ثم عطية عبد الرحمن في أغسطس ومن بعده قائد القاعدة في باكستان أبو حفص الشهري في سبتمبر، كما أدت عملية أميركية باكستانية مشتركة إلى اعتقال الزعيم القاعدي يونس الموريتاني في سبتمبر أيضا. وفي الشهر نفسه، أدت غارة أميركية بالمُسيَّرات إلى مقتل أنور العولقي في اليمن.

إضافة إلى ذلك، قُتل زعيم القاعدة في شرق إفريقيا، فاضل عبد الله محمد عند نقطة تفتيش في الصومال في يونيو.

ورغم ذلك، فقد أشارت الاستراتيجية الوطنية الأميركية لمكافحة الإرهاب في يونيو 2011: “ليس من المحتمل أن يؤدي حدثا منفردا، حتى لو كان مقتل أسامة بن لادن، القائد الوحيد الذي لم يعرف تنظيم القاعدة غيره، إلى تفكيك التنظيم”.

وفي منتصف عام 2011، بدأت القاعدة اتخاذ خطوات للمشاركة بفاعلية في تطورات الربيع العربي، كما كشفت عن ذلك المراسلات التي تم العثور عليها أثناء الغارة التي استهدفت بن لادن.. حيث رحَّبت هذه الرسائل بما وصفه كبار قادة التنظيم “نهاية الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط”، واعتبروه “دليلا دامغا على ضعف الغرب”.

أسامة بن لادن
أسامة بن لادن

وكان الخيط الرئيس الذي نسجته هذه المراسلات هو ضمان أن تنجلي هذه الثورات عن طريقة تنحاز إلى أهداف القاعدة. وقدَّم بن لادن إرشادات داخلية إلى أتباعه بأن “مسئوليتهم الأساسية الآن هي دعم هذه الثورات”. وأكد أنَّه يجب على التنظيم أن يمنع أنصاف الحلول، وأطَّر بشكل منفصل لما يحدث باعتباره “مرحلة انتقالية” لمرحلة تالية، ستدفع بالإسلام قُدُمَا.

وكشفت التوجيهات العملياتية الصادرة إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عن قيام التنظيم بالفعل بتغيير مقاربته الاستراتيجية، وسعيه الدءوب إلى توجيه دفة الاضطرابات لصالحه، وهو ما نجح فيه التنظيم في شبه الجزيرة العربية بفاعلية كبيرة.

فقد دعت رسالة غير مؤرخةٍ التنظيمَ في شبه الجزيرة العربية إلى “التحلي بالصبر” وألمحت إلى “فائدة المحافظة على النظام اليمني القائم” آنذاك بقيادة علي عبدالله صالح، على الإعلان عن إقامة نظام جديد “قد يبطش بجميع الإسلاميين”.

في هذه الأثناء وجَّه “صالح” الموارد الأمنية القليلة المتاحة في بلاده إلى مواجهة التهديدات التي تحيق بنظامه، ما خلق بيئة شبه مواتية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وأدى التقليل من شأن الخطر الذي يشكله التنظيم على النظام اليمني الحاكم إلى تحسين قدرته على استخدام ملاذه في اليمن لشن عمليات خارجية ضد الغرب.

وكان على التنظيم أن يركز على مهاجمة الأهداف الأميركية دون أن يهمل العمل مع أصحاب النفوذ المحليين لتحقيق الاستقرار في البلاد التي كانت على شفا الانهيار. ومن ثم.. أمر أحد قادة القاعدة البارزين وهو عطية عبد الرحمن التنظيمَ في شبه الجزيرة العربية بتنفيذ حملة اغتيالات سرية في اليمن، وتجنب الأعمال التي قد تثير ردة فعل، ودعم سلطة القبائل المحلية. وإجمالا، ظلت الخطة القاعدية على ما بدأت به من إنهاك الولايات المتحدة، ثم الأنظمة المحلية، وأخيرا بناء دولة إسلامية.

(يُتبع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock