في رسائله الصوتية التي بثها مطلع العام 2018 وحملت عنوان “رسائل مختصرة لأمة منتصرة” استهدف زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بشكل أساسي جماعة الإخوان المسلمين، ففي الحلقة الأولى له بعنوان “من يحمي المصحف” شن الظواهري حملة على الجماعة وعلى مؤسسها حسن البنا، الذي اتهمه بأنه بايع الملك فؤاد الذي لم يكن سوى حاكم فاسد يحكم بأول دستور علماني في مصر وهو دستور 1923، وحين خلفه ابنه فاروق بايعه حسن البنا على كتاب الله وعلى سنة رسوله.
وأشار الظواهري إلى أن البنا وصف الملك فاروق وقتها بأمير المؤمنين وحامي المصحف، داعيا إلى تنصيبه خليفة للمسلمين، ومؤكدا أن الإخوان المسلمين هم من أخلص جنوده، وبالفعل عقدت الجماعة مؤتمرها الرابع لبيعته، وطالب البنا فاروق “أن لا يكون في مصر المسلمة إلا ما يتفق مع الإسلام، وحينها، فإن مائة ألف من الإخوان سيكونون جنودا على أهبة الاستعداد”.. وقبل أن يغتال نظام الملك فاروق حسن البنا في 12 فبراير عام 1949 خاطبه البنا قائلا: “قدنا يا مولاي ما شئت، فالأمة من ورائك، والله من حولك خير حافظ وأقوى معين”.
وباعتبار أن الديموقراطية تناقض الدين في نظر الظواهري وتنظيم القاعدة، خاصة في اعتمادها الأحزاب والبرلمانات لتشريع قوانين وضعية يرونها مخالفة للشريعة، فقد عايروا البنا بما كان قد قاله من إن النظام الدستوري هو أقرب نظم الحكم التي لا تتنافى مع الإسلام، وبمدحه لدستور 1923 “العلماني” وإشارته إلى أن واضعيه توخوا أن لا يصطدم في نص من نصوصه بقواعد الدين الإسلامي.
كما نعى الظواهري على البنا ترشحه للانتخابات البرلمانية مرتين، مرة انسحب فيها بناءً على طلب مصطفى النحاس زعيم الوفد، والمرة الثانية عندما أسقط هو والمرشحون الآخرون من الإخوان.
وامتد هجوم الظواهري على ممارسات قادة الإخوان من بعد قتل مرشدهم، في ما اعتبره ممالأة للأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر من فاروق إلى جمال عبد الناصر والسادات ومبارك. واتهم قادة الإخوان بأنهم تقدموا لحكم مصر على أسس علمانية استبعدوا فيها الحكم بالشريعة، ورهنوا تطبيق ما يأخذون من أحكام الشريعة بموافقة أغلب الشعب، وكذلك التزموا بالاتفاقات الدولية بالشراكة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ورأى الظواهري أن فترة حكم محمد مرسي عكست نظرة جماعته للحكم فكان حاكما علمانيا لدولة علمانية لا فرق بينه وبين مبارك، ما يؤكد أن الإخوان هم أسرى نظرية “مزرعة الدواجن” التي تربوا عليها، والتي تجعلهم يرضون بما يُلقى إليهم. ولم ينس الظواهري أن يهاجم أيضا من أطلق عليهم “سلفية المباحث والريال”، وهو يقصد بذلك تيار الدعوة السلفية وحزب النور.
كما هاجم الظواهري حزب النهضة الإخواني في تونس، الذي وصف قياداته بأنهم: “هلكى عقدة الدونية تلاميذ المارينز”، في تلميح إلى فتوى الشيخ يوسف القرضاوي التي أباح فيها للمسلمين الأمريكيين القتال ضمن قوات المارينز في أفغانستان ضد حركة طالبان.
