إيلياج مجناير- خبير مكافحة الإرهاب
ترجمة: أحمد بركات
تقديم:
تعود أهمية هذا المقال الذي يقدم موقع “أصوات أونلاين” ترجمة له للقارئ العربي، إلى القضية التي يناقشها وهي الخطر الذي يمكن أن يمثله “الدواعش الاوربيون” على بلدانهم في حال عودتهم اليها بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، لا سيما في ظل إصرار واشنطن على التخلص من هذه العناصر بإعادتها إلى أوربا. لكن أخطر ما تضمنه المقال هو أن يميط اللثام عن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في تشجيع وتسهيل سفر الجهاديين من مختلف بلدان الشرق الأوسط وأسيا وأوربا إلى سوريا لقتال النظام هناك ولتدمير هذا البلد. حيث يشير كاتب المقال “إيليج مجناير”، وهو خبير دولي في مجال مكافحة الإرهاب، إلى أن واشنطن كانت قد طالبت دولا أوربية بالسماح لجهاديين محتملين بالسفر إلى سوريا والعراق، والمملكة العربية السعودية والأردن، وفتح سجون هذه البلاد، والعفو عن جهاديين أساسيين للزحف إلى وجهتهم المفضلة صوب “الشام. كما يكشف المقال عن أن دولا أوربية وشرق أوسطية “وفرت ممرات جهادية إلى سوريا، بالأساس عبر تركيا؛ حيث “خصص مطار أنقرة ممرات خاصة لاستيعاب المقاتلين الجدد قبل إرسالهم باتجاه الشرق”، وأن الهدف من ذلك كان تقسيم سوريا والعراق.
“أصوات أونلاين”
ترامب وأروبا والدواعش
على موقع التغريدات المصغرة “تويتر” – المنتدى المفضل لدى الرئيس الأمريكي للإعلان عن سياساته الخارجية وقرارته الداخلية – طالب “دونالد ترامب” كلا من “بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم من الحلفاء الأوربيين باستعادة مواطنيها الموجودين ضمن أكثر من 800 من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تم إلقاء القبض عليهم في سوريا”، وتعود أصولهم إلى 44 دولة عبر أنحاء العالم.
وفي التغريدة نفسها هدد الرئيس الأمريكي أنه في حال تقاعس هذه الدول عن استعادة مواطنيها، فإنه سيقوم بإطلاق سراحهم، مؤكدا أنه لم يعد مستعدا على الإطلاق لإنفاق مزيد من الوقت في انتظار “الآخرين (الدول الأوربية) كي يقوموا بواجباتهم”.
يبدو أن هذا هو كل ما تعنيه السياسة الخارجية الأمريكية، وتدور حوله علاقتها بالحلفاء. فقبل بضعة أشهر طالبت الولايات المتحدة دولا أوربية وشرق أوسطية، إضافة إلى كندا وأستراليا، بإرسال فرق عسكرية إلى سوريا من أجل محاربة تنظيم الدولة. لكنها، قبل ذلك بسنوات قلائل، كانت قد طالبت دولا أوربية بالسماح لجهاديين محتملين بالسفر إلى سوريا والعراق، والمملكة العربية السعودية والأردن، وفتح سجون هذه البلاد، والعفو عن جهاديين أساسيين للزحف إلى وجهتهم المفضلة صوب “الشام” وتدمير الدولة السورية، وتطبيق سيناريو “الدولة الفاشلة” على أنقاضها. لكن أمانيهم ذهبت أدراج الرياح، ولم تسقط دولة الأسد في غضون ثلاثة إلى ستة أشهر، كما كان متوقعا لها في عام 2011.
واليوم يواجه العالم معضلة جديدة: “ماذا يجب أن نفعل حيال هؤلاء الذين ساعدناهم على الوصول إلى سوريا ليعيثوا فيها فسادا، والذين يرغبون اليوم في العودة إلى بلادهم؟” يتصدى للإجابة على هذا السؤال كبير محللي المخاطر السياسية والمتخصص في مكافحة الإرهاب،” إيلياج مجناير” في مقالته التي حملت عنوان Europe Pays the Price of a US Decision: Where will European ISIS Go? (أوربا تدفع ثمن القرار الأمريكي: أين سيذهب الداعشيون الأوربيون؟)، وترجمت إلى العديد من اللغات.
Elijah J. Magnier
كيف انضم المقاتلون الأوربيون إلى داعش؟
في بداية مقالته يؤكد “مجناير“، أن واشنطن لا ترغب في مساعدة أوربا على التعامل مع مواطنيها “المارقين الذين انضموا إلى تنظيم الدولة بناء على طلب من الولايات المتحدة، رغم أن أعدادا تُقدر بالآلاف من أعضاء تنظيم الدولة تمكنوا من العودة إلى بلادهم في أوربا. كما تمكن عشرات آلاف آخرون من العودة إلى بلادهم في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.