وفي الحلقات الصوتية التي داوم الظواهري على إصدارها منذ عام 2016 وناقش فيها قضايا الربيع العربي ركز بشكل أساس على فكرة العدو البعيد، وضرورة التوحد في مواجهة الحملة الصليبية ضد العالم الإسلامي بما في ذلك الاستعداد للتعاون مع ما يُعرف باسم “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، بيد إن الملمح الرئيس في خطابه ركز على ما جرى في مصر بعد الربيع العربي، معتبرا أن الإخوان المسلمين هم السبب الرئيس في إفشال ذلك الربيع بسبب مناهجهم المبنية على موالاة النظم السياسية القائمة والاستعداد للتحالف معها، واعتماد الخط العلماني الذي يعتبر الديموقراطية والمنهج السلمي وتداول السلطة الطريق الوحيد لتغيير النظم السياسية، وعدم الاهتمام بتحكيم الشريعة.
وفي إصداره الثامن ضمن تلك السلسلة الصوتية التي سعى من خلالها زعيم القاعدة إلى تأكيد استمرار سطوة التنظيم في أعقاب ظهور تنظيم داعش وأبو بكرالبغدادي وهيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني، بدا واضحا أن الإخوان في مصر هم قضيته الرئيسية، وأن مصر هي المكان المركزي الذي يسعى أن يحقق فيه حلم حياته بنجاح ولو محدود لتنظيمه.
ففي ذلك الإصدار الذي حمل عنوان “بشرى النصر لأهلنا في مصر” أعاد الظواهري تحميل الإخوان المسؤولية عن فشل الربيع العربي وثورة 25 يناير بسبب سلميتهم وتفاهمهم مع الأنظمة، وعدم تحكيمهم للشريعة ومطالبتهم بعودة مرسى، داعيا الإخوان والحركات الجهادية الأخرى، بما في ذلك تنظيم داعش نفسه، إلى أن يتحدوا جميعا ويضعوا أيديهم معا.
وكان تنظيم داعش قد عرض قبل التسجيل الصوتي المسرب للظواهري وقتها فيديو بعنوان “حماة الشريعة” عرض فيه صورا لابن قيادي إخواني اسمه “عمر إبراهيم الديب” واستنكر هذا الشاب سلمية الإخوان ومناهج التنظيم الذي ينتمي إليه أبوه في التفكير والتخطيط، وهو ما يعني أن شبابا من الإخوان ذهبوا إلى داعش وانضموا إليه ونفذوا عمليات باسمه، وكان الإخوان قد زعموا أن الشاب اختفي قسريا، بينما كانت الحقيقة تقول إنه قتل على يد قوات الأمن المصرية في ملاحقة لمفرزة أمنية تابعة لداعش بالقاهرة لتنفيذ عمليات بالعاصمة.
القيادي الإخواني إبراهيم الديب ابنه عمر المنضم لتنظيم داعش
إزاء ما يمكن اعتباره هجوما منظما من القاعدة وداعش على الكتلة السائلة والغاضبة داخل جماعة الإخوان وهم أولئك الذين يتحدثون عن اللجان النوعية والثورة واستخدام المواجهة المسلحة مع الدولة المصرية، لا نجد سوى الصمت، أو أحاديث تعبر عن توظيف لغياب بعض من غاب من الشباب في صراع الجماعة مع الدولة وهي تعرف انضمامه لداعش، ولم يخرج بيان من الجماعة وقتها بشأن الموقف من حالة عمر الديب أو حالات غيره انضمت لداعش سوى بيان لوالده بشكل فردي أقر فيه بانضمام ابنه لداعش دون أن يعرف.
هنا السؤال: هل بات تنظيم الإخوان المسلمين نهبا لسطوة تلك الجماعات المسلحة واقتحاماتها فيما لا يزال يواجه امتحانه الصعب والكبير دون حسم أي من معاركه لا مع النظام ولا مع المختلفين معه من الشباب داخل الجماعة ولا مع أفكاره القديمة التي تفتح الباب واسعا مشرعا للعنف دون حسم من جانب الجماعة؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصمد المخزون الاستراتيجي الشبابي لتلك الجماعات العنيفة التي تواجه استنزافا لقاعدتها الشبابية في مواجهاتها مع العالم والتحالف الدولي والقوى المحلية ،بما في ذلك الجيش المصري الذي يشن عمليته سيناء 2018 الشاملة والتي تبدو استباقا لضرب تلك الجماعات لقطع دابرها والخلاص من خطرها.