ويضيف أن عددا من هؤلاء المقاتلين كانوا سجناء سابقين في بلادهم الأصلية، لكنهم “لبوا داعي الجهاد، ووصلوا إلى سوريا والعراق بمساعدة أجهزة مخابراتية أوربية وحليفة للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية والعمل تحت إمرة خليفتها”.
وفي سياق الأسباب التي دفعت بالدواعش الأوربيين لترك بلادهم والذهاب إلى واحدة من أهم بؤر الصراع الملتهبة في النصف الآخر من العالم، يشير الكاتب إلى أن هؤلاء المقاتلين قد ارتحلوا إلى الشام لأسباب متباينة، مثل اللحاق بأحد أفراد العائلة أو الأصدقاء الذين سبقوهم إلى هناك، وحب المغامرة، وإشباع شهوة حمل السلاح والقتل، أو الزواج بامرأة أو أكثر، وإشباع غريزة الانتماء إلى مجتمع شرق أوسطي أكثر ودا ودفئا من مجتمعاتهم الأوربية. ويضيف: “لم يكن أغلب هؤلاء يعرف الكثير عن الإسلام قبل الوصول إلى الشام ولا يزال الكثيرون منهم يجهلون تعاليم الإسلام وعلم الحديث وأصول الشريعة، لكنهم تشاركوا جميعا في شيء واحد، هو قتل آلاف العراقيين والسوريين”.
في هذا السياق- ووفقا للكاتب – فقد وفرت دول أوربية وشرق أوسطية ممرات جهادية إلى سوريا، بالأساس عبر تركيا التي ترحب سلطاتها بالهجرة الجهادية؛ فقد خصص مطار أنقرة ممرات خاصة لاستيعاب المقاتلين الجدد قبل إرسالهم باتجاه الشرق. كان الهدف هو تقسيم سوريا والعراق. وبدا العالم بلا حراك أمام الحراك الداعشي الحثيث لجمع موارد مالية هائلة من سرقة مئات ملايين الدولارات من البنوك نقدا وذهبا، وبيع النفط والبنية التحتية والمشغولات اليدوية إلى تركيا، وجمع أموال طائلة شهريا من الضرائب المحلية على الخدمات والإسكان والكهرباء والزراعة وعبور السيارات وتبادل البضائع وغيرها من الموارد الأخرى التي جلبت دخلا سخيا إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة التنظيم.
هل انتهى تنظيم الدولة بانتهاء دولة التنظيم؟
يلفت الكاتب إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، كان يمتلك الشجاعة ليقول إنه كان يريد أن يتجنب تلويث الهواء فوق سوريا والعراق، الذي سينتج عن قصف ناقلات النفط التابعة لداعش، وأنه في الفترة بين عامي 2014 و2015 “حينما زعمت الولايات المتحدة أنها تقاتل داعش في سوريا، كانت المنطقة الواقعة تحت سيطرة الأخيرة تتمدد وتنتعش حتى بلغت مساحتها مساحة بريطانيا”. وتطلب الأمر حينذاك تدخلا عسكريا روسيا بدأ في سبتمبر 2015 لتدمير هذه الناقلات؛ مما أدى إلى الحد من التدفقات النفطية المسروقة إلى تركيا، وتقليص دخل داعش من هذه التجارة.
لكن هذا لا يعني بحال – وفقا لمجناير – موت الاقتصاد الداعشي أو نضوب موارده؛ فربما سار زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي، على خطا نموذج الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، في إخفاء الموارد المالية والأسلحة لاستخدامها في ساعة العسرة. وتعتقد المخابرات العراقية إلى حد اليقين أن تنظيم الدولة قد نجح في إنشاء العديد من الشركات والمشروعات المدنية للمحافظة على تدفق الأموال من أجل تمويل العنف واستمرار تجنيد عناصر جديدة في صفوفه. ويضيف الكاتب أنه بحسب مصادر أمنية عراقية، فقد “نجحت وحدة الاستخبارات العراقية في إلقاء القبض على عشرات الخلايا التابعة لتنظيم الدولة التي تقوم بإدارة ثروة طائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات لحساب التنظيم”.
وبعيدا عن الاقتصاد، يلفت الكاتب إلى أن تنظيم الدولة متواجد بكثافة في العديد من الكهوف والمواقع في الصحراء التي تربط سوريا بالعراق، حيث يقوم حاليا بتنفيذ عشرات الهجمات والاغتيالات النافذة في كل شهر في محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك وجبال حمرين ومخول، التي أودت بحياة عشرات العراقيين. كما قام التنظيم خلال شهر فبراير 2019 فقط، باختطاف تسعة عشر عراقيا من على الحدود السعودية العراقية، الممتدة من عرعر إلى النخيب، في صحراء الأنبار، وتم العثور على ست جثث حتى الآن.
معركة إثبات الوجود
ويخوض تنظيم الدولة في الفترة الراهنة معركة إثبات وجود يحتاج خلالها إلى تنفيذ أكبر عدد ممكن من الهجمات الإرهابية، ولن يكون مستغربا أن تشهد منطقة الشرق الأوسط العديد من عمليات العنف حتى بعد أن خسرت داعش الإقليم الذي كانت تسيطر عليه.
ويحذر الكاتب من أن هذا النوع من العمليات ليس بمنأى عن أوربا، حيث يسعى التنظيم إلى تحقيق مزيد من الانتشار والذيوع، ويلفت إلى أن هجمات باريس وبروكسل وغيرهما قد منحت شعورا عميقا بالقوة لدى مؤيدي التنظيم. وقد أثبتت التحقيقات أن هذه الهجمات قد دُبر لها من قبل قيادات التنظيم في الرقة السورية.
من هنا، فإن عودة المئات من مسلحي تنظيم الدولة إلى أوربا سيخلق معضلة كبيرة لنفس القادة الأوربيين الذين ساندوا وشاركوا قبيل سنوات في إرسال هؤلاء الإرهابيين المحتملين إلى الشام، حيث تحول أغلبهم في سوريا والعراق إلى قتلة محترفين. وإذا كان كثير من هؤلاء قد قتل أثناء تنفيذ هجمات إرهابية، فإن الذين بقوا على قيد الحياة – بحسب الكاتب – هم ’الصفوة‘ المتمرسة على قيادة المعارك، والخبيرة في تنفيذ عمليات قتل وحشي.
كرة النار
مما لا شك فيه أن جحافل تنظيم الدولة قد تعرضت لهزيمة منكرة، وأن الظروف التي سمحت لها بالانتشار في عام 2014 قد ذهبت إلى غير رجعة. لكن برغم أن الكثيرين من مقاتلي تنظيم الدولة يرفعون الآن رايات الاستسلام في آخر معاقلهم في سوريا، إلا أن انتهاء الدولة التي كان يحكمها التنظيم لا يعني بحال انتهاء التنظيم نفسه من دول الشرق الأوسط و أوربا وبقية دول العالم، لا سيما في غرب أفريقيا وليبيا والعراق واليمن ومصر وأفغانستان والفلبين.
ويلقي ترمب حاليا بكرة النار في قلب أوربا عندما يطالب الدول الأوربية باستعادة مواطنيها، مشيرا إلى أنه لا يرغب في تسليم سجناء تنظيم الدولة إلى الحكومة السورية. في الوقت نفسه، فإن أوربا لا تمتلك سجونا قادرة على استيعاب هكذا إرهابيين، كما أنها لا تمتلك أدوات مناسبة لمعالجتهم فكريا من التطرف الذي ألمً بهم، ومن عمليات غسيل المخ التي تعرضوا لها. كما أنه لا توجد ضمانة واحدة على أن مسلحي داعش القابعين رهن الاعتقال سيمتنعون عن نشر أيديولوجيتهم ومهاراتهم، والعمل كخلايا نائمة يمكن بعثها في أي وقت، والضرب بها مع أول فرصة.
ويشير الكاتب إلى أن ثمة طرق كثيرة لمواجهة أيديولوجيا تنظيم الدولة، وذلك باستخدام نفس الأدوات التي استخدمها التنظيم؛ فأفكاره يمكن دحضها فكريا وشرعيا من قبل الهيئات الإسلامية المنتشرة في أوربا، خاصة بعد أن أثارت هذه الأفكار وتلك الممارسات موجة من الرفض القاطع من قبل العلماء السنة الذين فندوا حجج التنظيم وتنكروا لدولته المعلنة ذاتيا. ويبقى تنظيم القاعدة أيضا مفتوحا على هذا التفنيد الأيديولوجي، لكن مدى فاعلية هذه الإدانات سيبقى محل تساؤل ومساءلة.
وبرغم ترحيب وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانر، بعودة مسلحي تنظيم الدولة إلى فرنسا، إلا أن هذا الترحيب لن يكون متوقعا في أغلب الدول الأوربية التي تفتقر إلى الموارد والخبرات التي تؤهلها للتعامل مع هؤلاء الإرهابيين. ويعلق هايكو ماس، وزير خارجية ألمانيا، على تغريدة الرئيس الأمريكي بأنه “ليس الأمر بالسهولة التي يعتقدونها في الولايات المتحدة “. لذا، فإنه يتعين على السلطات الأوربية – كما يخلص الكاتب – أن تستفيد من تجربة سوريا والعراق في مواجهة هذا التنظيم، وإلا فإنها ستجد صعوبة بالغة في التصدى له ومنع انتشاره السرطاني.
يمكن قراءة النص الأصلي للمقالة باللغة الإنجليزية من هنا ?